ان العلامات التي تم ذكرها وورودها عن أئمة الهدى () كان المراد منها ضمن التخطيط الإلهي هي بلوغ البشرية مستوى تقبل الأطروحة العادلة وهي أطروحة الإمام المعصوم (أرواحنا فداه) وهذه العلامات تتوالى وكما ورد كنظم الخرز يتبع بعضها بعضاً . وكذلك ورد ان هذا التولي هو انسجام مع تطور الإنسان وبلوغه المرحلة التي هو فيها وتقبله لمرحلة لاحقة ولا اعني الإنسان عموم الإنسانية ولكن خصوص المؤمنين الذين هم محور التمحيص والاختبار لصقل نفوسهم وأفكارهم حتى يخرج منهم الأفضل أيماناً والأحسن يقينا والأصدق عملاً وهم على تفاعل واستعداد عند حدوث العلامة الظاهرة .
ولم تكن هذه العلامات اعجازية أي بالشكل الذي ينحصر فيها طريق الهداية للناس والأيمان بقضية ما كالقضية المقدسة لظهور المهدي الموعود ( أرواحنا فداه) فان جميع المذاهب الإسلامية تتسالم بوجود الإمام المهدي () وان كان هنالك اختلاف في معنى وجوده كأن يقول البعض بولادته في عصر ظهوره كإنسان طبيعي كباقي الناس وهذا ما يقوله أبناء العامة أو ما تجمع عليه الإمامية بأنه مولود وهو الإمام الثاني عشر وقد غيبه الله سبحانه وتعالى لحكمة هو بالغها .
إذن فكرة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) وظهوره فكرة موجودة ولا تحتاج إلى أي إعجاز حتى يسلم بها الناس مؤمنهم ليزداد إيماناً وكافرهم ليهتدي ويؤمن بها , ولكن القضية المهدوية ضمن التخطيط الإلهي تحتاج إلى علامات لكي تترسخ هذه الفكرة في قلوب وأذهان المؤمنين دون الكافرين ليبقوا دائماً وفي أي عصر لترقب الحدث الذي يعلن قرب الظهور المقدس.
ودليل ذلك ان بلوغ جميع العلامات وظهور المهدي الموعود (أرواحنا فداه) لم ينتج منها أيمان الكافرين بل سيقاتلونه هم وجميع المنافقين والضالين بل سيقاتلونه ويقاتلهم بالسبب الطبيعي حتى يستأصلهم وهم له منكرون .
فنعلم من ذلك ان ظهور العلامة هي لأجل أخبار المؤمنين الملتزمين بهذه القضية وتنبيههم لغرض خلق الاستعداد الكامل لنصرة هذه القضية فينتفي وجود الإعجاز عند توفر الأخبار الدالة على تلك القضية وبالأسلوب الطبيعي لبلوغ تلك الغاية .
وكما أشار السيد الصدر ( قدس سره ) في موسوعته (تاريخ ما بعد الظهور) ص123 في طبعة وفي طبعة اخرى ص168 .
( أقول فالأساس في ذلك هو الاخبار لا الاعجاز ومادام الاخبار موجوداً وكافياً للإثبات التاريخي لا يكون حدوثها الطبيعي مخلاً بفكرة جعلها علامة ) .
هذا وينبغي الالتفات إلى ان في هذه الأطروحة ( أي الاعجازية ) نقطة ضعف ونقطة قوة بالنسبة إلى قانون المعجزات فهي موافقة له من زاوية كون هذه الوقائع واقعة في طريق الهداية كما أسلفنا في التاريخ السابق (تاريخ الغيبة الكبرى) وهذه نقطة قوته . ولكنها مخالفة له باعتبار عدم انحصار طريق الهداية بها ولا اقل من الشك في ذلك ومعه لا تكون موافقة مع هذا القانون من جميع جهاته فلا تكون صحيحة .
علمنا من هذا ان التعامل لفهم أي علامة يجب ان يكون على الطريق الطبيعي دون الاعجازي لان الرمزية في اطروحات أهل البيت هو حدّث الناس على قدر عقولهم فإذا تطور الفكر البشري والعقل الإنساني استطاع فك هذه الرموز وجعلها تدخل في الفهم الطبيعي وضمن القانون الطبيعي دون الاعجـاز ( ان أسلوب الدعوة الإلهية غير قائم على المعجزات ما لم ينحصر بها الأمر وإلا كان نبي الإسلام في نصره على قريش أولى بالمعجزات ولأستطاع السيطرة على العلم بين عشية وضحاها ومن هنا لا نقول بوجود المعجزات في ط
(تاريخ ما بعد الظهور) ص143 - وفي طبعة اخرى - ص199 .
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
يبدو من تتبع بعض الروايات الشريفات أن المُسَوِّغ الحقيقي لجعل علامات الظهور المقدَّس للإمام الغائب (روحي فداه) حلقة أساس من حلقات هذا(المسلسل)الربّاني ،هو أنّ العلامة إنما توضع على الشيء لتمييزه عمّا يُشابهه من أشياءٍ أُخر، وهذا يستلزم بطبيعة الحال إظهار الشيء المُعَلَّم بعلامة ؛ وإلاّ تنتفي الحاجة إليها . معنى ذلك أن زمان الظهور الشريف سيكون زمان شُبهة ،ممّا يستدعي وجود العلامات التي تؤخذ كدلائل لصحّة الظهور ،ذلك المعنى الذي يُستفاد من ألفاظ ودلالة مجموعة منَ الأحاديث الواردة عنِ الأئمّة الأطهار صلوات الله عليهم كحديث أمير المؤمنين(ع) الذي ذكرته المصادر:(يظهر في شبهةٍ ليَستبين) ،ثم الحديث المشهور عن الإمام الصادق(ع):« لا يخرج القائم حتى يخرج اثنا عشَر من بني هاشم كلُّهم يدعو لنفسه» ،أو الحديث الآخر عنه(ع):«ولَتُرفعَنَّّ اثنتا عشرة رايةً مشتَبهةً لا يُدرى أيٍّ مِنْ أيٍّ . . .إلى آخره» . ممّا يحقُّ لنا الاحتمال أنَّ (ظهورات) مصطنعة يمكن أن يُحدثها الغاوون الذين يبثّون غوايتهم بين طوائف منَ المسلمين للتدليس عليهم ،رعايةً لمصالح ومشاريع عملاقة يديرونها باسم الظهور المبارك ،وهذا لعمري يوجب التمييز التام بين الحق وبين الشبهة بوجود علامات الظهور . عليه فأنَّ معرفتها وتشخيصها وعدم نسيانها منَ الأمور الهامّة والخطيرة .عصمنا الله وإيّاكم منَ الانزلاق في الشبهات .[/b]