[خادم الزهراء]

أين دفن النبي ؟!

قال ابن كثير: «قد علم بالتواتر: أنه عليه الصلاة والسلام دفن في حجرة عائشة التي كانت تختص بها، شرقي مسجده، في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة، ثم دفن بعده أبو بكر، ثم عمر..»([1]).

وقضية دفنه «» في بيت عائشة رواها في صحيح البخاري وغيره عن عائشة بصورة عامة.. وعن ابن أختها عروة بن الزبير، كما يلاحظ في أكثر الروايات..

أما نحن فنشك في ذلك كثيراً، لأكثر من سبب:
السبب الأول:
أن بيت عائشة لم يكن في الجهة الشرقية من المسجد، لأمرين:
أحدهما: أن خوخة آل عمر الموجودة في الجانب القبلي في المسجد، وهي اليوم «يتوصل إليها من الطابق الذي بالرواق الثاني من أروقة القبلة، وهو الرواق الذي يقف الناس فيه للزيارة أمام الوجه الشريف بالقرب من الطابق المذكور..»([2]) ـ هذه الخوخة ـ قد وضعت في بيت حفصة الذي كان مربداً، وأخذته بدلاً عن حجرتها حين توسيع المسجد..
وقد كانت دار حفصة في قبلي المسجد([3]).
وكان بيت حفصة بنت عمر ملاصقاً لبيت عائشة من جهة القبلة([4]).
«والمعروف عند الناس: أن البيت الذي كان على يمين الخارج من خوخة آل عمر المذكورة هو بيت عائشة»([5]).
وعلى هذا.. فيكون بيت عائشة في قبلي المسجد، لا في شرقيه، حيث يوجد القبر الشريف، أي أنه يكون في مقابله وبينه وبينه فاصل كبير..
الثاني: مما يدل على أن بيت عائشة كان في جهة القبلة من المسجد من الشرق، ما رواه ابن زبالة، وابن عساكر، عن محمد بن أبي فديك، عن محمد بن هلال: أنه رأى حُجَر أزواج النبي «» من جريد، مستورة بمسوح الشعر، فسألته عن بيت عائشة.
فقال: كان بابه من جهة الشام.
قلت: مصراعاً كان أو مصراعين؟!
قال: كان باب واحد([6]).
وفي عبارة ابن زبالة: مستورة بمسوح الشعر، مستطيرة في القبلة، وفي المشرق، والشام. ليس في غربي المسجد شيء منها الخ.. ([7]).
وقال ابن عساكر: وباب البيت شامي([8]).
فيستفاد من ذلك:
ألف: ما قاله المحقق البحاثة السيد مهدي الروحاني «رحمه الله»:
«قوله في الحديث: (فسألته عن بيت عائشة) في هذا دلالة على أن الحجرة التي دفن فيها النبي «» لم تكن بيت عائشة، إذ فيه دلالة على أن السائل يعلم أن بيتها لم يكن في الموضع الذي دفن فيه النبي «».. ولذلك فهو يسأل عن موضع بيتها فيما عدا البيت الذي دفن فيه النبي «» ليعرفه أين يقع..» انتهى.
ب: إن من المعلوم: أن الجهة الشامية للمسجد هي الجهة الشمالية منه، كما صرحت به الرواية آنفاً، ويدل على ذلك أيضاً قول ابن النجار:
«قال أهل السير: ضرب النبي «» الحجرات ما بينه وبين القبلة، والشرق إلى الشام، ولم يضربها في غربيه. وكانت خارجة عنه مديرة به. وكان أبوابها شارعة في المسجد»([9]).
وأيضاً: «وجه المنبر، ووجه الإمام إذا قام على المنبر بجهة الشام»([10]).
ومن المعلوم: أن الجالس على المنبر يكون ظهره إلى القبلة، ووجهه إلى الجهة المقابلة لها..
فإذا تحقق ذلك.. وإذا كان باب بيت عائشة يقابل الجهة الشمالية، فإن ذلك معناه: أن بيتها كان في جهة القبلة من المسجد..
وكان باب حجرتها يفتح على المسجد مباشرة، حتى إنها تقول: إنها كانت ترجِّل النبي «»، وهو معتكف في المسجد، وهي في بيتها، وهي حائض([11]).
وقد حاول البعض توجيه ذلك: بأن المراد من الباب الذي لجهة الشام هو الباب الذي شرعته عائشة لما ضربت حائطاً بينها وبين القبور، بعد دفن عمر..
وأجاب السمهودي بقوله:
«وفيه بُعد، لأنه سيأتي ما يؤخذ منه أن الحائط الذي ضربته كان في جهة المشرق»([12]).
وإذا كان في جهة المشرق؛ فلا بد أن يكون الباب فيه مقابلاً للمغرب، لا لجهة الشام.
ج: ويدل على كون بيت عائشة في جهة القبلة: أن الحُجر كانت تبدأ من بيت عائشة، وتنتهي إلى منزل أسماء بنت حسن، كما نص على ذلك من شاهدها([13]).
د: إن رواية ابن عساكر، وابن زبالة المتقدمة تنص على أنه لم يكن لبيت عائشة إلا باب واحد، بمصراع واحد..
وهم يقولون: إنه قد صُلِّي على النبي «»، وهو على شفير حفرته، ودفن في حجرة لها بابان..
فقد روى ابن سعد، عن أبي عسيم، قال: لما قبض رسول الله «»، قالوا: كيف نصلّي عليه؟
قالوا: ادخلوا من ذا الباب ارسالاً ارسالاً، فصلّوا عليه، واخرجوا من الباب الآخر..([14]).
ويمكن المناقشة في الرواية التي كان السؤال فيها عن كون الباب فيه مصراعاً أو مصراعين:
بأن الجواب لا بد أن يطابق السؤال، فإذا كان السؤال عن مصاريع الباب، لا عن عدد الأبواب، فلا بد أن يكون الجواب عن ذلك أيضاً.. ولا يدل ذلك على أنه لم يكن للحجرة باب آخر.
هـ: سيأتي: أنهم يزعمون: أن النبي «» كان في مرضه (أي قبل انتقاله إلى بيت فاطمة) في حجرة عائشة؛ فكشف الحجاب؛ فظهر وجهه «» للمصلين كأنه ورقة مصحف، فكاد الناس أن يفتنوا وهم في الصلاة لما رأوا رسول الله «»..
وهذا يدل على أن حجرة عائشة كانت في طرف القبلة في مقابل المصلِّين..
وأما ما ذكرته الرواية من صلاة أبي بكر في الناس فقد كان ذلك بغير رضى من النبي «».
وقد بادر «» إليه رغم مرضه، وأخرّه، وصلى مكانه. وقد بحثنا هذا الأمر في موضع آخر من هذا الكتاب..
و: بالإضافة إلى أن في روايات بعض أهل السنة: أن بيت فاطمة «» كان في المربعة التي في القبر.
السبب الثاني:
قال ابن سعد: «واشترى (يعني معاوية) من عائشة منزلها بمئة وثمانين ألف درهم، ويقال بمائتي ألف. وشرط لها سكناها حياتها. وحمل إلى عائشة المال، فما رامت من مجلسها حتى قسمته.
ويقال: اشتراه ابن الزبير من عائشة، بعث إليها ـ يقال ـ خمسة أجمال بُخت تحمل المال، فشرط لها سكناها، حياتها، فما برحت حتى قسمت ذلك الخ..»([15]).
ولا ينبغي أن يتوهم: أن المقصود ببيت عائشة هنا هو البيت الذي أخذته من سودة، التي توفيت في أواخر خلافة عمر، إذ قد:
أسند ابن زبالة، عن هشام بن عروة، قال: إن ابن الزبير ليعتد بمكرمتين ما يعتد أحد بمثلها: إن عائشة أوصته ببيتها وحجرتها، وإنه اشترى حجرة سودة([16]).
فعائشة إذن، قد باعت بيتها وأكلت ثمنه، فكيف يقولون: إن النبي «» قد دفن في حجرتها؟!
والمفروض: أن الحجرة كانت من الصغر بحيث لا تتسع لدفن ثلاثة أشخاص.
واحتمال أن يكون المقصود هو بيتها المستحدث، لا يصح، لأن سياق الكلام ناظر إلى حجر أزواج النبي «»، التي خُصِّصت لهن من قبله «».
كما أن معاوية لا يدفع هذا المال الكثير إلا لينال شرفاً، أو ليحرم الآخرين شرفاً بزعمه.. وهذا الشرف هو الحصول على مكان ينسب إلى رسول الله «»..
إلا إن كان هدفه هو تعظيم شأن عائشة. ولم نشعر أنه يهتم لها كثيراً، كما أظهره موقفه منها حين عارضت سياساته في قتل أخيها، وحجر بن عدي، وسواهما..
السبب الثالث:
أنهم يقولون: إن الموضع قد ضاق حتى لم يعد فيه إلا موقع قبر واحد، فدفن فيه عمر..
فقد روى البخاري، وغيره: أن عمر بن الخطاب لما أرسل إلى عائشة يسألها أن يدفن مع صاحبيه.
قالت: كنت أريده لنفسي، فلأوثرنه اليوم على نفسي..([17]).
قال ابن التين: «كلامها في قصة عمر يدل على أنه لم يبق ما يسع إلا موضع قبر واحد»([18]).
وإن كان هذا يتناقض مع قولها حين دفن الإمام الحسن «»: أنه لم يبقى في حجرة رسول الله «» إلا موضع قبرواحد([19]).
ويؤيد ذلك: أنه «لما أرسل عمر إلى عائشة؛ فاستأذنها أن يدفن مع النبي «» وأبي بكر فأذنت.
قال عمر: إن البيت ضيق، فدعا بعصا؛ فأتي بها، فقدر طوله، ثم قال: احفروا على قدر هذه»([20]).
ورووا: أنه جاف([21]) بيت النبي «» من شرقيه، فجاء عمر بن عبد العزيز، ومعه عبد الله بن عبيد الله بن عبد الله بن عمر، فأمر ابن وردان: أن يكشف عن الأساس، فبينا هو يكشفه إلى أن رفع يده، وتنحى واجماً، فقام عمر بن عبد العزيز فزعاً، فقال عبد الله بن عبيد الله: لا يروعنّك، فتانك قدما جدك عمر بن الخطاب، ضاق البيت عنه، فحفر له في الأساس الخ..
وفي الصحيح، قال عروة: ما هي إلا قدم عمر([22]).
وإذ قد عرفنا: أن الحجرة التي دفن فيها النبي «» قد ضاقت حتى دفن عمر في الأساس..
فلننظر إلى بيت عائشة الذي كانت تسكن وتتصرف فيه.. فإننا نجد: أنه كان واسعاً وكبيراً.. وبقيت تتصرف فيه في الجهات المختلفة، فليلاحظ ما يلي:
1 ـ تقدم: أن عائشة قد باعت بيتها لمعاوية، أو لابن الزبير.
2 ـ إن عائشة قد عرضت على عبد الرحمن بن عوف أن يدفن مع النبي الأكرم «»..([23]).
ومنع بنو أمية من دفن الإمام الحسن «» عند جده، حينما ظنوا أن الحسين «» يريد دفنه هناك([24]).
بل يقال: إن عائشة نفسها هي التي تزعّمت عملية المنع عن دفنه هناك..([25])، وإن ادّعى البعض: أنها قد أذنت في ذلك، لكن بني أمية منعوا منه..([26]).
كما أنهم يروون: أن عيسى بن مريم سوف يكون رابع من يدفن هناك..([27]).
ثم إن نفس عائشة تصف القبور الثلاثة ثم تقول: «وبقي موضع قبر»([28]).
وأما ما روي عنها من أنها استأذنت النبي «» إن عاشت بعده أن تدفن إلى جانبه، فقال لها: وأنى لك بذلك، وليس في ذلك الموضع إلا قبري، وقبر أبي بكر، وعمر، وعيسى ابن مريم([29]). لأن الحافظ يقول: لا يثبت([30]).
ولأنها كانت تريد أن تدفن في ذلك الموضع، لكن منعها من ذلك أنها أحدثت بعد رسول الله «».
أضف إلى ذلك: أن هذا لا يلتقي مع زعمهم أن المكان ضاق حتى حفروا لعمر في الأساس.
ثم إنهم يروون عنها أنها تقول: ما زلت أضع خماري، واتفضل في ثيابي حتى دفن عمر، فلم أزل متحفظة في ثيابي حتى بنيت بيني وبين القبور جداراً([31]).
وعن مالك قال:
قسم بيت عائشة قسمين: قسم كان فيه القبر، وقسم تكون فيه عائشة، بينهما حائط([32]).
وكل ذلك يدل دلالة قاطعة على أن الحجرة التي تدعوهم أو تعدهم للدفن فيها، أو تمنعهم من الدفن فيها كانت متسعة. والمفروض: أن الحجرة التي تدّعي أن النبي «» دفن فيه قد ضاقت حتى دفن عمر، فوضعت في الأساس. فهل هما حجرتان؟! أم حجرة واحدة؟!
