اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بعد الواقعة
عمت البلاد حمى سوق الأسهم، كما عمها الخوف من حمى الخنازير بعد ذلك، حتى تجنب الناس لمس بعضهم بعضا.
فلم يبقى صغير ولا كبير، ولا شيخ معمم ولا رجل عامي، ولا متعلم متنور ولا جاهل لا يفقه، ولا مسن متقاعد ولا امرأة عقيم، إلا وشرب من هذا الكأس، أو اغترف غرفة بيده. خاصة بعد تلك الأرباح الخيالية التي كانوا يجنونها، ولا يعلمون كيف تأتي.
لكنها أفقدتهم حواسهم وأحاسيسهم، وسلبتهم أبصارهم وبصيرتهم. فجن جنونهم فصار الأب يدفع ابنه، والزوجة تدفع زوجها. ووصل الحال بالبعض إلى اقتراض مبالغ طائلة، لا قدر له على سداها. وبيعت البيوت وسكن أصحابها في أخرى مستأجرة. واحتال البعض على نسائهم، فرهنوا حليهن.
قل تواجد الناس في الشوارع، وقلت زيارتهم لبعضهم. وان تزاوروا، لم يكن لهم حديثا إلا أسعار الأسهم. وان شاهدوا التلفاز، لم يكن إلا لمشاهدة المؤشرات ترتفع وتنخفض، كأنها بحر لجي يتمطى ويتمدد ليذهب عن نفسه الكسل وال عند المد, أو ينقبض ويتراجع ليخلد للنوم والراحة عند الجزر. فترتفع معدلات ضغط دمائهم مع ارتفاعها، وتنخفض دقات قلوبهم مع انخفاضها.
أو في البنوك والمصارف مثبتين وجوههم على الشاشات كأنها كاميرات، فتحمر عيونهم غضبا مع احمرار مؤشراتها، وتخضر شفاههم فرحا مع اخضرارها.
لم يخطر ببال احد، أن لكل لسان هفوة، ولكل جواد كبوة. وما طار طير وارتفع، إلا كما طار وقع.
عندما وقعت الواقعة، لم يكن لوقعتها كاذبة، خافضة رافعة، فرجت الأرض من تحت أرجلهم رجا، وبست الجبال فوق رؤوسهم بسا فكانت هباء منبثا، فكانوا أزواجا ثلاثة.
السابقون وما السابقون أولئك المقربون، من التجار وأصحاب الثروات الذين أثخنت جيوبهم بما جنوا من تعب وعرق الفقراء والمعدمين.
وأصحاب اليمين وما أصحاب اليمين أولئك القانعون الذين اكتفوا بما حصلوا، وانسحبوا قبل وقوع الكارثة.
وأصحاب الشمال وما أدراك ما أصحاب الشمال، في سموم وحميم وظل من يحموم، لا بارد ولا كريم، وهم من أصروا على الحنث العظيم. وهم البقية الباقية الذين لم يكن لطمعهم حد محدود ولا اجل معدود. فكانت النتيجة خروجهم يجرون أذيال الخزي والعار، بعد فقدهم لكل شيء.
مرت أيام بعد النكبة ولا تزال صرعة الاستثمار تجري في الدماء، فلم يوجد ما ينفق فيه أموالهم وأوقاتهم غير الوقوف أمام واجهات بيوتهم يتطلعون إليها وهم يخططون ويهندسون، وهي تهدم وترمم ويعاد بنائها.
عمت الفرحة والبهجة قلوب أهليهم بما يشاهدون من تغيير، إذ كانوا يتطلعون إليه بفارغ الصبر ولفترة طويلة، ولكن لا يعلمون إذا كان هناك هدف كامن وراء ذلك؟
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية