[خادم الزهراء]

تأخر علي عن البيعة دليل خطئه..

السؤال رقم 125:
يقول ابن حزم عن علي «رضي الله عنه» ـ ملزماً الشيعة ـ بأنه «بايع أبا بكر بعد ستة شهور، تأخر فيها عن بيعته. (وهذا) لا يخلو ضرره من أحد وجهين: إما أن يكون مصيباً في تأخره، فقد أخطأ إذ بايع، أو يكون مصيباً في بيعته، فقد أخطأ إذ تأخر عنها»!!([1]).

الجواب:

بسم الله الرحمن الرحيم

وله الحمد، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد..
1 ـ إن الشيعة لم يقولوا: إن علياً «» قد بايع بعد ستة أشهر، بل بعض السنة هم الذين قالوا ذلك، ولم يأتوا بدليل يثبت قولهم هذا..
فالشيعة يطالبونهم بما يثبت ذلك، ومجرد ورود روايات في بعض المصادر لفريق بعينه، لا يكون حجة على الفريق الآخر، لاحتمال أن يكون الهدف هو تحقيق الغلبة بهذا الادعاء، الذي قد اختلفت فيه الأقوال حتى عند أهل السنة اختلافاً كثيراً، فلقد ادَّعوا: أن علياً «» بايع أبا بكر، ثم اختلفوا في وقت بيعته له، فقيل: بعد ستة أشهر([2]).
وقيل: بعد وفاة الرسول الأكرم «» بأيام قلائل([3]).
وقيل: بعد وفاة الصدّيقة الطاهرة، مع الإختلاف في وقت وفاتها.
فقيل: بعد وفاته «» بأربعين، وباثنين وسبعين، أو بخمسة وسبعين، و بثلاثة أشهر، و بثمانية أشهر، إلى غير ذلك من أقوال..
وزعموا: أن سبب بيعته هو: أنه كان لعلي «» وجه من الناس في حياة فاطمة «»، فلما توفيت انصرفت وجوه الناس عنه، فبادر إلى البيعة بعد رسول الله «» بستة أشهر.
قيل للزهري: فلم يبايعه علي ستة أشهر؟!
قال: لا والله، ولا أحد من بني هاشم، حتى بايعه علي «»([4]).
ونقول:
أولاً: إن بيعة علي «» لها أهمية بالغة لدى جميع الناس آنئذٍ. وقد كانت مرصودة من الكبير والصغير، فلا يعقل خفاؤها إلى هذا الحد. الأمر الذي يثير الشبهة في أكثر ما يقال في ذلك.
ثانياً: لقد هتك هؤلاء القوم حرمة علي «»، وهددوه بالقتل، وضربوا زوجته، وقتلوا ولده، وباشروا بإحراق بيته عليه وعلى زوجته وأولاده.. ولم يرعوا حرمة لهم. بل لقد كان للسيدة الزهراء «» النصيب الأكبر من هذا الأذى كله..
يضاف إلى ذلك: أنهم يذكرون أنه «» لما رأى ما جرى في السقيفة حمل الزهراء وابنيها: الحسن والحسين «»، ودار بهم على بيوت المهاجرين والأنصار، وأهل بدر وغيرهم، يطلبون نصرتهم، فلم يستجيبوا لهم..
فما معنى قولهم بعد ذلك كله: إنه لما توفيت فاطمة، رأى انصراف وجوه الناس عنه، فضرع للبيعة؟!
أليس قد ظهر له هذا الإنصراف عنه منذ الأيام الأولى، حيث هوجم هو والزهراء، وولدِهما؟! ثم طلبوا نصرة الناس لهم، فلم يستجب لهم سوى أربعة؟!
وكيف يقول القرطبي في المفهم: «كان الناس يحترمون علياً في حياتها كرامة لها، لأنها بضعة من رسول الله وهو مباشر لها. فلما ماتت وهو لم يبايع أبا بكر انصرف الناس عن ذلك الإحترام، ليدخل فيما دخل فيه الناس، ولا يفرق جماعتهم»([5]).
ثالثاً: لقد حورب مالك بن نويرة وقتل، وحورب مانعوا الزكاة، لأنهم أرادوا أن يبايعوا علياً «»، فلو أن علياً وأهل البيت «» بايعوا في وقت مبكر، فإن هؤلاء لا يعرِّضون أنفسهم للقتل بتريثهم في إعطاء الزكاة لغير أهل بيت نبيهم.
رابعاً: إن الضغوط التي واجهها علي «» في الأيام الأولى من رحلة الرسول الأعظم «» قد بلغت أقصى مداها.. وقد خفت تلك الضغوط عليه بعد ذلك، فلماذا يصوّرون الأمر بعكس ما هو واقع ومشهود؟!
غاية ما هناك: أن محاولاتهم معه لإجباره على البيعة قد تكررت في البدايات حتى يئسوا منه، فاكتفوا منه بتكاثرهم عليه حتى مسح أبو بكر على يده، ثم صاحوا: بايع، بايع، بايع أبو الحسن.
2 ـ إن القضية فيما يرتبط بالإصابة والخطأ ليست مانعة خلو بحسب اصطلاح أهل المنطق.. لأن هناك شقوقاً أخرى محتملة، وهي أن يكون «» مصيباً في كلا الحالتين، أو مخطئاً في كلا الحالتين أيضاً.
فلماذا لم يتعرض لهذين الشقين، لنعرف ماذا يقول فيهما؟!.
والصحيح هو: أنه «» كان مصيباً أولاً حين لم يبايع، ومصيباً حين أجبر على البيعة بعد ذلك..
ويقول الشيعة: إن امتناعه «» أولاً كان من أجل أن يعرف الناس بأن الحق له، وبأن هؤلاء يريدون أخذ حقه منه، وهذه مصلحة كبرى لا بد له من مراعاتها، فلما ثبت ذلك للناس جميعاً.. ولم يكن هناك مصلحة في قتالهم، اكتفى بممانعتهم حين تكاثروا عليه، ومسحوا على يده.. وإنما لم يقاتلهم بالسيف، لأنه لا يريد أن يعرض الإسلام للخطر..
3 ـ لو قلنا: إنه «» قد امتنع ستة أشهر ثم بايع، فلماذا لا يقال: إن حال علي «» كان كحال النبي «»، فإنه حارب قريشاً، وكانت المصلحة في الحرب، ثم تبدلت الأمور فبادر إلى الصلح معها وكان هو المصلحة..
وكان النبي «» مصيباً في جميع الأحوال، وكذلك علي «»..
4 ـ لا بد من الإجابة على السؤال الكبير عن السبب في امتناعه عن البيعة طيلة هذه المدة، ستة أشهر، ثم عن السبب في عدوله عن قراره الأول.. وهل يمكن أن يكون قد امتنع مختاراً؟! فإن الأمر ليس متروكاً له ليتلاعب فيه كيف شاء..
5 ـ إنه «» قد أكد صحة قول معاوية عنه: إنه قد أكره على البيعة، حيث كتب «» إليه يقول:
«وقلت: إني كنت أقاد كما يقاد الجمل المخشوش حتى أبايع، فلعمري، لقد أردت أن تذم فمدحت، وأن تفضح فافتضحت. وما على المسلم من غضاضة في أن يكون مظلوماً ما لم يكن شاكاً في دينه»([6]).
6 ـ وأخيراً.. فإننا نقول: لو لم يكن في حق علي «» إلا قول رسول الله «»: علي مع الحق، والحق مع علي يدور معه كيفما دار.. لكان ذلك كافياً لنا ولكل المسلمين في الهداية إلى الحق..
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله..

----------------------------
([1]) الفِصَل في الملل والأهواء والنِّحَل ج4 ص235.
([2]) صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج5 ص82 وصحيح مسلم ج5 ص154 وشرح أصول الكافي ج7 ص218 والصوارم المهرقة ص71 ومناقب أهل البيت «» للشيرواني ص413 وشرح مسلم للنووي ج12 ص77 وفتح الباري ج7 ص378 وعمدة القاري ج17 ص258 وصحيح ابن حبان ج14 ص573 ونصب الراية للزيلعي ج2 ص360 والبداية والنهاية ج5 ص307 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص568 والإكمال في أسماء الرجال ص168.
([3]) مروج الذهب ج2 ص201 والسيرة الحلبية ج3 ص485 و 489 والكامل في التاريخ ج2 ص325 والإمامة والسياسة ج1 ص14 وقاموس الرجال للتستري ج9 ص154 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص447.
([4]) راجع: السنن الكبرى للبيهقي ج6 ص300 وفتح الباري ج7 ص379 والمصنف ج5 ص472 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص46 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص448 وعن صحيح البخاري (كتاب المغازي) ج4 ص1549 وعن صحيح مسلم (كتاب الجهاد) ج4 ص30 والطرائف لابن طاووس ص238 وبحار الأنوار ج28 ص353 وج29 ص202 واللمعة البيضاء ص755 و 756 وأعيان الشيعة ج4 ص188 وكشف الغمة ج2 ص103 وغاية المرام ج5 ص327 وسفينة النجاة للتنكابني ص126 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج10 ص456.
([5]) الغدير ج8 ص36 وج10 ص361.
([6]) نهج البلاغة الكتاب (بشرح عبده) ج3 ص33 و 34 رقم 28 والاحتجاج ج1 ص262 والصوارم المهرقة ص220 وكتاب الأربعين للشيرازي ص165 وبحار الأنوار ج28 ص368 وج29 ص621 وج33 ص59 والسقيفة للشيخ محمد رضا المظفر ص154 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص505 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص733 ونهج السعادة ج4 ص197 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص183 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص374 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج2 ص369 وراجع: صبح الأعشى ج1 ص229 ونهاية الأدب ج7 ص233 والفتوح لابن اعثم ج3 ص474.

آية الله المحقق السيد جعفر مرتضى العاملي