أو يقال: إن عائشة قد استولت على بيت فاطمة «»، وأضافت عليه ما اتسع به. وصارت تجيز هذا وتمنع ذاك.
وملاحظة أخيرة نذكرها: عن احتجاب عائشة حين دفن عمر وهي: أن هذه القضية قد حيرتنا أيضاً.
وهل بلغ بها التقى أن صارت تتستر من الأموات وهم في قبورهم؟!..
فكيف إذن لم تتستر من عشرات الألوف من الرجال الأحياء، حينما خرجت لتحارب أمير المؤمنين «» في حرب الجمل، وغيرها؟!
وكيف توصي ابن الزبير بأن لا يدفنها مع النبي «»، لأنها لا تحب أن تزكى([33]).
أو لأنها قد أحدثت بعده؟!
فَلِمَ لَمْ تعلل ذلك بوجود عمر؟!
أليست جثة عمر لا تزال موجودة في ذلك الموضع؟!
وعلى كل حال.. فإنه بعد دفن النبي «» في تلك الحجرة، وهي حجرة فاطمة «» كما سيأتي.. أخليت من ساكنيها، وأظهرت للناس.. واستولت عليها عائشة، واستولت على غيرها.. وسكنت هناك، مستفيدة من قوات السلطة وهيبتها..
وكان أول من بنى على بيت النبي «» جداراً عمر بن الخطاب.
قال عبيد الله بن أبي يزيد: «كان جداره قصيراً، ثم بناه عبد الله بن الزبير..»([34]).
وعن المطلب قال: كانوا يأخذون من تراب القبر، فأمرت عائشة بجدار فضرب عليهم، وكانت في الجدار كوّة، فكانوا يأخذون منها، فأمرت بالكوّة فسدّت([35]):
أو أنهم سدوا أو ستروا على القبر بعد محاولة الحسين دفن أخيه الحسن هناك([36])، اتقاء منهم لمثل هذا الأمر، حتى لا يتكرر بعد.
والسبب الرابع:
أن الأدلة تدل على أنه «» قد دفن في بيت ابنته فاطمة الزهراء «»، ثم استولت عليه عائشة، واستقرت فيه، وضربت جداراً بينها وبين القبور، وبقيت تحتلُّ هذا البيت الطاهر ـ كما قدمنا ـ الذي كان في وسط بيوت أزواج النبي «» كما ذكره ابن عمر([37]).
ونستند في ذلك إلى ما يلي:
1 ـ روى الصدوق في أماليه رواية مطوّلة، عن ابن عباس، جاء فيها:
«..فخرج رسول الله «»، وصلّى بالناس، وخفف الصلاة، ثم قال: ادعوا لي علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد، فجاءا، فوضع «» يده على عاتق علي، والأخرى على أسامة، ثم قال: انطلقا بي إلى فاطمة.
فجاءا به، حتى وضع رأسه في حجرها، فإذا الحسن والحسين..» ثم ذكر قضية وفاته هنا([38]).
2 ـ قال السمهودي: «أسند ابن زبالة، ويحيى بن سليمان بن سالم، عن مسلم بن أبي مريم، وغيره: كان باب فاطمة بنت رسول الله في المربعة التي في القبر.
قال سليمان: قال لي مسلم: لا تنس حظّك من الصلاة إليها، فإنها باب فاطمة «»، الذي كان علي يدخل عليها منه»([39]).
وعن ابن أبي مريم: «إن عرض بيت فاطمة بنت رسول الله «» إلى الاسطوانة التي خلف الاسطوانة المواجهة للزور قال: وكان بابه في المربعة التي في القبر.
وقد أسند أبو غسان ـ كما قال ابن شبة ـ عن مسلم بن سالم، عن مسلم بن أبي مريم، قال: عرس علي «» بفاطمة بنت رسول الله إلى الأسطوانة التي خلف الأسطوانة المواجهة للزور. وكانت داره في المربعة التي في القبر.
وقال مسلم: لا تنس حظّك من الصلاة إليها، فإنه باب فاطمة، التي كان علي يدخل إليها منها، وقد رأيت حسن بن زيد يصلّي إليها»([40]).
فهل كان علي «» يدخل على زوجته من وسط حجرة عائشة؟
أم أن عائشة أو غيرها من زوجاته «» كانت من محارمه «»؟!
إن ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على أن ذلك الموضع هو بيت فاطمة التي ظلمت في مماتها، كما ظلمت في حياتها: ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ﴾([41]).. وليس هو بيت عائشة، كما تريد أن تدعي هي ومحبوها!!
3 ـ إن لدينا ما يدل على أن شرقي الحجرة كان في بيت فاطمة. وإذن.. فعائشة كانت تسكن في بيت فاطمة حينما ضربت الجدار!!..
«قال ابن النجار: وبيت فاطمة اليوم حوله مقصورة، وفيه محراب، وهو خلف حجرة النبي «».
قلت (أي السمهودي): الحجرة اليوم دائرة عليه، وعلى حجرة عائشة، بينه وبينه موضع تحترمه الناس، ولا يدوسونه بأرجلهم، يذكر أنه موضع قبر فاطمة «».
وقد اقتضى ما قدمناه: أن بيت فاطمة كان فيما بين مربعة القبر، وأسطوان التهجد»([42]).
وعن مدفن فاطمة «» يرى ابن جماعة: «أن أظهر الأقوال هو أنها دفنت في بيتها». وهو مكان المحراب الخشب، داخل مقصورة الحجرة الشريفة من خلفها. وقد رأيت خدام الحضرة يجتنبون دوس ما بين المحراب المذكور وبين الموضع المزور من الحجرة الشريفة الشبيه بالمثلث، ويزعمون أنه قبر فاطمة([43]).
ومن الواضح: أن أسطوان التهجد يقع على طريق باب النبي «» مما يلي الزور ([44]).
أي خلف بيت فاطمة([45]).
قال السمهودي عن موضع تهجد النبي «»:
«قلت: تقدم في حدود المسجد النبوي ما يقتضي أن الموضع المذكور كان خارج المسجد، تجاه باب جبريل قبل تحويله اليوم. وهو موافق لما سيأتي عن المؤرخين في بيان موضع هذه الاسطوانة»([46]).
وإذا كان كذلك: فإن بيت علي يقع بين باب النبي «» والحجرة الشريفة. وباب النبي «» هو أول الأبواب الشرقية مما يلي القبلة، وقد سُدَّ الآن..
ويقولون: إنه سُمِّي بذلك لا لأن النبي «» كان يدخل منه، بل لأنه في مقابل حجرة عائشة..
بل نجد ابن النجار يصرح: بأن هذا الباب هو نفسه باب علي «»([47]).
وهذا يعني: أن ما بين الحجرة التي فيها القبر الشريف، وباب النبي «» كان من بيت فاطمة «»، وحيث دفنت.
ويدل عليه: أنها «» دفنت داخل مقصورة الحجرة من خلفها.. أي تماماً حيث كانت عائشة مقيمة، بعد أن ضربت الجدار على القبور التي كانت مكشوفة لكل أحد، فتصرفت فيه عائشة بمساعدة السلطة، بعد أن تركه أهله الذين حرموا منه كما حرموهم من إرث نبيهم..
4 ـ ويدل على ما ذكرناه أيضاً: قول السمهودي في مقام بيان موضع باب النبي «»، وباب جبريل: «الثاني: باب علي، الذي كان يقابل بيته الذي خلف بيت النبي»([48]).
وقال أيضاً: «ويحتمل أن بيت علي «» كان ممتداً في شرقي حجرة عائشة إلى موضع الباب الأول، (يعني باب النبي «») فسمي باب علي بذلك، ويدل له: ما تقدم عن ابن شبة في الكلام على بيت فاطمة، من أنه كان فيما بين دار عثمان التي في شرقي المسجد، وبين الباب المواجه لدار أسماء. ويكون تسميته الباب الثاني بباب النبي «» لقربه من بابه الخ..»([49]).
إذن.. فبيت فاطمة يكون ممتداً من شمالي الحجرة التي دفن فيها النبي «» إلى شرقيها، وإذا صح كلام ابن شبة هذا، فإنه يصل إلى قبليها أيضاً..
والمفروض هو أن باب فاطمة وعلي «عليهما السلام» كان شارعاً في المسجد أيضاً..
فكيف استدار بيت فاطمة «» على بيت عائشة وطوقه بهذا الشكل العجيب، من الشمال إلى الشرق.. ويحتمل إلى القبلة أيضاً؟!.
