اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
أم الأولاد
جاء خبر الانفصال مفاجأ، بعد تلك العشرة الطويلة التي عاشاها معا، وكثرة الأبناء الذين أنجباهم، كركاب سفينة فقدوا القبطان ومعاونه في يوم عاصف، لا يعرفون وجهتهم، ولا يعلمون كيف يديرون سفينتهم. وتأكدت أول علامات الانفصال بانتقال أمهم لبيت أخيها، والملجأ الوحيد المتبقي لها بعد رحيل والديها ومجاورة ربهما.
زاد الأمر تعقيدا وجود زوجة أب غريبة صغيرة السن، بين مجموعة من الشباب المراهقين والغير متزوجين، محتلة مملكة أمهم. وكان انفصالهما ضربة قاصمة قطعت عرى الأسرة الواحدة، وفككت أوصالها. فأحسوا عندها أن سفينتهم ضربها جبل جليدي وجعلها عرضة للغرق في أي وقت.
كان ابتعادهما في وقت هم في أمس الحاجة لوجودهما فيه، فلن يعودا بقربهما كما كانا، ولن يتمكنا من الاتصال بهما كما كانوا، ولم يعودوا عائلة واحدة كما كانوا. حدث ذلك في فترة حرجة، وفي سن حرجة من حياتهم، فبعضهم لا يزال مراهقا لم ينهي تعليمه، وبعضهم الآخر مقبل على الزواج يريد اختيار زوجة له.
عقدوا العزم على حل مشكلتهم بأنفسهم، فعقدوا اجتماعا خاصا بهم، تداولوا فيه الآراء وطرق الحل. وأسفر الاجتماع بتكوين ثلاث لجان، احدها تتصل بابيهم محاولة ثنيه عن عزمه، أو الوصول معه لحل يرضي جميع الأطراف. والأخرى تتصل بالأم لتتعرف منها على الأسباب وراء هذا الفراق، وكيفية رأب الصدع وتلافي ما يمكن تلافيه. والأخيرة تتصل بمن له تأثير مباشر على والديهم، ويمكنه التوصل معهما لحل يكفل الإبقاء على اللحمة بين أفراد الأسرة.
كانوا يشاهدون بأم أعينهم ما يدور بين الوالدين، والمشاحنات التي تنتج عند تواجدهما في مكان واحد، مع اعتقادهم أن طول العشرة والمسئوليات الملقاة على عاتقيهما، قد تكون حاجزا لهما عن التفكير في الانفصال.
كان الأب شديد التأثر وهو يسرد قصة حياته، كطائر كسر احد جناحيه ولم يعد يستطع التحليق. احمرت وجنتيه وحاولت الدموع الهروب من بين جفنيه رغم جهده لحبسها: لم تبقي مجالا لحسن العشرة، وقتلت كل ما يجعلني ابقي عليها. لم تهتم لوجودي ولم تعر اهتماما له، ولم تجعلني من بين اهتماماتها. هوايتها المفضلة التنقل بين البيوت والتجمعات النسوية حتى آخر الليل، وتعود بعد خلودي للنوم. لم أرها يوما تتجمل أو تهتم بهندامها أو تلتفت لعطرها، فغدت من الآثار الغابرة. نبهتها لذلك أكثر من مرة، وصبرت عليها طويلا منتظرا وصولكم لعمر تتمكنون فيه الاعتماد على أنفسكم.
الأم كانت تبكي بكاء مرا، كمستثمر فقد تجارته وخسر أمواله، ولم يجد مقابلا للجهد والراحة التي ضحى بها وهي تقول: يعتقد أن لا حقوق لي عليه، فانا بالنسبة له مجرد جارية تضحي بنفسها وجهدها تنفيذا لأوامره، في زمن لم يعد اقتناء الجواري ممكنا. لم يكلمني يوما بكلمة يفرح بها قلبي، ولم يدخل علي يوما بهدية يتحفني بها، ولو لا القرابة القريبة التي بيننا، ووجودكم كثمرة لحياتنا، لطلبت الطلاق منذ فترة طويلة وأرحت قلبي من همه. ولكني اقبل مناقشة ما تتوصلون إليه -إلا العودة إليه- إرضاء لخواطركم وتقديرا لاهتمامكم.
عندها توجب عليهم عدم التفكير في السفينة، وتركيز اهتمامهم لإنقاذ ركابها.
بعد عدة أيام اتصلت بهم مجموعة الضغط، تخبرهم بتوصلها لحل بعد جهد ونقاش طويل، وأخذت الموافقة المبدئية عليه للتفكير في حل يمكنه أرضاء جميع الأطراف، ولكن تبقى موافقتهما النهائية.
يخرج الأب بزوجته ويسكن في بيت مستقل، وتعود الأم لتعيش مع أبنائها، على أن تتنازل عن جميع حقوقها الزوجية، وعلى الأولاد العاملين المساعدة وتحمل بعض مصاريف الحياة.