|
نائب المدير العام
|
|
|
|
|
|
|
|
المستوى :
|
|
|
|
المنتدى :
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
الحماية والنصرة: أبو طالب مثلاً
بتاريخ : 12-Apr-2011 الساعة : 08:06 AM
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الحماية والنصرة
أبو طالب مثلاً
يقول ابن أبي الحديد: "وأما الذين ليسوا بمعطّلة من العرب، فالقليل منهم، وهم المتألهون أصحاب التورع والتحرج عن القبائح، كعبد الله وعبد المطلب وابنه أبي طالب…" .
يقول أمير المؤمنين: "وَاللهِ مَا عَبَدَ أَبِي، وَلَا جَدِّي عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، وَلَا هَاشِمٌ، وَلَا عَبْدُ مَنَافٍ صَنَماً قَطُّ". قيل: فما كانوا يعبدون؟! قال: "كَانُوا يُصَلُّونَ إِلَى الْبَيْتِ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ متمسِّكينَ بِهِ" .
• مكانته وصفاته:
تصدّى أبو طالب لرئاسة مكة المكرمة، والزعامة في بني هاشم وقريش بعد أبيه عبد المطلب، وكان "منيعاً عزيزاً في قريش"
رغم قلة ثروته قياساً إلى كبار شخصيات قريش ممن عاصروه، وتكاد تكون زعامته حالة شاذة; لأنّ الزعامة في قريش مشروطة بالدرجة الأولى بامتلاك ناصية المال والثروة.
ولكن مواهبه الأخرى ومقوماته الشامخة هي التي أهلته لتسنم مركز القيادة العليا في مكة، فـ"كانت قريش تطعم، فإذا أطعم أبو طالب لم يطعم يومئذ أحد غيره".
لقد كان أبو طالب ألصق إخوانه بأبيه عبد المطلب، متأدباً بآدابه الطيبة التي آتت أكلها فضلاً وسؤدداً وبركة للناس، وحياطة لمفاهيم حنيفية الخليل إبراهيم. ففي الصحيح عن زرارة بن أَعْيَنَ، عن الصادق قال: "يُحْشَرُ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أُمَّةً وَاحِدَةً عَلَيْهِ سِيمَاءُ الأَنْبِيَاءِ وَهَيْبَةُ الْمُلُوكِ.
وكان أبو طالب وريثَ أبيه في حمل هذه السنن النبيلة، والمبادئ الهادية، فاستحق شرف كفالة خاتم الأنبياء، وسيد الخلق محمد.
• أهم المحطات في حياة أبي طالب:
- المحطة الأولى: كفالته لرسول الله:
أراد الله تعالى للنبي أن يعيش الرعاية في كنف عمّه أبي طالب، هذا الإنسان الذي أعطى رسول الله كلّ رعايته وعنايته، وكلّ لطفه وحضانته، وكان معه قبل الرسالة، يتعهّد حياته لكي ينطلق شاباً أميناً صادقاً، وكان معه بعد الرسالة ليكون الناصر الوحيد له، إذ ورد في بعض النصوص، أنّ أبا طالب كان الناصر الوحيد لرسول الله والمحامي عنه، والمحتمل عظيم الأذى من قومه في سبيله، والباذل أقصى جهده في نصرته، فما كان يصل إلى رسول الله من قومه سوءٌ مدّة حياة أبي طالب.
وما مات عبد المطلب إلا وقد أوصى بنيه بأنّ أبا طالب هو كافل حفيده محمداً، وأخذ على ابنه أبي طالب العهد.
هناك أمران لابد من الإلتفات إليهما:
أ - إنّ اختيار عبد المطلب لأبي طالب لكفالة خاتم الرسل ورعايته؛ لخصائص روحية مميزة امتاز بها أبو طالب عن بقية أخوته أولاد عبد المطلب.
ب - ليس من الصحيح أن نتصور أنّ اختيار أبي طالب لهذه المهمة كان بسبب كونه شقيق عبد الله والد النبي؛ فإنّ الزبير كان أخاً لعبد الله من أمه وأبيه أيضاً، وإنّما كان ذلك الاختيار عن حساب وتخطيط; إذ إنّ أبا طالب كان مؤهلاً من الناحية الروحية لأنّ يكون راعياً للرسول والرسالة دون سواه بعد أبيه عبد المطلب.
لقد بدأت حياة النبي المبارك تفيض على عمه اليقين بمستقبله الزاهر، بما يجري له من إمداد رباني يحسه أبو طالب ويراه عياناً، فقد كان المصطفى يعده ربه ويهيئه للمهمة الكبرى من لدن أن كان فطيماً.
وكان أبو طالب يشهد ظواهر ذلك الإعداد الرباني لرسول الله، وكانت واضحة على سلوك النبي، وهو لا يزال في مقتبل عمره الشريف.
• المحطة الثانية: إيمانه بالنبي محمد:
قال الشيخ الصدوق «قده»: "اعتقادنا في آباء النبي أنهم مسلمون من آدم إلى أبيه عبد الله، وأنّ أبا طالب كان مسلماً، وآمنة بنت وهب بن عبد مناف أم رسول الله كانت مسلمة.. وقد روي أنّ عبد المطلب كان حجة وأبو طالب كان وصيه" .
وقطع الشيخ المجلسي بذلك فقال: "أجمعت الشيعة على أنّ أبا طالب لم يعبد صنماً قط، وأنه كان من أوصياء إبراهيم الخليل، وحكى الطبرسي إجماع أهل العلم على ذلك، ووافقه ابن بطريق في كتاب الاستدراك".
ولقد ذكرت الآثار أنّ أبا طالب كان يقول: "ولقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعاً، ولقد قال: إنّ من صلبي لنبياً لوددت أني أدركت ذلك الزمان فآمنت به، فمن أدركه من ولدي فليؤمن به".
وفي الصحيح: سأل درست بن منصور أبا الحسن موسى بن جعفر: أَكَانَ رَسُولُ اللهِ مَحْجُوجاً بِأَبِي طَالِبٍ؟ قال: "لا، وَلَكِنَّهُ كَانَ مُسْتَوْدَعاً لِلْوَصَايَا فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ ". قلت: فَدَفَعَ إِلَيْهِ الْوَصَايَا عَلَى أَنَّهُ مَحْجُوجٌ بِهِ؟ قال: "لَوْ كَانَ مَحْجُوجاً بِهِ مَا دَفَعَ إِلَيْهِ الْوَصِيَّةَ". قلت: فَمَا كَانَ حَالُ أَبِي طَالِبٍ؟ قال: "أَقَرَّ بِالنَّبِيِّ وَبِمَا جَاءَ بِهِ وَدَفَعَ إِلَيْهِ الْوَصَايَا وَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ".
ويقول الإمام الصادق: "أَنَّ جَبْرَئِيلَ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ لَكَ: إِنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ أَسَرُّوا الإِيمَانَ وَأَظْهَرُوا الشِّرْكَ، فَآتَاهُمُ اللهُ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ، وَإِنَّ أَبَا طَالِبٍ أَسَرَّ الإِيمَانَ وَأَظْهَرَ الشِّرْكَ فَآتَاهُ اللهُ أَجْرَهُ مَرَّتَيْنِ، وَمَا خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى أَتَتْهُ الْبِشَارَةُ مِنَ اللهِ بِالْجَنَّةِ" .
قال الإمام الصادق: نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يُقْرِئُكَ السَّلامَ وَيَقُولُ إِنِّي قَدْ حَرَّمْتُ النَّارَ عَلَى صُلْبٍ أَنْزَلَكَ، وَبَطْنٍ حَمَلَكَ، وَحَجْرٍ كَفَلَكَ؛ فَالصُّلْبُ صُلْبُ أَبِيكَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَالْبَطْنُ الَّذِي حَمَلَكَ فَآمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ، وَأَمَّا حَجْرٌ كَفَلَكَ فَحَجْرُ أَبِي طَالِبٍ وفَاطِمَةَ بِنْتِ أَسَدٍ".
وعن إسحاق بن جعفر، عن أبيه قال: قِيلَ لَهُ إِنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ أَبَا طَالِبٍ كَانَ كَافِراً؟
فَقَالَ: كَذَبُوا، كَيْفَ يَكُونُ كَافِراً وَهُوَ يَقُولُ
• المحطة الثالثة: حمايته ونصرته للنبي:
كان الرسول يدرك جيداً أنّ العمل الحضاري الذي قدّر له أن ينجزه، في حاجة إلى طليعة جهادية تضطلع معه بحمل أعباء الدعوة من أجل التمكين له في الأرض.
وكان يعلم أنّ أحوال المجتمعات راسخة قوية، لا يزحزحها، ولا يهدم بناءها إلا المطالبة القوية، والاستناد إلى ركن شديد، كما قال النبي لوط حينما أحس بالضعف أمام ضغط قومه: ﴿ قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ ﴾ . تقف معه في مواجهتهم ودفعهم ومغالبتهم.
وهذه سنّة طبيعية يحدثنا القرآن في شأنها، وهذه السنة هي التي حالت كفار مدين وشعيب، حيث قال تعالى: ﴿ قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيراً مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفاً وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ ﴾ .
فهم ينظرون إلى أنّه ليس لشعيب أية منعة أو عزة أو كرامة.. لولا قومه.
ولذا يقول أمير المؤمنين "أَيُّهَا النّاسُ، إِنَّهُ لاَ يَسْتَغْنِي الرَّجُلُ - وَإِنْ كَانَ ذَا مَالٍ - عَنْ عَشِيرَتِهِ، وَدِفَاعِهِمْ عَنْهُ بِأَيْدِيهِمْ وَأَلسِنَتِهمْ، وَهُمْ أَعْظَمُ النَّاسِ حَيْطَةً مِنْ وَرَائِهِ وَأَلَمُّهُمْ لِشَعَثِهِ، وَأَعْطَفُهُمْ عَلَيْهِ عِنْدَ نَازِلَةٍ إنْ نَزَلَتْ بِهِ... " .
ولذا جاء الأمر الإلهي ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ﴾، كقاعدة أولى لإنذار الآخرين؛ لأنّ الناس قد يتحدثون معه عن عشيرته بأنّهم الأولى بإتباعهم خط الدعوة في ما يجب أن يلتقوا به من مفاهيمها وتعاليمها، فإذا آمنوا به وصدّقوه كانوا عوناً له على رسالته بالتفافهم حوله ونصرتهم له.
ولقد وجدنا بذور الدعوة الأولى داخل بيت النبي، الطليعة الجهادية المؤمنة: خديجة، وعلي، وأبو طالب، وجعفر، ومولاه زيد بن حارثة، وبناته، ولو استعرضنا توزيع من آمن بدعوته لوجدنا أنّ بني هاشم كانوا أكثر عدداً من غيرهم.
وفي الصحيح عن هشام بن الحكم عن أبي عبد الله قال: بَيْنَا النَّبِيُّ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ لَهُ جُدُدٌ فَأَلْقَى الْمُشْرِكُونَ عَلَيْهِ سَلَى نَاقَةٍ فَمَلَئُوا ثِيَابَهُ بِهَا، فَدَخَلَهُ مِنْ ذَلِكَ مَا شَاءَ اللهُ، فَذَهَبَ إِلَى أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ: يَا عَمِّ كَيْفَ تَرَى حَسَبِي فِيكُمْ؟!
فَقَالَ لَهُ: وَمَا ذَاكَ يَا ابْنَ أَخِي؟!
فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، فَدَعَا أَبُو طَالِبٍ حَمْزَةَ، وَأَخَذَ السَّيْفَ، وَقَالَ لِحَمْزَةَ: خُذِ السَّلَى.
ثُمَّ تَوَجَّهَ إِلَى الْقَوْمِ وَالنَّبِيُّ مَعَهُ، فَأَتَى قُرَيْشاً وَهُمْ حَوْلَ الْكَعْبَةِ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَرَفُوا الشَّرَّ فِي وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ لِحَمْزَةَ: أَمِرَّ السَّلى عَلَى سِبَالِهِمْ. فَفَعَلَ ذَلِكَ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهِمْ، ثُمَّ الْتَفَتَ أَبُو طَالِبٍ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: يَا ابْنَ أَخِي هَذَا حَسَبُكَ فِينَا" .
ولما جاهر النبي بالرسالة مستنكراً كلّ ما انطلق به المشركون في عبادتهم لأصنامهم ووثنيّتهم، جاءه وجهاء قريش وقالوا لأبي طالب: "إنّا لن نصبر على شتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وعيب آلهتنا، فإمّا أن تكفّه عنّا، أو ننازله وإيّاك حتى يهلك أحد الفريقين".
