اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
أفكار متباينة
سرت حمى التظاهرات والاعتصامات في دماء الشباب، سريان العدوى من جسم لآخر، مع كل آثارها الرئيسية والجانبية. فحلت فيهم وكانت جزء منهم، تتغلغل في كيانهم تغلغل الروائح النفاذة بمختلف أنواعها، داخل الأنوف ومنها إلى الأدمغة رغما عنها.
قرروا النزول إلى الشارع والانضمام لأصحابهم ومشاركتهم ما يقومون به، انضمام الألوف من ذرات المياه مع بعضها لتكون الأنهار والوديان، لتنتهي بالسيول والفيضانات.
اصطدم قرارهم هذا بعقبة كأود، اصطدام السيول الجارفة بسد منيع فترتد على أدبارها مهزومة. ويمثل ذلك السد جيلان عركا الدنيا قبلهم وعركتهم.
احدهم جيل الأجداد متمثلا في جدتهم العجوز التي تعودت رتابة الحياة وصعوبة التغيير، فكانت منها كعلامة مميزة لجيلها. بل عدم تمكنها من التغيير لو أرادته، لتجذر تلك الحياة في دمائها وعروقها، فأصبحت جزءا من حاضرها ومستقبلها كما كانت من ماضيها.
وجيل الآباء ويمثله أبويهم اللذان عايشا الفترتين والجيلين، بحلوهما ومرهما وخيرهما وشرهما، وأثرا فيهما وتأثرا بهما. لكنهما لا يستطيعان الوقوف في وجه فورة الشباب واندفاعه، بعد خروجه عن طوق الوصاية والرقابة.
اخذ الشباب يتطلع للجدة باحترام وإكبار وخوف من وقوفها في وجه رغبتهم، وبعين الرجاء وأخذ الأذن من الوالدين.
أخذ كل جيل ينظر لغريمه نظر الند للند، منتظرا خطوته القادمة وحركته التالية.
عرفت الجدة بخبرتها وحنكتها عدم مقدرتها على الصمود مهما قاومت وكابرت، مع ضعف موقف الوالدين وخروج القيد من يديهما. فأخذت تتمتم ببعض كلامات غير مفهومة، تكلم بها نفسها، وتلوم وتعتب على الشباب وقلة خبرته في الحياة مع تهوره، وضعف الوالدين وعدم مقدرتهما على المسك بزمام الأمور.
تذكرت عندها زوجها المرحوم ومواقفه الصارمة، وهزه لجدران البيت ورعبه لقلوب الحاضرين مع دخوله، كاسد يثبت هيمنته وجوده. وفلسفته في الحياة "لا أريكم إلا ما أرى، وما أهديكم إلا سبيل الرشاد". وقالت بحسرة: عيال آخر زمن يحتاجون لمن يشكمهم.
وتركتهم مختبئة لإذة بغرفتها الخاصة، معلنة الانسحاب رافعة راية الاستسلام وليس السلام. محتجة كمضرب عن الطعام، مسجلة موقفا بالصوم عن الكلام، قائلة: إني نذرت للرحمان صوما فلن اكلم اليوم انسيا.
كلما طالت فترة المشاورات، وزادت سخونة المناوشات، ارتفع ضغط الأصحاب على الأبناء، عبر المكالمات التلفونية والرسائل النصية.
كان الوالدان في حيرة بين رفض الجدة وتعصبها، وإلحاح الأبناء وإصرارهم. فهل يتنازلان ويدعان للشباب أخذ قرارهم بأنفسهم وتحمل تبعات إصرارهم؟ لكن الابن غالي ويصعب التفريط به بسهولة، فلو حصل له مكروه -لا سمح الله- فضرره يصل القلب وألمه يبلغ الروح.