|
عضو مميز
|
|
|
|
الدولة : العـــــــــــــراق
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
المنتدى :
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
لــــنا حقٌّ ..
بتاريخ : 08-Feb-2011 الساعة : 07:13 PM
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
قال أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه :
« لـَنا حـَقٌّ فـَإنْ أُعْطيناهُ ؛وَإلاّ رَكـِبْنا أعْجـَازَ الإبلِ وَإنْ طالَ الـسُّرى » .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
(اللام) المتصلة بضمير جماعة المتكلمين (نا) هي لام الاستحقاق تتعلق بـ (حق) أي أنَّ هذا الحق لنا لا إلى غيرنا الذي لا يسوغ له تداوله .
وعند التأمل في قوله تعالى في الآية 14 من سورة الرعد :( له دعوةُ الحقِّ والذين من دونه لا يستجيبون له بشيءٍ إلاّ كباسط كفـَّيه إلى الماء ليبلـُغَ فاهُ وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلاّ في ضلال) نرى أن الضمير الغائب المفرد المتصل بـ (لام) الاستحقاق يمكن أن يعود للداعي إلى الحق ،فقوله : له دعوة الحق ؛إنما يعني إنّ هذا الحق له لا إلى غيره .(والذين يدعون من دونه) أي من دون هذا الحق، أو من دون صاحب دعوة الحق ،فإنّ هؤلاء المدعوين لا يستجيبون لهذا الداعي بشيء ؛إلا بما ذكرته الآية .وقد ذكرنا في موضع آخر ما هو المراد من الفعل المضارع (يدعون) .
وبحسب ما نراه في سورة الرعد أنها تتحدث عن عدم إيمان الناس بشيءٍ أسمته (الذي أُنزل) في مواضع عدة منها ،كما جاء في الآية الأولى منها بقولها: (والذي أُنزل إليك من ربِّك الحقُّ ولكنَّ أكثرَ الناس لا يؤمنون) وعدم الإيمان إنما يتعلق بهذا (الذي أُنزل)، لا بما ذكر في صدر الآية نفسها « الكتاب» على فرض أن المراد به القرآن هنا . وأن (الناس) هنا يمكن أن يكونوا من أهل القبلة بتفصيل ذكرناه في كتاب القضيّة القرآنية في سورة الرعد ،فإنْ استقام هذا الفرض،فأنَّ ما جاء في الآية الأولى في سورة الرعد (الذي أُنزل) هو عين ما ذكرته الآية 67 من سورة المائدة (آية التبليغ) : (يا أيـُّها الرَّسول بلـِّغ ما أُنزل إليك من ربِّك وإنْ لم تفعلْ فما بلـَّغتَ رسالته واللهُ يعصمك من الناس إنّ الله لا يهدي القومَ الكافرين) فـ (الناس) هنا هم أنفسهم (الناس) في آية سورة الرعد الذين كانوا مجتمعين بغدير خم في طريق عودتهم من حجّة الوداع إلى بلدانهم ،فالذي أنزل هو الحق ،وهو كما قلنا غير(الكتاب) الوارد في صدر آية سورة الرعد .فإذا كان (الحق) هو الولاية العامة فإنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بهذه الخطبة إنما يؤشّر إلى هذه الحقيقة بقوله (لنا حقٌّ)، أي حقٌّ معروفٌ ،لكن الغير سلبه بقوّة ما عنده من حيلة ومكر ،لا بقوة ما عنده من إذعان لأمر الله، وأراد بذلك الزعامة السياسية باعتبارها فرعٌ من الولاية العامّة ،وهذا يعني أنّ الزعامة السياسية تكون له لا لغيره . وقد بدا هذا المعنى واضحاً في كلمات وخطب أمير المؤمنين صلوات الله عليه ،كما جاء في الخطبة الشقشقية التي يقول فيها : (أَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابن أبي قحافه وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَ لَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ،فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى ابن الخطاب بَعْدَهُ).
ذلك أنّ اختيار القيادة العليا الإسلامية من لدن القواعد الشعبية بالانتخاب وغيره ليس من مبادئ الإسلام لما جاء في الكثير منَ الآيات المباركات،كقوله تعالى في الآية68 من سورة القصص:( وربُّك يخلقُ ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيّرّة سُبحان الله وتعالى عمّا يُشركون) أو قوله تعالى في الآية من سورة النمل :( ما كان لكم أن تـُنبتوا شجرها) أي أنّ مبدأ اختيار القائد السياسي شأنٌ ربوبي لا دخل لإرادة العباد فيه .
أما ما يذكره البعض من أنّ مبدأ الشورى الذي أقامته الآية 38 من سورة الشورى:(وأمرهم شورى بينهم) يرسي دعائم نظرية اختيار المسلمين للقائد، فهو تشبثٌ غير موفق وذلك بدلالة ضمير الجمع الغائب المتصل بلفظة (أمر)،فالأمر هنا يعود للمتشاورين أنفسهم باعتباره أمرٌ خاص بهم ،وهو غير (أمر الله) الذي يرد بصيغة(أمرنا) أيضاً كما في الكثير من الآيات التي منها الآية 52 من سورة الشورى، ويرد بصيغة (أمر الله) كما في مفتتح سورة النحل ( أتى أمرُ اللهِ فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عمّا يُشركون).فـ (أمرهم)غير( أمرنا) أو( أمر الله)، لأن المتبادر من لفظ (أمرهم) هنا هو شأنهم هم. أما (أمرنا) فليس من شأن المربوبين قاطبة ؛وإنما هو شأنٌ ربوبي .
فإنْ قيل:إنّ أمر الله يجيء بمعنى يستفاد منه ضد النهي .
قلت:هذا ممكن،لكننا نفهم هذا المعنى بشكل جزئي في بعض الآيات لا جميعها،إذ يتأثر معنى كل مفردة بالقرائن الداخلية التي تلقي بضلالها الواضحة على المفردة لتعطيها معنى مغاير لما هو متوقع ،فضلاً عن القرائن الخارجية التي تشخص معنى دون آخر .فمثلاً خذ إليك معنى (أمر) في الآية 52 من سورة الشورى:(وكذلك أوحينا إليك رُوحاً من أمرنا ما كنتَ تدري ما الكتابَ ولا الإيمان ولكن جعلناهُ نوراً تهدي به مَن نشاءُ من عبادنا وإنَّك تهدي إلى صراطٍ مستقيم) فالأمر في هذه الآية يقترب من معنى الشأن أو القضية ونحو ذلك .ويبتعد ابتعاداً كليّاً عن المعنى الذي يأتي نقيضاً لمعنى النهي .
وإن قيل:إذا كان هذا الموضوع بهذه المثابة،فإنَّ هذا الفرض يختصُّ بزمن الحضور الشريف فقط .
قلت: أصل الفكرة أن الغَيبة أمرٌ عارضٌ فرضته الظروف السياسية الخانقة التي صنعتها السلطات العباسيّة،فلو افترضنا غياب الاحتقان السياسي والأمني الذي منيت به الساحة الإسلامية حينذاك،فإنه ينتفي وقوع الغيبة من الأساس . أما تفريعاتها فقد منيت نظرية اقتصار ولاية الفقيه على الأمور الحسبية بفشل لم يخفَ .
(إنْ) :شَرطية،وفعل الشرط في الجملة الفعل الماضي (أعطى)، الذي جاء بصيغة البناء على المجهول. والتعبير بالإعطاء بدلاً من غيره كالإتيان فيه فائدة وهي أن الشيء الذي يُراد له أن يُعطى لن يكون أمراً سهلاً تداوله ،فقد يتمسك به الذي سلبه من أهله ،وقد يرفضه الذي يُعطى له والسبب أن الذي سلبه لا يمتلكه ولا يُتوقع أن يتخلى عنه بالنحو الذي يجب أن يكون عليه،فالإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه يرفض أنصاف الحلول وإن جاءت بمختلف العناوين السائدة اليوم،كالتوافق والمشاركة والإتلاف الذي يحصل بين مختلف القوى الفاعلة على الساحة،لأن الحق لا يقبل الإثنينية أوالتجزئة والتقطيع إلى قطع متناثرة،قطعة بيد هذا وقطعة بيد ذاك . قال تعالى في الآيتين 90،91 من سورة الحجر :(كما أنزلنا على المقتسمين *الذين جعلوا القرآن عِضين) .
أما جواب الشرط في الجملة فهو محذوف جوازاً ،يمكن لي أن أقدّره بنحو : سـِدْتُـمْ ، فيكون المعنى :لو أُعطينا هذا الحق لصرتم متبوعين لا تابعين . قال تعالى في الآية16 من سورة الجن:(وألَّو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماءً غدقاً) ولعل السبب في حذف جواب الشرط هو حرص الإمام أمير المؤمنين عليه السلام على الاقتصار الكلام بهذا البيان مراعاة منه للمناخ الاجتماعي والسياسي السائد .
(إلاّ) أداة استثناء منقطع .يعني: إنْ لم نـُعطَ هذا الحق .
(ركبنا) كناية عن عدم قعوده عليه السلام عن مطالبته بهذا الحق الذي فرضه الله على الخلق أجمعين،وحمل الأمة على المتابعة له وذلك بعدم ركونهم إلى الغاصبين لهذا الحق .وما يستتبع هذا الركوب من صراعٍ مع الغاصب . وهو ممّا ليس له بُد .وخلاف ذلك هو السكوت عن هذا الاغتصاب للحق ،وهو أمرٌ لم يكن ولن يكون .وموارد هذا الركوب تمثلت في مواقف الأئمة الأطهار صلوات الله عليهم من السلطات الحاكمة .
(أعجاز الأبل) الأعجاز جمع عجز وهو مؤخر البعير ،وتلك استعارة تمثيلية تكشف لنا عن صعوبة هذا الركوب ،وحزونة هذا المسلك ،لما تسببه من مواجهة كشفتها الحادثات في حروب طاحنة يشتدّ سعيرها ،وتضطرم نيرانها تكشف عن تعطّش الحاكم المتسلط بإراقة الدماء ،وحمل المسلمين على الخضوع لإرادته والانصياع إلى مخططاته .
ومن التعبير بالأعجاز نفهم منه أنّ الإمام عليه السلام يقصد أن زمام أمر السلطة ليس بيده ؛وإنما بيد غيره .فبه تعظم المعاناة ويستوعر المسير .
(وإنْ طال السُّرى) تعبيرٌ مجازي عن طول فترة المعاناة ،وتتالي عظيم الأرزاء، واشتداد المصائب فالسرى هو السير في الليل الذي يلاقي صاحبه مختلف صنوف الأخطار والصعاب كالسلب والنهب وقطع الطريق وما إلى ذلك ،لكنَّ هذا لا يمنعنا من تتابع المطالبة بهذا الحق المغتصب الذي لا يسوغ السكوتُ عنه .وفي ذلك إشارة واضحة إلى عدم ترك الأمة لقضاياها يعبث بها العابثون لدوافع ضيّقة ،كالمصالح الشخصية وطلب الرئاسة والسعي الحثيث للحصول على الأرباح المادية على حساب المبادئ الحقـّة ولو كلفها ذلك مزيداً من المعاناة على مختلف الأصعدة في هذا الليل المظلم الطويل .
كاظم الحُسيني الذبحاوي في 8 /2 / 2011
|
|
|
|
|