ثم انصرفوا، فأخبر أبو طالب ابن أخيه النبي محمداً بذلك، وقال له: "إنّ قومك قد جاؤوني فقالوا لي كذا وكذا، فأبقِ على نفسك ولا تحمّلني من الأمر ما لا أطيقه".
فظنّ رسول الله أنه قد بدا لعمّه فيه بداء، وأنّه خاذلُه ومسلّمُه، وأنّه قد ضعف عن نصرته والقيام دونه، فقال: "يا عم، لو وضعوا الشمس في يميني، والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر، ما تركته حتى يُظهره الله أو أهلك فيه"، ثم استعبر باكياً وقام وولّى.
فلمّا ولّى ناداه أبو طالب: "أقبل يا ابن أخي"، فأقبل راجعاً فقال له: "اذهب يا بن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلّمك لشيء أبداً"، وأنشأ يقول - وهذا هو دليل إسلام عم النبي وإيمانه، لأنّ بعض المسلمين يقولون إنّ أبا طالب مات كافراً لينالوا من علي:
ولذا يركز المؤرخ اليعقوبي على أنّ أساس قضية الهجرة إلى الحبشة كانت من منطلق أنّ الرسول لما رأى "ما فيه أصحابه من الجهد والعذاب، وما هو فيه من الأمن بمنع أبي طالب عمه إياه، قال لهم: ارحلوا مهاجرين إلى أرض الحبشة إلى النجاشي، فإنّه يحسن الجوار".
لقد وهب أبو طالب نفسه فداءاً لدعوة الرسول الأكرم وأشرب عشقاً في الرسالة وفي رسولها، ولذا قال رسول الله يوم موته: "اجتمعت على هذه الأمة في هذه الأيام مصيبتان لا أدري بأيهما أنا أشد جزعاً" .
فلمّا مات أبو طالب نالت قريش من رسول الله من الأذى ما لم تكن تطمع به في حياة أبي طالب، حتى قال الرسول: "ما نالت مني قريش شيئاً حتى مات أبو طالب" .
• المحطة الرابعة: النصرة للرسول والمؤمنين:
من قيم الإيمان الانتصار للرسول وللمؤمنين، وبالنصرة تتحقق المثل العليا؛ مثل إقامة القسط والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووضع الإصر والأغلال.
ونصرة الرسول بند أساسي من بنود الميثاق، الذي أخذه الله من النبيين، وهي من حقوق المسلمين على بعضهم.
أولاً: نصرة الله ورسوله:
لقد أكدّ القرآن الكريم على وجود ميثاق، أقرَّ به الأنبياء واحتملوا ثقله، وشهدوا على أنفسهم به، ثم أخذ الله عليهم الإقرار والشهادة بذلك، ففعلوا. قال الله سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّورَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي اُنْزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾.
نستفيد من الآية؛ أنّ من صفات المخلصين من عباد الله إيمانهم ببعضهم. وليس إيمانهم ذاتياً أو نابعاً من الحميّة المادية، بل هو إيمان بالحق أنّى كان، وبمن حمله أنّى يكون.
كالذين هاجروا من مكة إلى المدينة، وأخرجتهم قريش من ديارهم وأموالهم، فهاجروا إلى الله يبتغون فضلاً من الله لإصلاح معاشهم ورضواناً من الله، وكانوا ينصرون الله ورسوله.. قال سبحانه: ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمَوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾.
وكالحواريين الذين استجابوا لنداء عيسى بن مريم، إذ نادى في قومه من أنصاري إلى الله؟ فقال نفر محدود منهم: نحن أنصار الله. ﴿ فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ آمَنَّا بِاللهِ وَاشْهَدْ بِاَنَّا مُسْلِمُونَ ﴾ .
ثانياً: نصرة المؤمنين
ونصرة المؤمنين لبعضهم مفروضة، وبالذات عندما تتعرض طائفة منهم لفتنة الأعداء، فيهاجرون إلى دار الإسلام. فعلى هؤلاء أن يهبّوا لمساعدتهم بشتى الوسائل، وكذلك إذا بقوا في ديارهم واستنصروا المؤمنين ضد هجوم كاسح عليهم من قبل الأعداء. قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا مَا لَكُمْ مِن وَلاَيَتِهِم مِن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِيثَاقٌ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾ .
وقال الله سبحانه: ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَهُم مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ ﴾
ثالثاً: فقه الآيات
النصرة كلمة تستخدم في الدعم عند الخطر. وهكذا يستفاد من النصوص ضرورة دعم المؤمن لسائر المؤمنين عند مواجهة الأخطار. والنصرة دليل صدق الانتماء، ﴿ لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمَوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾.
فالمؤمن يوفر دائماً المزيد من طاقاته للدفاع عن كلمة الحق. وحسبُ ما يقوله المؤمن لأئمة الهدى : "وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ".
وقد أمر الله المسلمين بأن يعدوا للأعداء ما استطاعوا من قوة. قال الله سبحانه: ﴿ وَأَعِدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ ﴾ .
وفريضة الإعداد هذه واجبة على كل مؤمن؛ لأنّ أوامر الشريعة المتوجهة إلى عموم المؤمنين تتقسم على الأفراد. فعلى كل مؤمن جزء مقسوم من تلك الأوامر حسب طاقته.
ونستوحي من ذلك الأحكام التالية:
أ - علينا أن نتحسس أوضاع المؤمنين وقضاياهم، لنعرف طبيعة الدعم الذين يحتاجونه هنا وهناك، ولنوفر الوسائل المناسبة لهذا الدعم في الوقت المناسب، ولكي نهرع لمساعدتهم عند تعرضهم للخطر.
ب - علينا أن نتعاون فيما بيننا ونوحد جهودنا، لكي نكون أقدر على مواجهة الأخطار المحدقة بالمؤمنين.
ج - علينا أن نهب للدفاع عن المقدسات عند تعرضها للإهانة أو التجريح، سواءً من قبل الكفار أو المنافقين. مثلاً؛ إذا أراد أحدهم أن ينال من مقام القرآن أو منـزلة النبي وأهل بيته أو الكعبة المشرفة أو المساجد والمراقد المطهرة، فعلينا أن نهب للانتصار لها بكل وسيلة ممكنة. وقد قال الله سبحانه: ﴿ الَّذِينَ اُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلآَ أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيراً وَلَيَنصُرَنَّ اللَهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَهَ لَقَويٌ عَزِيزٌ ﴾.
د - إذا واجه مؤمن خطراً، كما إذا تعرض هو أو عرضه أو ماله لظلم، وكان باستطاعتنا أن ندافع عنه، فلا نألوا جهداً في سبيل ذلك. وقد جاء في قصة النبي موسى أنه دافع عن الرجل من شيعته «الذي ظلم» ووكز عدوه فقضى عليه، عن ذلك قال سبحانه: ﴿ وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلاَنِ هَذَا مِن شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّه فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌ مُبِينٌ * قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * قَالَ رَبِّ بِمَآ أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِّلْمُجْرِمِينَ ﴾ .
وقد جاء في الدعاء المأثور من مفردات الاستغفار من الذنب: "وَعَنْ مَظْلُومٍ ظُلِمَ بِحَضْرَتِي فَلَمْ أَنْصُرُهُ".
هـ - وهكذا ينبغي أن نطبق كلمة النصرة لله ولرسوله وللمؤمنين على الحقائق الموضوعية التي نواجهها يومياً، ونكون ممن ينتصر الله بهم لدينه، حيث جاء في أدعية شهر رمضان المبارك: "وَتَجْعَلَنِي مِمَّنْ تَنْتَصِرُ بِهِ لِدِينِكَ، وَلَا تَسْتَبْدِلْ بِي غَيْرِي".
رحم الله شهداء البحرين الأبرار، وأسأل الله عز اسمه أن ينزل علينا وعلى ذويهم الصبر والسلوان، كما نسأله سبحانه وتعالى وندعوه أن يشفي الجرحى، وأن يفرّج عن أهالي البحرين كربهم ويجمع شملهم ويعينهم على إصلاح أمورهم ويبعد الشر وكيد الأعداء عنهم إنه جواد كريم.
شبكة راصد الإخبارية
الشيخ حسين المصطفى
|
|
|
|
|