عجيب!! وأي عجيب!!..
وما معنى: أن تسكن عائشة في شرقي الحجرة، وتضرب بينها وبين القبور جداراً؟
أوليس شرقي الحجرة كان جزءاً من بيت فاطمة؟!
وكيف يكون باب بيت فاطمة «» في نفس حجرة عائشة؟!
وهل هناك مسافات شاسعة بين المسجد وبين باب النبي «»، أو باب جبريل، تسع عدة بيوت وحُجر؟!
إن كل ذلك يدل على صحة رواية الصدوق المتقدمة، وأنه «» قد دفن في بيت فاطمة «»، لا في بيت عائشة..
ونعتقد: أنه قد انتقل من دار عائشة إلى دار فاطمة «» في نفس اليوم الذي توفي فيه، وهو يوم الإثنين([50])، وذلك لأنه في يوم الإثنين، وحين صلاة الفجر كان لا يزال في بيت عائشة الذي كان لجهة القبلة، إذ قد روى البخاري:
«أن المسلمين بينا هم في صلاة الفجر من يوم الإثنين، وأبو بكر يصلي لهم، لم يفجأهم إلا رسول الله «» قد كشف ستر حجرة عائشة، فنظر إليهم، وهم في صفوف الصلاة..
إلى أن قال: وهمَّ المسلمون أن يفتتنوا في صلاتهم؛ فرحاً برسول الله «»..»([51]).
وبضم رواية الصدوق المتقدمة، الدالة على أنه «» خرج فصلى بالناس، وخفف الصلاة، ثم وضع يده على عاتق علي «» والأخرى على عاتق أسامة، ثم انطلقا به إلى بيت فاطمة «»، فجاءا به حتى وضع رأسه في حجرها..
ثم يذكر قضية استئذان ملك الموت، حيث كانت وفاته بعد مناجاته لعلي «»؛ فراجع..
فبضم هذه الرواية إلى ما تقدم نفهم أنه قد انتقل إلى بيت فاطمة «» في نفس اليوم الذي توفي فيه، بعد أن صلى بالناس.
وأما أنه رفع الستر ثم عاد فأرخاه؛ فلم يَروه حتى توفي حسبما ذكرته رواية البخاري الآنفة الذكر.. فلا يصح؛ لأن رواية ابن جرير تصرح بأنه عزل أبا بكر عن الصلاة في نفس اليوم الذي توفي فيه، فراجع([52]).
وبعد ذلك كله.. لا يبقى أي شك أو ريب في أنه «» قد دفن في بيت فاطمة «»، لا في بيت عائشة. ولكن فاطمة قد ظلمت بعد مماتها كما ظلمت في حال حياتها..
«وسيعلم الذين ظلموا آل محمد، عن طريق تزوير الحقيقة والتاريخ، فضلاً عن مختلف أنواع الظلم الأخرى.. أي منقلب ينقلبون..».
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..

----------------------------------
([1]) السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص541 وسبل الهدى والرشاد ج12 ص342.
([2]) راجع كل ذلك في وفاء الوفاء ج2 ص706.
([3]) رحلة ابن بطوطة ص72.
([4]) وفاء الوفاء ج2 ص543.
([5]) المصدر السابق ج2 ص719.
([6]) الأدب المفرد للبخاري ص168 وإمتاع الأسماع ج10 ص98 وسبل الهدى والرشاد ج3 ص349 وج12 ص51 وراجع: وفاء الوفاء ج2 ص542 و 459 و 460 وعن سمت النجوم ص218.
([7]) نفس المصادر السابقة.
([8]) وفاء الوفاء ج2 ص542 و 459 و 460.
([9]) راجع: وفاء الوفاء، ج2 ص435 و 459 و 517 و 693 وإمتاع الأسماع ج10 ص89.
([10]) راجع: وفاء الوفاء ج2 ص435 و 459 و 517 و 693.
([11]) صحيح البخاري (ط سنة 1309ﻫ ) ج1 ص229 و 226 و (ط دار الفكر) ج2 ص256 و 260 والطبقات الكبرى لابن سعد، ج8 ص119، وفتح الباري ج4 ص236 عن أحمد والنسائي، ووفاء الوفاء ج2 ص541 و 542 و نيل الأوطار ج4 ص356 ومسند أحمد ج6 ص234 وعمدة القاري ج11 ص144 و 158 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص267 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص439 وغير ذلك.
([12]) وفاء الوفاء ج2 ص542.
([13]) راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج1 ق2 ص181 وج8 ق2 ص119 و (ط دار صادر) ج1 ص499 وج8 ص167 وسبل الهدى والرشاد ج3 ص348 وج12 ص50 ووفاء الوفاء ج2 ص459.
([14]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص289 ووفاء الوفاء ج2 ص542 وسائر المصادر تقدمت..
([15]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج8 ص118 و (ط دار صادر) ج8 ص165 ووفاء الوفاء ج2 ص464 عنه، وإمتاع الأسماع ج10 ص93 وليراجع: حلية الأولياء ج2 ص49.
([16]) وفاء الوفاء ج2 ص464 وراجع: السنن الكبرى للبيهقي ج6 ص35 ومعرفة السنن والآثار ج4 ص427 وتاريخ مدينة دمشق ج28 ص190.
([17]) صحيح البخاري ج1 ص159 وج2 ص191 و (ط دار الفكر) ج2 ص107 وج4 ص205 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص58 وفتح الباري ج3 ص204 و 205 وعمدة القاري ج8 ص228 وج16 ص209 وأسد الغابة ج4 ص75 وتاريخ مدينة دمشق ج44 ص416 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص338 وشرح النهج للمعتزلي ج12 ص188 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص576 ونيل الأوطار ج6 ص159 ووفاء الوفاء ج2 ص557 والبحار ج31 ص90 والغدير ج6 ص189.
([18]) فتح الباري ج3 ص205 ووفاء الوفاء ج2 ص557.
([19]) مقاتل الطالبيين لأبي الفرج الأصفهانى ص49 وشرح الأخبار ج3 ص130 وتاريخ مدينة دمشق ج13 ص289 وتاريخ المدينة لابن شبة ج1 ص111 وترجمة الإمام الحسن «» لابن عساكر ص218.
([20]) الطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج3 ق1 ص264 و (ط دار صادر) ج3 ص364 وكنز العمال ج12 ص689.
([21]) جاف الشيء: قعَّرَه.
([22]) وفاء الوفاء ج2 ص545 و 554 عن ابن زبالة، ويحيى، وكتاب الفتوح لابن أعثم ج2 ص330 وعمدة القاري ج8 ص227 وليراجع: صحيح البخاري ج1 ص159 و (ط دار الفكر) ج2 ص107 والطبقات الكبرى لابن سعد (ط ليدن) ج3 ق1 ص168 و (ط دار صادر) ج3 ص369 والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص293 وإمتاع الأسماع ج14 ص604 والسيرة النبوية ج4 ص542.
([23]) وفاء الوفاء، ج2 ص557 وج3 ص899 عن ابن شبة، وابن زبالة.
([24]) أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج3 ص60 و 62 و 64 و 65 وشرح النهج للمعتزلي ج16 ص13 ومقاتل الطالبيين ص74 ووفاء الوفاء ج2 ص548 وتاريخ ابن عساكر (ترجمة الحسن «») الحديث رقم 337 فما بعده، وج21 ص38 وج64 ص99 كما ذكره المحمودي، وراجع: المناقب لابن شهرآشوب ج3 ص204 وروضة الواعظين ص168 والإرشاد للمفيد ج2 ص18 والخرائج والجرائح ج1 ص242 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص149 والبحار ج44 ص154 و 157 والأنوار البهية ص92 وقاموس الرجال ج12 ص300 والجمل للشيخ المفيد ص234 وكشف الغمة ج2 ص209.
([25]) مقاتل الطالبيين ص75 وتاريخ اليعقوبي (ط دار صادر) ج2 ص225 وإعلام الورى للطبرسي ج1 ص415 وراجع المصادر السابقة.
([26]) مقاتل الطالبيين ص75 ووفاء الوفاء ج3 ص908 وج2 ص557.
([27]) وفاء الوفاء ج2 ص557 عن يحيى وسنن الترمذي، ومنتظم ابن الجوزي والطبراني، وابن النجار، والزين المراغي. وعمدة القاري ج8 ص225 وتحفة الأحوذي ج10 ص62 وتاريخ مدينة دمشق ج47 ص523 وفتح الباري ج7 ص54 وكتاب الفتن لنعيم بن حماد المروزي ص354.
([28]) وفاء الوفاء ج2 ص557. وراجع: السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج1 ص314 وفتح الباري ج7 ص54 وتحفة الأحوذي ج10 ص62 وعمدة القاري ج16 ص212.
([29]) تحفة الأحوذي ج10 ص62 وفتح الباري ج7 ص54 وعمدة القاري ج16 ص212 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج14 ص620.
([30]) تحفة الأحوذي ج10 ص62 وفتح الباري ج7 ص54.
([31]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ق1 ص264 و (ط دار صادر) ج3 ص364 ووفاء الوفاء ج2 ص543 و 544 عنه وعن ابن زبالة، وتاريخ المدينة لابن شبة ج3 ص945.
([32]) الطبقات الكبرى لابن سعد (ط دار صادر) ج2 ص294 ووفاء الوفاء ج2 ص564 و 565 وعمدة القاري ج8 ص227.
([33]) صحيح البخاري (ط سنة 1309هـ) ج4 ص170 و (ط دار الفكر) ج2 ص107 وفتح الباري ج3 ص204 وعمدة القاري ج8 ص226 والمعجم الكبير ج23 ص17 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج5 ص293 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص542 ووفاء الوفاء ج2 ص557.
([34]) الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص294 ووفاء الوفاء ج2 ص544 عن ابن سعد، وعمدة القاري ج8 ص227 وسبل الهدى والرشاد ج3 ص349 وج12 ص51 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج7 ص186.
([35]) وفاء الوفاء ج2 ص548 عن ابن سعد، وسبل الهدى والرشاد ج12 ص345 عن ابن زبالة، وأضواء البيان للشنقيطي ج8 ص352.
([36]) وفاء الوفاء ج2 ص548 عن ابن سعد.
([37]) راجع: سفينة البحار ج1 ص115.
([38]) أمالي الشيخ الصدوق (ط النجف سنة 1391ﻫ.) المجلس الثاني والتسعون ص569 و (ط مركز الطباعة والنشر في مؤسسة البعثة) ص735 وروضة الواعظين ص7 وبحار الأنوار ج22 ص509 ومجمع النورين للمرندي ص70.
([39]) وفاء الوفاء ج2 ص450 وأعيان الشيعة ج1 ص31.
([40]) وفاء الوفاء ج2 ص467 و 469 على الترتيب، ووأعيان الشيعة ج1 ص314.
([41]) الآية 227 من سورة الشعراء.
([42]) وفاء الوفاء ج3 ص469 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص364 وبهج الصباغة ج5 ص19 ورحلة ابن بطوطة ص70 ومعاني الأخبار ص254 وبحار الأنوار ج43 ص185 والكافي (ط دار الإسلامية) ج1 ص383 ووسائل الشيعة ج10 ص288 وفي هامشه عن التهذيب للشيخ الطوسي، وعن من لا يحضره الفقيه للصدوق.
([43]) وفاء الوفاء ج3 ص906.
([44]) وفاء الوفاء ج2 ص451 و 450 و 452 و 688.
([45]) المصدر السابق.
([46]) المصدر السابق.
([47]) وفاء الوفاء ج2 ص451 و 450 و 452 و 688.
([48]) وفاء الوفاء ج2 ص688 و 689. وراجع: شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص584 عن تحقيق النصرة (ط دار الكتب المصرية) ص 76.
([49]) وفاء الوفاء ج2 ص688 و 689 وليراجع: ص469 و 470.
([50]) راجع: قاموس الرجال ج11 (رسالة في تواريخ النبي والآل) للتستري ص36.
([51]) راجع: البخاري (ط سنة 1309ﻫ) ج3 ص61 وج1 ص82 و (ط دار الفكر) ج1 ص183 وج2 ص60 وج5 ص141 والرواية وإن كانت قد ذكرت إقرار النبي «» لأبي بكر على الصلاة لكن ذلك غير صحيح. ولهذا البحث مجال آخر. وراجع: البحار ج28 ص144 وعمدة القاري ج6 ص3 وج7 ص280 وج18 ص69 وصحيح ابن خزيمة ج2 ص41 وج3 ص75 = = وصحيح ابن حبان ج14 ص587 والثقات لابن حبان ج2 ص130 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص217 وسبل الهدى والرشاد ج12 ص305.
([52]) راجع كنز العمال ج7 ص198 عن ابن جرير، وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص196 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص440 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1068 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص467.

آية الله المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي