اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
رياح الحنين
شاهد أعدادا هائلة من المشاة يصل تعدادها لعدة ملايين من البشر تتدفق من كل اتجاه، تنقل تحركاتها شاشات تلفزة المحطات الفضائية، ورد بعضها من مختلف أصقاع الدنيا، قاصدة وجهة واحدة وقبلة واحدة، تتحدى تدفق مياه دجلة والفرات، بل تزايد عليها.
بعد مشوارهما الطويل وصراعهما المرير، يلتقي النهران عند بحر العرب ليفرغا حمولتهما فيه، دون العودة بكنز ثمين ولا بحمل مفيد. وتلك الحشود تلتقي عند الإمام الحسين(ع)، لم ترهقها المسافة فتفقدها حنينها، لتعود محملة بالولاء لآل البيت، وبالحب والرحمة لكل العالم.
وان توقف النهران عن جريانهما لأسباب طبيعية أو سياسية، فان الحشود لا تتوقف عن مسيرتها حتى تصل مقصدها. لا تخضعها الضغوط السياسية، ولا تهزمها القوانين الطبيعية، ولا تأتمر بغير أوامر سيدها وقائدها الذي تقصده، الذي لا تنتهي إلا بنهيه.
فلقد حاول الطغاة والجبابرة على مر العصور وتقلب الحكومات، تطويعها وثنيها عن هدفها بالحديد والنار، فذهبوا بالخزي والعار ونسيت ذكراهم، وبقيت هذه الجموع لإتمام درب من سبقها. وفي كل سنة وكل مناسبة تعاود مسيرتها، على بعد الدار ونأي المزار.
تعلق قلبه بذلك المنظر الأخاذ، تعلق الوليد بمحالب أمه، ولم يستطع البقاء بين جوانحه، وركب رياح الحنين يسابق الطيور المهاجرة، ليحجز له فسحة بين الجموع.
وصل بعد عناء السفر وبعد الديار، وانظم إلى تلك المسيرات المليونية، معتقدا أن من ينشئ في الحلية, كمن يصارع ويقاوم الابتعاد عن الحبيب ولو لفترة قصيرة. جاهد طويلا، واحتملت نفسه فوق طاقتها، لكنها لم تسعفه ليكمل ربع مشواره، كأنه يمتطي ظهر جمل ضالع لا يقر له قرار. فسقط متهالكا منهوك القوى لا يقوى على الحركة، ولا يستطيع رد أنفاسه، كجلمود صخر حطه السيل من عل.
شمر خدمة زوار الحسين(ع) المعسكرين على جوانب الطرقات عن سواعدهم, ودون سؤاله عن جنسيته وعن لغته، فقدموا له من الدواء ما يسعفه طبيا، ومن الطعام ما يسد جوعه ويسند قلبه، ومن المأوى ما يريح بدنه ويبعد عنه التعب والإرهاق.
عندها راجع نفسه واخذ قراره، ومضى قدما لا يلوي على شيء!
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية