وهاتان آيتان من أربعين آية نزلت في معركة أحُد(آل عمران139 ـ 179) يوم افتضح الصحابة وهربوا ! بعضهم عدواً متسلقين جبلَ أحد ، وبعضهم ركضاً الى المدينة ! تاركين النبي وسلم لسيوف قريش ورماحها ! ولم يثبت معه وسلم إلا عليٌّ وأبو دجانة الأنصاري ، ونسيبة بنت كعب ! ثم اشتد الوطيس فاستشهد أبو دجانة رحمه الله وجرحت نسيبة ، فلم يبق معه إلا علي وحده !
وفي ذلك الوقت العصيب جاءت فاطمة الزهراء من المدينة راكضة الى المعركة كالصقر المنقضّ ، تواسي رسول الله وسلم بنفسها ، وتضمد جراحه !
واغتنمت قريش فرصة فرار الصحابة ! فركزت حملاتها لقتل النبي وسلم ، وعليٌّ يردها الواحدة تلو الأخرى ! وقد قاتل النبي وسلم في أول الأمر قتالاً شديداًً ، رمياً بالقوس وضرباً بالسيف وطعناً بالرمح ، ثم عمل بأمر ربه فانتهى (إلى صخرة فاستتر بها ليتقي بها من السهام سهام المشركين ، فلم يلبث أبو دجانة إلا يسيراً حتى أثخن جراحة فتحامل حتى انتهى إلى رسول الله وسلم فجلس إلى جنبه وهو مثخن لا حراك به . وعليًّ لايبارز فارساً ولا راجلاً إلا قتله الله على يديه حتى انقطع سيفه)(البحار:20/104، عن تفسير فرات) .
فأعطاه رسول الله ذا الفقار ، وكانت تأتي الحملة وأمامها فوج الرماح ، أو الفرسان ، فيحمل عليهم علي ويشق صفوفهم ويقتل قائدهم فينهزمون ، ثم تعود كتيبةٌ أخرى بقائد جديد وطمع جديد أن يقتلوا محمداً وعلياً !
كان جيش المسلمين في معركة أحُد نحو ألف مقاتل ، والمشركين نحو ثلاثة آلاف ، وقد انتصر المسلمون أولَ الأمر ، لكنهم عصوا النبي وسلم وتركوا مواضعهم وركضوا ليجمعوا الغنائم ، فاغتنم الفرصة خالد بن الوليد وباغت المسلمين فالتفَّ عليهم من خلفهم ، وحمل ابن قميئة على النبي وسلم ووصل اليه بضربة خفيفة فتخيل أنه قتله ، وصاح المشركون وإبليسهم: قتل محمد! فانهزم الصحابة وصدَّقوا الخبر ! وظهر نفاق بعضهم فنادى: ألا إن محمداً قد قتل فارجعوا إلى دينكم الأول ! واجتمع الفارُّون على الجبل عند صخرة ، وقرروا أن يوسطوا رئيس المنافقين في المدينة ، فيأخذ لهم الأمان من أبي سفيان !
وقد حاول عليٌّ أن يردَّهم قبل صعودهم الجبل لكن دون فائدة ، فوبخهم ! قال أبو واثلة يصف توبيخ علي للفارين كما في تفسير القمي:1/114: (فرأيت علياً كالليث يتقي الدر ، وإذ قد حمل كفاً من حصى فرمى به في وجوهنا ثم قال: شاهت الوجوه وقطَّت وبطَّت ولطَّت ، إلى أين تفرون إلى النار ؟! فلمْ نرجع ثم كرَّ علينا الثانية وبيده صفيحة يقطر منها الموت فقال: بايعتم ثم نكثتم ، فوالله لأنتم أولى بالقتل ممن قتل(أقتُل) ! فنظرت إلى عينيه كأنهما سليطان يتوقدان ناراً أوكالقدحين المملوين دماً ، فما ظننت إلاويأتي علينا كلنا ، فبادرت أنا إليه من بين أصحابي فقلت: يا أبا الحسن ، اللهَ اللهَ ، فإن العرب تكر وتفر وإن الكرة تنفي الفرة ، فكأنه استحيا فولى بوجهه عني ، فما زلت أسكن روعة فؤادي ، فوالله ما خرج ذلك الرعب من قلبي حتى الساعة . ونظر رسول الله وسلم إلى رجل من كبار المهاجرين قد ألقى ترسه خلف ظهره وهو في الهزيمة ، فناداه: يا صاحب الترس ألق ترسك ومُرَّ إلى النار ! فرمى بترسه فقال رسول الله وسلم : يا نسيبة خذي الترس فأخذت الترس وكانت تقاتل المشركين ، فقال رسول الله وسلم : لَمقام نسيبة أفضل من مقام فلان وفلان !
وسمعوا منادياً ينادي من السماء: لاسيف إلا ذو الفقار ولا فتى إلا علي ، فنزل جبرئيل على رسول الله وسلم فقال: هذه والله المواساة يا محمد ! فقال رسول الله وسلم :لأني منه وهو مني . وقال جبرئيل: وأنا منكما). انتهى .
ونلاحظ في أحاديث أحُد كثرة الكذب من رواة الخلافة ، للدفاع عمن يحبونهم من الهاربين ، وتعسفهم في إثبات مناقب مكذوبة لهم !
من ذلك: أنهم ادعوا أن عمر هو الذي أجاب أبا سفيان بعد المعركة ، عندما افتخر أبو سفيان بهزيمة المسلمين وقال: أُعلُ هبل ! مع أن المعركة جرت في وادي أحد ، وكان أبوسفيان في أدنى الجبل قرب المعركة ، أما عمر فكان باعترافه بعيداً يتسلق الجبل وينزو كالأروى أوالأروية ، أي العنزة الجبلية ! (تاج العروس:10/159) ! وقد وصفهم الله تعالى بقوله: إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاتَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ ، فاستعمل فعل أصعد الرباعي ، الذي يدل على الإبعاد في الصعود! فكيف سمع عمر كلام أبي سفيان ، وصار ناطقاً باسم الإسلام والنبي وسلم ، وقد كان فاراً لا يلوي على شئ ، ولايسمع كلام النبي وسلم وهو يناديه ويأمره بالرجوع ! وقد صحَّت عندهم الرواية أنه كان من المصدقين بقتل النبي وسلم ، وكان يتشاور مع طلحة وأبي بكر وغيرهم من القرشيين كيف يقنعون أباسفيان بتوبتهم من الإسلام ورجوعهم الى دينهم الأول!
أما الذي أجاب أبا سفيان فكان علياً وليس عمر: ( فقال أبوسفيان وهو على الجبل: أُعْلُ هُبَل ! فقال رسول الله وسلم لأميرالمؤمنين قل له: الله أعلى وأجل . فقال: يا علي إنه قد أنعم علينا ! فقال علي : بل الله أنعم علينا . ثم قال أبوسفيان: يا علي أسألك باللات والعزى هل قتل محمد؟ فقال له أمير المؤمنين : لعنك الله ولعن الله اللات والعزى معك ! والله ما قتل محمد وسلم وهويسمع كلامك ! فقال: أنت أصدق ، لعن الله ابن قميئه زعم أنه قتل محمداً)! (تفسيرعلي بن إبراهيم:1/117) .
ويرد روايتهم أيضاً ، ما رواه البخاري عن مداواة فاطمة لجرح النبي وسلم وأن عمر وحزبه كانوا غائبين عن مكان النبي وسلم !
ومن ذلك: ما ادعته عائشة لابن عمها طلحة التيمي ، أنه ثبت مع النبي وسلم ودافع عنه ولم يهرب ، وأنه أصيب ببضعة وستين جراحة ،كما أصيب علي !
راجع ابن كثير في النهاية:4/33 ! مع أن طلحة كان في الفارين ولم يرجع لاهو ولا أبو بكر ولا عمر لأنهم لم يحضروا صلاة النبي وسلم على شهداء أحد !
وقد بلغ بهم الغلو في الدفاع عن الفارين أنهم اتهموا رسول الله وسلم بأنه فرَّ معهم ! ففي صحيح ابن حبان:15/436: (عن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: خرجنا مع رسول الله()مُصْعدين في أحد ، فذهب رسول الله()على ظهره لينهض على صخرة فلم يستطع ، فبرك طلحة بن عبيد الله تحته فصعد رسول الله ()على ظهره حتى جلس على الصخرة ! قال الزبير فسمعت رسول الله() يقول: أوجب طلحة) . انتهى.
أي استحق طلحة الجنة ، لأنه ساعد النبي وسلم في فراره معهم بزعمهم !
وفي رواية البخاري في تاريخه:8/162 (وتبطَّنَهُ طلحة يومئذ فحمله ) !
وذكر المقريزي في إمتاع الأسماع:1/169: أن النبي وسلم كان بديناً وقد لبس يومها درعين ! (وقد حمله طلحة حين انتهى إلى الصخرة حتى ارتفع عليها) !!
وقال البخاري:4/ 212: (رأيت يد طلحة التي وقى بها النبي() قد شلت) !!
وبهذا اخترعت مصادر الخلافة قضية إسمها: أوجب طلحة الجنة ! (راجع من باب المثال: مسند أحمد:1/165,والترمذي:3/ 119، و:5/307، والحاكم:3/25) !!
وكل ذلك مناقض لما رووه أنفسهم وصححوه عن أنس بن النضر أنه ( انتهى إلى عمر وطلحة في رجال من المهاجرين قد ألقوا بأيديهم ، فقال: ما يحبسكم . قالوا: قتل النبي! قال: فما تصنعون بالحياة بعده )؟! (النهاية:4/39 ، وغيرها) !
وما رووه في صمود النبي وسلم في ساحة المعركة ، كما في سيرة ابن هشام: 3/370 ، و603 عن ابن عباس (قال: إن رسول الله(ص)لم يبلغ الدرجة المبنية في الشعب ). انتهى . والدرجة تقع في آخر الوادي للصاعد الى الجبل !!
فالنبي وسلم لم يترك موضعه في ساحة المعركة في وادي أحُد قرب المهراس ، ولا صعد على صخرة ولا شجرة ! والصحابة هم الذين فروا مصعدين في الجبل كما وصفهم الله تعالى ، أو هاربين الى المدينة !
قال الإمام الصادق : ( فلما دنت فاطمة من رسول الله وسلم ورأته قد شُج في وجهه وأدميَ فوه إدماءً ، صاحت وجعلت تمسح الدم وتقول: اشتد غضب الله على من أدمى وجه رسول الله ! وكان رسول الله يتناول في يده ما يسيل من الدم فيرميه في الهواء فلا يتراجع منه شئ !
قال الصادق : والله لو سقط منه شئ على الأرض لنزل العذاب .
قال أبان بن عثمان: حدثني بذلك عنه الصباح بن سيابة ، قال قلت: كسرت رباعيته كما يقوله هؤلاء؟ قال: لا والله ما قبضه الله إلا سليماً ، ولكنه شُجَّ في وجهه . قلتُ: فالغار في أحُد الذي يزعمون أن رسول الله وسلم صار إليه ؟ قال: والله ما برح مكانه ، وقيل له: ألا تدعو عليهم؟ قال: اللهم اهد قومي).انتهى .( إعلام الورى:1/179، والبحار:20/96 ).
من جهة أخرى ، حاول رواة قريش طمس دور علي في أحد، فلم يشيدوا بمجئ فاطمة الزهراء الى المعركة ! ويظهر ذلك من تتبع نصوصهم ومقارنتها بما روته مصادر أهل البيت .