الزهراء تلك المرأة التي شاء الله أن يصطفيها ، ويذهب الرجس عنها ويطهرها تطهيرا من بين نساء العالمين ، وان يختار لها والدا كمحمد (صلى الله عليه واله وسلم) وزوجا كفؤا لها كعلي أمير المؤمنين () وابناءا كالحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة (عليهما السلام) ، فكانت كما أرادها الله سبحانه وتعالى أن تكون مفخرة للأنبياء والمرسلين وأماً لكتاب الله المبين ، كما أشار إلى هذا المعنى الحديث الشريف (فاطمة أم أبيها) وإذ لم يكن هذا الاصطفاء إلا بوجود الاستحقاق العالي الذي أهلها لتكون سيدة نساء العالمين ، فهي المؤمنة التقية ، والطاهرة الزكية ، والمجاهدة القوية ، والصابرة الممتحنة ، التي واجهت بهمة عالية وعزم لا يلين ، ويقين ثابت اعتى وأشرس هجمة بربرية ومؤامرة دنية تقودها عصابة من الجهل والظلام عاندت وكابرت وأصرت على زعزعت الرسالة عن رواسيها ، فما كان منها إلا أن تتصدى بنفسها وبإيمانها الراسخ ، وبيانها الواضح ، نصرة للحق وكشفا لمظلوميته بالرغم من أن أوصالها ترتعد ، وأحشاؤها تذوب خوفا وحذرا من عبث العابثين ، وغدرة المنافقين والافاكين ، ولما لم تجد في ذلك المجتمع الذي ساده الجهل المطبق ، ناصرا ولا معين ، آلت على نفسها بدمعة غزيرة ، وأنة ثقيلة ، وحسرة كسيرة ، أن تتخذ مكانا قرب قبر أبيها ، معلنة بذلك ثورتها وغضبها بعد أن نفذت جميع وسائل النصرة والانتصار والتي كان المسبب الرئيسي لعدم نجاحها ، هو خذلان الأمة لها وتخلفها عن تعاليم نبيها فلم تبقى إلا أسلوبا آخر في سبيل الانتصار للحق وأهله الأسلوب الذي حاولت من خلاله إثارة وتأجيج مشاعر الأمة لا لأستعطافها ، وإنما للقيام بها في مواجهة الانحراف والمنحرفين والكفار والمنافقين ، والعود بها الى صراط الله المستقيم المتمثل بولاية أمير المؤمنين () أعلنت هذه الثورة وهي تحمل على كتفيها الشعار الخالد الذي أطلق عليه (( بيت الأحزان)) هذا البيت الذي اقلق وأزعج طواغيت زمانها ، وأجبرهم على اتخاذ وسائل الهدم والتسقيط لما رأوا أن لهذا البيت مصدرا للقوة والثبات على الحق ، إذ لم يكن نعي فاطمة () يستهدف شخص أبيها وفقدانه أو يستهدف شيئا آخر ، وإنما كانت الغاية من المبالغة في النعي ، هي قيام الثورة والانتفاضة في وجه الظلم منذ أول وهلة لوقوعه على الأمة ، هذا من جانب ، ويستهدف المستقبل القريب للإسلام وأهله الأطهار وما يجري على المستضعفين من أبنائه من جانب آخر ، ولما لم تجد من يدرك هذه الحقائق ، عمدت أن توصي زوجها علي () بإعفاء قبرها وتغييبه عن الأنظار ، غضبا وأسفا وحزنا على هذه الأمة ، فجعلت من هذه الوصية إعلانا وإشارة الى غيبة ولدها الإمام المهدي () الذي غيبته الأمة ، مواسية له بآلامها وحزنها ومظلوميتها ، وكأن المراد من هذه الأمة أن تشعر بالشعور الحقيقي تجاه مظلومية الزهراء () منذ شهادتها والى يوم الظهور المقدس ، وما جرى عليها وعلى ذريتها من قتل بالسم والسيف ، وما وقع عليهم من ظلم وحيف ، حتى وقعت الغيبة الكبرى التي كانت الزهراء () تشير الى هذه الحقيقة من خلال إخفاء قبرها ، وكأنها أقرنت الماضي وأهله ، وما يقع على إمامنا المهدي () بسبب موقف الأمة السلبي أتجاهه في المستقبل ، حيث أن الأمة أن لم تعي الأسباب التي أدت الى إعفاء قبر الزهراء () فهي من المؤكد لا تعي أسباب غيبة الإمام المهدي () وستبقى على هذا الجهل المطلق في عدم معرفتها إمامها المهدي () فيحق للزهراء () أن تنعى غيبته وذلك لأن المجتمع الذي يعيش في وسطه الإمام المهدي () ويجهلون معرفته ، هو نفس المجتمع الذي كان يحيط بالزهراء () ويجهلون معرفتها ، وبالتالي عدم نصرتها ، وانقياده خلف أصحاب البدع والأهواء.
فمتى تعي الأمة هذه الحقيقة التي لابد منها ، ويأتي اليوم الذي نقف فيه على معالم ذلك القبر الذي درست آثاره وعفيت معالمه ، لنرفع بذلك حجاب الجهل والظلام ولننعم برؤية صاحب العصر والزمان ، إذ أن المعادلة واضحة ولا تحتاج الى برهان ، أن وقوفنا على قبر الزهراء المغيب يعني رفع الغيبة عن إمامنا المهدي () والانتصار الحقيقي له..