[خادم الزهراء ع]

الحقيقة الدينيّة لها قداستها ومهابتها، وهي فارضة نفسها حتّى على غير الماثلين لها أو لمقتضياتها.. فكثيرٌ ممّن أنكر نبوّة المصطفى محمّدٍ صلّى الله عليه وآله أو تناكرها، اعترفوا بأنّ الرسول هو الصادق الأمين، وكثيرٌ ممّن ناصب أمير المؤمنين عليّاً عليه السّلام العداء ونازعه حقّه، أقروّا بأنّ عليّاً هو الأوّل وهو الأفضل، وهو الأعلم والأتقى والأقضى.. ولولاه لهلك مَن هلَكَ في الدنيا عاجِلاً، قبل الآخرة آجِلاً.

وهناك الكثير ممّن لم يقرُّوا بفضائل الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء عليها السّلام كلِّها، وإن وردت رواياتُها وأخبارها صحيحة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وثِقات الرواة ووثائق المؤرّخين.. إلاّ أنّهم لم يستطعوا أن يُنكروا تلك الفضائل جميعاً، فالحقيقة شخصيّة مهيمنة على القلوب، ولابدّ أن تفوه بها الألسن وإن أبت الأنفس أحياناً.

ثمّ ـ لا يخفى ـ أنّ هنالك الكثير ممّن قارب الإنصاف، وأراح ضميرَه في بعض المواقف حينما أورد حقائق الفضل المنتسب إلى سيّدة نساء العالمين عليها السّلام، فدوّن أسطراً في ذلك؛ ليكتسب شرفاً بقَدْر ما دوّن وثبّت مِن معالم شخصيّتها المكرّمة؛ وليعذرَ نفسَه عن بعض حقوق هذه المرأة على الناس عامّة، وعلى المسلمين خاصّة.

وهذه بعض شذراتٍ رَصَفَها جملةٌ من المحقّقين والمؤلّفين وأصحاب التراجم والسِّيَر في كتبهم، نذكرها على سبيل المثال لا الحصر.

الحافظ أبو نعيم الإصبهانيّ ( 336 ـ 430 هـ )
له تصانيف كثيرة، أشهرها ( حِلْية الأولياء ) قال فيه: من ناسكات الأصفياء، وصفيّات الأتقياء، فاطمة رضيَ اللهُ عنها.. السيّدة البتول، البضعة الشبيهة بالرسول. أقرب أولاده بقلبه لصوقا، وأوّلهم بعد وفاته به لُحوقا. كانت عن الدنيا ومُتعها عازفة، وبغوامضِ عيوب الدنيا وآفاتها عارفة.

ابن شهرآشوب ( 488 ـ 588 هـ )
في كتابه ( مناقب آل أبي طالب ) يسرّح خاطره الولائيّ، ويترك قلمه في نشوته يسطّر آيات الوصف في بعض شؤون مولاتنا فاطمة البتول سلام الله عليها، فيقول:
الصدّيقة بالأقوال، والمباركة بالأحوال، والطاهرة بالأفعال. الزكيّة بالعدالة، والرضيّة بالمقالة، والمَرْضيّة بالدّلالة. المحدَّثة بالشفقة، والحُرّة بالنفقة، والسيّدة بالصدقة..
مريم الكبرى في الستر، وفاطِمُ السِّرّ، وفاطمة البِرّ. النوريّة بالشهادة، والسماويّة بالعبادة، والحانية بالزهادة.. المتهجّدة الشريفة، القانتة العفيفة. سيّدة النسوان، وحبيبة حبيب الرحمان، ابنة خير المرسَلين، وقرّة عين سيّد الخلائق أجمعين، وواسطة العِقد بين سيّدات نساء العالمين، والمتظلِّمة بين يَديِ العرش يومَ الدِّين.
ثمرة النبوّة، وأمّ الأئمّة، وزهرة فؤاد شفيع الأمّة.. ستّ النساء، وارثة سيّد الأنبياء، وقرينة سيّد الأوصياء، فاطمة الزهراء، الصدّيقة الكبرى، راحة روح المصطفى، حاملة البلوى من غير فزعٍ ولا شكوى، وصاحبة شجرة طوبى، ومَن أُنزل في شأنها وشأن زوجها وأولادها سورةُ « هَلْ أتى ». ابنة النبيّ، وصاحبه الوصيّ..
السيّدة المفقودة، الكريمة المظلومة الشهيدة، السيّدة الرشيدة.. درّة صاحب الوحي والتنزيل، جَدُّها الخليل، الموصوفة بالبِرّ والتبجيل، ومادحها الجليل، وخاطبُها المرتضى بأمر المولى جبرئيل.

كمال الدين محمّد بن طلحة الشافعيّ ( 582 ـ 652 هـ )
له كتاب ( مطالب السَّؤول في مناقب آل الرسول )، كتب في مقدّمته هذه الفقرة:
إعلَمْ ـ أيّدك الله بروحٍ منه ـ أنّ الأئمّة الأطهار المعدودة مزاياهم في هذا المؤلَّف، والهداة الأبرار المقصورة سجاياهم بهذا المصنَّف، لهم برسول الله ـ زيادةً على اتّصالهم به بالنسب الشريف ـ اتّصالُهم به بواسطة فاطمة عليها السّلام. فبواسطتها زادهمُ الله تعالى فضلَ شرفٍ وشرفَ فضل، ونيلَ قدرٍ وقَدْرَ نيل، ومَحلَّ علوٍّ وعُلُوَّ محلّ، وأصلَ تطهيرٍ وتطهيرَ أصل...
فانظرْ بنور بصيرتك ـ أمدّك الله بهدايتها ـ إلى مدلول هذه الآية ( « قُلْ تعالَوا نَدْعُ أبناءَنا وأبناءَكم ونساءَنا ونساءَكم وأنفسَنا وأنفسَكم ثمّ نبتهلْ.. » آل عمران:61 )، وترتيبِ مراتب عباراتها، وكيفيّة إشاراتها إلى علوّ مقام فاطمة في منازل الشرف، وسموّ درجتها.
وقد بيّن ذلك، وجعلها بينه وبين عليّ؛ تنبيهاً على سرّ الآية وحكمتها، فإنّ الله عزّوجلّ جعلها مكتنفةً مِن بينِ يديها ومِن خلفِها؛ ليظهر بذلك الاعتناء بمكانتها. وحيث كان المراد من قوله « وأنفسَنا » نَفْسَ عليّ مع النبيّ صلّى الله عليه وآله، جعلها بينهما، إذ الحراسة بالإحاطة بالأنفس أبلغ منها بالأبناء في دلالتها.

عزّ الدين عبدالحميد ( ابن أبي الحديد ) المعتزليّ الشافعيّ ( 586 ـ 655 هـ )
الأديب المعروف، صاحب الكتاب المشهور ( شرح نهج البلاغة ) المطبوع في عشرين جزء، والذي يذكر فيه عناية رسول الله صلّى الله عليه وآله بحبيبته وفلذه كبده وروحِه التي بين جنبَيه « فاطمة » ابنته، فيقول:
أكرم رسولُ الله صلّى الله عليه وآله فاطمةَ إكراماً عظيماً، أكثرَ ممّا كان الناس يظنّونه، وأكثر من إكرام الرجال لبناتهم.. حتّى خرج بها عن حدّ حبّ الآباء للأولاد، فقال لمحضر الخاصّ والعامّ مراراً لا مرّةً واحدة، وفي مقاماتٍ مختلفة لا في مقام واحد:
« إنّها سيّدة نساء العالمين »...
وإنّ إنكاحه عليّاً إيّاها، ما كان إلاّ بعد أن أنكحه اللهُ تعالى إيّاها في السماء بشهادة الملائكة. وكم قال صلّى الله عليه وآله لا مرّةً:
« يُؤذيني ما يؤذيها، ويُغضبني ما يغضبها » و « إنّها بضعةٌ منّي، يُريبني ما رابها ».

عليّ بن عيسى الإربلّيّ ( ت 693 هـ )
في كتابه المعروف ( كشف الغُمّة في معرفة الأئمّة ) أحبّ أن يسرّح قلمه في وصف الصديقة الطاهرة فاطمة عليها السّلام، فكتب:
فلْنبدأ الآنَ بذِكْر فاطمة ، التي زاد إشراق هذا النسب بإشراق أنوارها، واكتسب فخراً ظاهراً من فخارها، واعتلى على الأنساب بعلوّ منارها، وشرّف قَدْرَه بشرف محلِّها ومقدارها.. فهيَ مِشكاةُ النبوّة التي أضاء لألاؤُها، وتشعشع ضياؤها، وسحّت بسُحب الغرّ أنواؤها..
الكريمةُ الكريمة الأنساب، الشريفةُ الشريفة الأحساب. الطاهرةُ الطاهرة الميلاد، الزهراء الزهراء الأولاد، السيّدة بإجماع أهل السَّداد.. بنتُ خيرِ البشر، أمُّ الأئمّة الغُرَر، الصافية من الشَّوبِ والكَدَر، الصفوة على رغم مَن جحد أو كفر.

الحافظ شمس الدين محمّد بن أحمد الذهبيّ ( 673 ـ 748 هـ )
المؤرّخ والرجاليّ المعروف، صاحب كتاب ( ميزان الاعتدال في نقد الرجال )، وله كتاب ( سِيَر أعلام النبلاء ) يذكر فيه جانباً من شخصية الزهراء فاطمة عليها السّلام، فيكتب:
سيّدة نساء العالمين في زمانها، البضعة النبويّة، والجهة الصفويّة، أُمّ أبيها، بنت سيّد الخَلْق رسول الله صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم.. القرشيّة الهاشميّة، أمّ الحسنَين...
وقد كان النبيّ صلّى الله عليه ( وآله ) وسلّم يُحبّها ويُكرمها، ويُسِرّ إليها. ومناقبها غزيرة، وكانت صابرة، دَيّنة خيّرة، قانعةً للهِ شاكرة.

ابن الصبّاغ المالكيّ ( 784 ـ 855 هـ )
في كتابه ( الفصول المهمّة في معرفة الأئمّة ) يذكر سبب تأليفه في المقدّمة فيقول: سمّيته بهذا الاسم، أجبت في ذلك على سؤال الأعزّة من الأصحاب والخُلّص من الأخيار، بعد أن جعلت ذلك لي عند الله ذخيرة، ورجاءً في التكفير لِما أسلفتُه مِن جريرة، واقترفتُه من صغيرةٍ أو كبيرة.. وذلك لما اشتمل عليه هذا الكتاب في ذِكْر مناقب أهل البيت الشهيرة، ومآثرِهم الأثيرة...).
ولا يفوت هذا العالم السُّنّيّ ـ وهو من المذهب المالكيّ ـ أن تكون له وقفة عند أعتاب الجلال الفاطميّ، فيكتب: ولْنذكُرْ طَرَفاً مِن مناقبها، التي تشرّف هذا النسبُ من نسبها، واكتسى فخراً ظاهراً مِن حسَبها.. وهي فاطمة الزهراء بنتُ مَن أُنزِل عليه: « سُبحان الذي أسرى »، ثالثةُ الشمس والقمر، بنتُ خير البشر، الطاهرةُ الميلاد، السيّدة بإجماع أهل السَّداد.

عبّاس محمود العقّاد ( الكاتب المصريّ المعروف )
كلمته في المرأة.. حيث يقول:
في كلّ دين صورة ( المرأة ) الكاملة المقدّسة، يتخشّع بتقديسها المؤمنون، كأنّما هيَ آيةُ الله فيما خلَقَ مِن ذكرٍ وأُنثى. فإذا تقدّست في المسيحيّة صورةُ « مريم العذراء »، ففي الإسلام ـ لا جَرَمَ ـ تقدّست صورة « فاطمة البتول ».

الاستاذ توفيق أبو علم
وهذا الكاتب الأديب له كتاب ( أهل البيت ) يقف فيه عند شخصيّة السيّدة فاطمة الزهراء عليها السّلام ليكتب في شأنها:
كانت رضيَ اللهُ عنها كريمةَ الخليقة، شريفةَ المَلَكة، نبيلةَ النَّفْس، جليلة الحسّ، سريعة الفهم، مرهفة الذِّهن، جزلة المروءة، غرّاءَ المكارم.. رابطةَ الجأش، نائيةً عن مذاهب العُجْب... وكانت في الذروة العالية من العفاف والتصادق، عفيفةَ المِئزر، عفيفة الطَّرْف...
إنّها سليلةُ شرفٍ لا مُنازِعَ لها فيه من واحدةٍ مِن بنات حوّاء فمَن تراه..

الدكتور عليّ إبراهيم حسن
وهذا الرجل لا يملك نفسه إلاّ أن يقارن ويفاضل.. بين فاطمة بنت المصطفى محمّد صلّى الله عليه وآله وغيرها، فهو يقول:
إنّ حياة فاطمة هي صفحةٌ فَذّة من صفحات التاريخ، نلمس فيها ألوانَ العظمة. فهي ( أي الزهراء عليها السّلام ) ليست كبلقيس أو كليوبطرة.. استمدّت كلٌّ منهما عظمتها مِن عرش كبير وثروة طائلة وجمال نادر، وهي ليست كعائشة.. نالت شهرتها لِما اتّصفت به من جرأةٍ جعلَتْها تقود الجيوش وتتحدّى الرجال.
ولكنّا أمام شخصيّة استطاعت أن تخرج إلى العالَم وحولها هالة مِن الحكمة والجلال.. حكمة ليس مرجعها الكتبُ والفلاسفة والعلماء، وإنّما تجارب الدهر المليء بالتقلّبات والمفاجآت، وجلال ليس مستمَدّاً من مُلْك أو ثراء، وإنّما من صميم النفس.

[عاشق فاطمه]

أحسنتم ورحم الله والديكم وجزيتم من الله خير الجزاء

السلام عليك يازهراء سيدة نساء العالمين

يــــــــــــــــــــــــ زهراء ـــــــــــا مــــدد

[الانصاف]

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم