اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مجرد شغب
تجمع الشباب متفقين للقيام بتظاهرات واعتصامات ومسيرات سلمية، يرومون بها المطالبة بإصلاحات فورية وتغييرات جذرية. يهتفون بأغانيهم الوطنية، ويرددون شعاراتهم السياسية، يضمنونها مطالبهم وتطلعاتهم. بمرور الوقت يزداد عددهم، ويتضاعف ازدحامهم، كنبع ماء يتدفق بغزارة ليغمر المنطقة حوله.
شاهد هذا الغليان المرجلي والفوران البركاني، فاعتقد انه مجرد شغب، وخروج عن السلم والهدوء، وتعديا لحدود النظام والانضباط. فأيقن أنهم يهددون وجوده وبقاءه هو، فأخذته العزة بالإثم والعزة بالنفس، لرؤية مستقبله وشهرته وثروته تنهار أمامه وتتلاشى وهو في أول الطريق. فطار لبه خوفا، واشتعل قلبه غيضا وحنقا، كمن جاءه الموت من كل مكان وما هو بميت، وغشيه الموج وهو يحاول النجاة. فقرر القيام بخطوة قد تؤثر في مسيرة الأحداث، فتكتب له سابقة محمودة في ما يأتي من الأيام. فشق طريقه عبر الصفوف، يفرق الجموع، فارس يمتطي صهوة جواده، مقاتلا شاهرا سفيه، قائدا يتقدم كتيبة عسكرية.
رأى الناس اندفاعه وتصميمه في الوصول لمنبر الخطابة، كمسئول مدني يريد فرض النظام، أو قائد عسكري يريد إلقاء أوامره على أفراد فيلقه. فأفسحوا له المكان واقتطعوا له الزمان، وشجعوه ورفعوه ودفعوه ليتكلم ويعبر عن مشاعره. فأنصت الجمع وخفتت الأصوات، وتوجهت إليه الأذان صاغية والقلوب واعية.
ما أن ألقى بعض كلاماته المرتبكة المفككة، يحاول تجميعها وتنظيمها لتخرج مترابطة منسقة يمكن فهمها، كمن يحاول فك وربط رموز كلمات متقاطعة مبعثرة. ينظر لمن حوله بعينين ملؤهما الخوف تارة، وأخرى المغامرة والاندفاع، يقرأ ردة فعل الجمهور.
أنهى كلاماته يريد النزول، فانقلب صفو ذلك اليوم الصحو الجميل عكرا، وتلبدت غيومه المتناثرة منذرة بالويل والثبور وعظائم الأمور. وفتحت الدنيا أفواهها سيولا مدمرة وشهب وبروق مزمجرة، ووجوه مكفهرة انقلب بياضها سوادا قاتما، وتتبدل أصواتها تكشيرة كأنها قد أهينت كرامتها.
فلم يرى بعدها إلا وهو يبكي، كطفل تائه مختبئ في ركن منزوي يطلب والديه، وتنهمر دموعه انهارا. وتقطعت ملابسه كأنما هاجمه قط غاضب، وأصبح وجهه شوارع تعرضت لهزة أرضية، وسالت دمائه من أنحاء جسمه كأنما قد افترس.
فمن هو، وما موقعه من الإعراب، وماذا قال لينال ما نال؟! بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية