المحطات الرئيسية في حياة الإمام السجاد عليه - منتديات موقع الميزان
موقع الميزان السلام عليك أيتها الصدِّيقة الشهيدة يا زهراء السيد جعفر مرتضى العاملي
يا مُمْتَحَنَةُ امْتَحَنَكِ اللهُ الَّذي خَلَقَكِ قَبْلَ اَنْ يَخْلُقَكِ، فَوَجَدَكِ لِمَا امْتَحَنَكِ صابِرَةً، وَزَعَمْنا اَنّا لَكِ اَوْلِياءُ وَمُصَدِّقُونَ وَصابِرُونَ لِكُلِّ ما اَتانا بِهِ اَبُوكِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَاَتى بِهِ وَصِيُّهُ، فَاِنّا نَسْأَلُكِ اِنْ كُنّا صَدَّقْناكِ إلاّ اَلْحَقْتِنا بِتَصْديقِنا لَهُما لِنُبَشِّرَ اَنْفُسَنا بِاَنّا قَدْ طَهُرْنا بِوَلايَتِكِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ * صَدَقَ اللّهُ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ – منتديات موقع الميزان للدفاع عن الصدِّيقة الشهيدة فاطمة الزهراء صلوات الله عليها – منهاجنا الحوار الهادف والهادئ بعيداً عن الشتم والذم والتجريح ولا نسمح لأحد بالتعرض للآخرين وخصوصاً سب الصحابة أو لعنهم وهذا منهاج مراجعنا العظام والعلماء الأعلام حفظ الله الأحياء منهم ورحم الماضين
 
اضغط هنا
اضغط هنا اضغط هنا اضغط هنا
اضغط هنا
عداد الزوار
العودة   منتديات موقع الميزان .: القرآن الكريم والعترة الطاهرة صلوات الله عليهم :. ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
منوعات قائمة الأعضاء مشاركات اليوم البحث

إضافة رد
كاتب الموضوع منتظرة المهدي مشاركات 0 الزيارات 1875 انشر الموضوع
   
أدوات الموضوع ابحث في الموضوع

منتظرة المهدي
عضو
رقم العضوية : 421
الإنتساب : Sep 2007
الدولة : طيبة الطيبة
المشاركات : 5,448
بمعدل : 0.86 يوميا
النقاط : 0
المستوى : منتظرة المهدي is on a distinguished road

منتظرة المهدي غير متواجد حالياً عرض البوم صور منتظرة المهدي



  مشاركة رقم : 1  
المنتدى : ميزان الثقلين القرآن الكريم والعترة الطاهرة عليهم السلام
Smile المحطات الرئيسية في حياة الإمام السجاد عليه
قديم بتاريخ : 26-Jul-2009 الساعة : 12:49 PM

اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم


اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .



المحطات الرئيسية في حياة الإمام السجاد :


يمكن اعتبار حضوره في كربلاء ومواقفه في الشام ، وتخطيطه في المدينة بعد عودته إليها هي المحطات الثلاثة التي تؤشر الاَبعاد الحقيقية التي بلورت شخصيته الجهادية في قابل الاَيام والسنين ، فضلاً عن محطته الرئيسية في بيت العصمة والطهارة الذي نشأ وعاش وترعرع فيه وخاصة مع جدّه الإمام علي وأبيه الحسين وعمّيه الحسن والعباس .
وعند التأمل في هذه المحطات الثلاث ، نكتشف أنّ جهاد الإمام السجّاد ودوره في تأصيل القيم التي من أجلها استشهد جده وأبوه وعمّاه ، لم تكن لتُرسم بقعقعة السيوف وصليلها فقط ، وإنّما بكشف الحقائق التي تمّ تزويرها أو التعتيم عليها بعد مصرع أبيه وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ، وتوقّف صهيل خيولها وهجع ضجيج عساكرها وصخب مقاتليها ...



المحطة الاُولى : في كربلاء :


المحطة الاُولى : في كربلاء :


تؤكد المصادر التاريخية أنّ الإمام السجاد كان حاضراً في كربلاء إذ شهد واقعة الطفّ بجزئياتها وتفاصيلها وجميع مشاهدها المروّعة ، وكان شاهداً عليها ومؤرخاً لها ، ولعلّه يُعتبر أصدق وأهم مراجعها على الاِطلاق..
ولقد ورد في بعض النصوص التأريخية المعتبرة عن أهل البيت في ذكر أسماء من حضر مع الإمام الحسين ، أنّ الإمام السجاد قد قاتل في ذلك اليوم وقد جُرح..
وكان ممّا ورد في هذا السياق ما نصه : « وكان علي بن الحسين عليلاً ، وارتُثَّ يومئذٍ ، وقد حضر بعض القتال ، فدفع الله عنه وأُخِذ مع النساء » .
ومع وضوح هذا النص ، فإنّ كلمة ( ارتُثَّ ) هذه تدلُّ على اشتراكه في القتال ، لاَنّها تُقال لمن حُمل من المعركة بعد أن قاتل وأُثخن بالجراح ، فأُخرج من أرضها وبه رمق ، كما يقول اللغويون ، أو أصحاب فقه اللغة .
إلاّ أن المؤكد في معظم المصادر التاريخية ، أو المتفق عليه فيها أنه كان يوم كربلاء مريضاً أو موعوكاً وللحدّ الذي لا يستطيع الوقوف على قدميه ، أو لا تحمله قدماه ، كما تقول الروايات.
فقد جاء في تاريخ اليعقوبي ـ المجلد الثاني ، ما نصه : ( روي عن علي ابن الحسين أنّه قال : « إنّي لجالسٌ في العشية التي قُتل فيها أبي الحسين بن علي ، في صبيحتها وعمّتي زينب تمرّضني ، إذ دخل أبي وهو يقول :


يـا دهرُ أفٍّ لك مـن خليلِ * كم لك في الاِشراق والاَصيلِ
مـن طالبٍ وصـاحبٍ قتيلِ * والدهـر لا يقنـع بـالبديلِ
وإنّمـا الاَمـر إلـى الجليلِ * وكـلّ حـيٍّ سـالكُ السبيلِ



ففهمتُ ما قال وعرفتُ ما أراد ، وخنقتني عبرتي ، ورددتُ دمعتي ، وعرفتُ أنّ البلاء قد نزل بنا. فأمّا عمّتي زينب فإنّها لمّا سمعت ما سمعت ، والنساء من شأنهنّ الرقّة والجزع ، لم تملك أن وثبت تجرّ ثوبها حاسرة وهي تقول : واثكلاه ، ليت الموت أعدمني الحياة... ، فقال لها الحسين : ياأختي اتّقي الله ، فإنّ الموت نازل لا محالة ، فلطمت وجهها وشقّت جيبها وخرّت مغشياً عليها ، وصاحت واويلاه واثكلاه ، فتقدّم إليها وصبّ على وجهها الماء وقال : يا أختاه : تعزّي بعزاء الله ، فإنّ لي ولكلِّ مسلم ومسلمة اُسوة برسول الله ... ثمّ قال : إنّي أُقسم عليك ، فأبرّي قسمي ، لا تشقّي عليَّ جيباً ، ولا تخمشي عليَّ وجهاً ، ولا تدعي عليَّ بالويل والثبور. ثمّ جاء حتى أجلسها عندي ، فإنّي لمريض مدنف ، وخرج إلى أصحابه ... » .
ثمّ راح يشرح قصّة مصرع والده وأصحابه وبنيه وأهل بيته.. ويؤرّخ مواقفهم وملاحمهم البطولية الخالدة بأصدق ما يكون المؤرخ ، وأدقّ ما يسجل التاريخ...
إذن ، كان الإمام الحسين برحلته من الحجاز إلى العراق ، وكلماته كلّها ، ومصرعه الدامي ومشاهد البطولة والفداء ، كلّها مخزونة في وجدان وضمير الإمام السجاد وهو يسمعه يقول يوماً : « كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء » ، ويسمعه يقول في يوم آخر : « من رأى منكم سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ولم يغيّر عليه بقول أو فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله » ، ويسمعه يقول في يوم ثالث ورابع : « والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقرُّ لكم إقرار العبيد » « إنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة والحياة مع الظالمين إلاّ برماً » « الموت أولى من ركوب العار ، والعار أولى من دخول النار » فيما يسمع إخوته وأبناء عمومته وأصحاب أبيه ينشدون في حومة الوغى ويهتفون :


* إذا لـم يكـن مــن المـوتِ بـدٌّ * فمـن العــار أن تمـوت جبـانـا
* أنـا علـي بـن الحسين بـن علي * نحــن وأيـم الله أولـى بـالنبـي
أطعنكـم بـالـرمـح حتـى ينثنـي * أضربكـم بالسيف أحمـي عـن أبي
ضـرب غـلامٍ علــوي هـاشمـي * والله لا يحكـم فينـا ابـن الـدعـي
* سأمضي وما بالموت عارٌ على الفتى * إذا ما نـوى خيـراً وجاهد مسلمـا
وواسى الرجال الصالحين بنفسه * وفـارق مثبوراً وخـالف مجرما
فإن عشتُ لم أندم وإن متُّ لم أُلم * كفـى بك ذلاًّ أن تعيش وتُرغمـا



كلّ ذلك وغيره كثير يختزنه الإمام السجاد ويطوي عليه قلبه وضلوعه ، إذ لم يتسنَّ له أن يبذل مهجته ، لجرحٍ أصابه ، فأخرجه من المعركة ، أو مرضٍ شديد أقعده عن المساهمة فيها ، فيحمل تلك المشاهد والكلمات ليصبح بعد ذلك ناطقاً رسمياً بما شاهده واطّلع عليه ، ويكون المرجع الرئيس المُنتدب لاِتمام المهمة التي استشهد من أجلها أبوه الإمام الحسين ، والتي لم تنته باستشهاده ، بل إنّها بدأت بعد ذلك مباشرة فعلاً.
وحين نقول ذلك ونؤكد أن مصرع الإمام الحسين هو الحدث التاريخي الاَكبر الذي أدى إلى بلورة الاتجاه الصحيح في الاِسلام ، وقاد ثورته التصحيحية فعلاً ، فان دور الإمام السجاد يأتي الاَكثر تجلياً في ريادة مشروع هذه الثورة واستكمال فصولها وتجلية مفرداتها وشرح أبعادها ورسم المعالم الحقيقية للخط الاِسلامي المحمدي الاَصيل.


المحطة الثانية : في الكوفة والشام :


نعم ، في معسكر الاَعداء ، وفي أسر الخصوم ، في الكوفة ومجلس أميرها ، وفي الشام وأمام مليكها والتي لا يقل الموقف البطولي فيها عن ميدان الوغى وحومة الصراع ، يستحضر الإمام السجاد مصارع إخوته وأبناء عمومته ، فيقف شامخاً في قصر الاِمارة بالكوفة مع عمّته زينب وهما يحملان بلاغة علي وعنفوان الحسين وعزّة العباس ، ليقولا بكلام عربي فصيح ومواجهة كلامية حادّة بينهما وبين الطاغية عبيد الله بن زياد ، قولاً لا يمكن أن يقوله ثائر مغلوب منكسر في مثل موقعهما وموقفهما وأمام هذا الطاغية الذي مازال يقطر سيفه من دماء المجزّرين في رمضاء كربلاء من أهل بيت النبوة..
يلتفت ابن زياد لزينب وهي جالسة حزينة منكسرة وقد صدّت بوجهها عنه فيقول : « من هذه الجالسة ؟ » فلا تكلّمه ، ويكرّر فلا تكلّمه ، فيعيد ثالثة وهي مصرّة لا تكلّمه ، حتى يقول بعض إمائها : « هذه زينب بنت فاطمة » .
فقال لها ابن زياد : « الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم ، وأكذب أُحدوثتكم » .
فتقول : « الحمدُ لله الذي أكرمنا بمحمد وسلم وطهّرنا تطهيراً ، لا كما تقول ( أنت ) ، وإنّما يُفتضح الفاسق ، ويكذّب الفاجر ، وهو غيرنا يا ابن مرجانة .. » .
فقال : « فكيف رأيت صنع الله بأهل بيتكِ ؟ » ، قالت : « قوم كُتب عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم ، وسيجمع الله بينك وبينهم فتختصمون عنده.. » فغضب بن زياد ( واستشاط ) وقال : « قد شفى الله غيظي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك » ، فبكت وقالت : « لعمري لقد قتلت كهلي ، وأبرتَ أهلي ، وقطعت فرعي ، واجتثثت أصلي ، فإن يُشفك هذا فقد اشتفيتَ ... » .

ثمّ يلتفت ابن زياد إلى عليّ بن الحسين ويقول : « ما اسمك ؟ » قال « علي بن الحسين » قال : « ألم يقتل الله علي بن الحسين ؟ » فسكت ، فقال : « مالك لا تتكلم ؟ » قال : « كان لي أخ يُقال له علي قتله الناس » !!
فقال ابن زياد : « إنّ الله قتله » فسكت الإمام .
قال : « مالك لا تتكلم ؟ » فقال الإمام علي بن الحسين : « الله يتوفى الاَنفس حين موتها.. وما كان لنفسٍ أن تموت إلاّ بإذن الله ... » .
ثم غضب ابن زياد فأراد قتله على جرأته وتجاسره على الطاغية بتلك الاَجوبة ، فتشبّثت به عمّته زينب وتعلّقت به ، وقالت لابن زياد : « يا ابن زياد ، حسبُك منّا ما أخذت ، أما رويتَ من دمائنا ؟ وهل أبقيت مِنّا أحداً ؟ أسألك الله ـ إن كنت مؤمناً ـ إن قتلته لمّا تقتلني معه.. » .
وقال الإمام لابن زياد : « يا ابن زياد ، إن كانت بينك وبينهنّ قرابة فابعث معهنّ رجلاً تقيّاً يصحبهنّ بصحبة الإسلام ... » .
أمّا في الشام وحيث الدور الاِعلامي أكثر تأثيراً من قعقعة السيوف وطعن الرماح مع ما يستبطن من فضح وكشف واحتمال تصفية وقتل ، يقف الإمام السجاد في مجلس يزيد ويلتمس الاِذن بالحديث فيُسمح له ، فينبري بعد أن يحمد الله ويثني عليه مسفّهاً الدعاوى الاَموية التي حاولت تشويه نهضة أبيه ، وتزييف أهداف ثورته ، قائلاً :
« يا معشر الناس : فمن عرفني فقد عرفني ، ومن لم يعرفني فأنا أُعرّفه نفسي ، أنا ابن مكّة ومِنى ، أنا ابن مروة والصفا ، أنا ابن محمد المصطفى ... أنا ابن من علا فاستعلى ، فجاز سدرة المنتهى ، وكان من ربّه قاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن من صلّى بملائكة السماء مثنى مثنى ، أنا ابن من أُسري به من المسجد الحرام إلى المسجد الاَقصى ، أنا ابن علي المرتضى ، أنا ابن فاطمة الزهراء ، أنا ابن خديجة الكبرى ، أنا ابن المقتول ظلماً ، أنا ابن المجزور الرأس من القفا ، أنا ابن العطشان حتى قضى ، أنا ابن صريع كربلاء ، أنا ابن مسلوب العمامة والرداء ، أنا ابن من بكت عليه ملائكة السماء ، أنا ابن من ناحت عليه الجنّ في الاَرض والطير في الهواء ، أنا ابن من رأسه على السنان يُهدى ، أنا ابن من حرمه من العراق إلى الشام تُسبى.. أيُّها الناس إنّ الله تعالى ـ وله الحمد ـ ابتلانا أهل البيت ببلاء حسن ، حيث جعل راية الهدى والتُقى فينا ، وجعل راية الضلالة والردى في غيرنا ... » .
وهكذا حتى عمّ المجلس النحيب والبكاء ـ كما تقول الروايات التأريخية ـ فكشف مالم يكشف وفضح ما تمّ التكتّم عليه أو يُراد له ذلك ، فذكّر الناس أولاً بنسبه الشريف واتصاله بالاِسلام ونبي الاِسلام ، وأشار إلى العديد من الحوادث التأريخية والجنايات التي ارتكبها جيش الاَمويين باسم الاِسلام وتجاوزت حدود الدين وتعاليمه المعروفة ، كالتمثيل بالقتلى مثلاً : « أنا ابن المجزور الرأس من القفا » ، والوحشية في التعامل مع الخصم : « أنا ابن العطشان حتى قضى » والتطاول على حرمة بيت النبوة ، وبنات المصطفى والمرتضى اللواتي « من العراق إلى الشام تُسبى » ... وأكثر من كل ذلك وبصريح القول والعبارة : « أنا ابن المقتول ظُلماً » ...


وهكذا ممّا أدى إلى بكاء ونحيب الحاضرين وإشعارهم بالاِثم والذنب الكبيرين اللذين ارتُكبا بحقِّ الاِسلام ووريثه ، وكيف إن الاِسلام الذي يزعمه الامويون اليوم مجسّداً برمزه الماثل أمامهم أصبح أسيراً يُساق مع عمّاته وخالاته من بلد إلى بلد ، ورأس ابن الزهراء أبيه أمامهنّ « على السنان يُهدى » ...
إنّه ، باختصار شديد ، وبهذه الخطبة الموجزة أصبح الرمز الذي يقود مسيرة الاِحياء ـ إحياء هذا الدين المضيّع ـ الذي شوّهته السلطة الاَموية وحكمت أو تحكّمت باسمه... فتراه حين أراد يزيد أن يقطع حديثه بالآذان للصلاة ، يُعلِّق على صوت المؤذن الذي يقول : « أشهد أن محمداً رسول الله » بقوله : « يا يزيد ! هذا جدي أم جدّك ؟ فإن قلت جدك فقد كذبت ! وإن قلت جدي ، فلمَ قتلتَ أبي وسبيت حرمه وسبيتني ؟ ! » ، ثمّ قال مخاطباً الناس : « أيُّها الناس ، هل فيكم من أبوه وجده رسول الله وسلم ؟ » فعلت الاَصوات بالبكاء.
وقام إليه رجل من شيعته يُقال له : المنهال بن عمرو الطائي ، وفي رواية مكحول صاحب رسول الله وسلم فيسأله : « كيف أمسيتَ يا ابن رسول الله ؟ » .
فيستثمر الإمام السجاد هذا السؤال فيروح مندّداً بالعصابة التي حرّفت دين النبي وسلم ، ويضع أُولى العناوين العريضة في هذه المسيرة التبليغية الاِعلامية التي قادت وتقود مسيرة الاِحياء العظيمة هذه ، برائدها الوحيد الحيّ الباقي ، مؤكداً على الفرعونية الجديدة التي تتحكّم باسم الدين مستنهضاً همم الرجال ، مقرّعاً ضمائرهم ، مناشداً غيرتهم على دين عظيم ضيّعوه بالتواطؤ مع هذه العصابة الضالة المضلّة ، فيجيب سائله بقولٍ موجز بليغ :

« ويحك كيف أمسيت ؟ أمسينا فيكم كهيئة بني إسرائيل في آل فرعون ، يذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم ، وأمست العرب تفتخر على العجم بأنّ محمداً منها ، وأمسى آل محمد مقهورين مخذولين ، فإلى الله نشكو كثرة عدّونا ، وتفرّق ذات بيننا ، وتظاهر الاَعداء علينا... » .
وهكذا تبرز وثائقية هذا الطرح الاِعلامي البليغ ، ويتجلّى دور الإمام السجاد في قيادة مشروع الاِحياء وثورة التصحيح ، ومن هذه المحطة تبدأ رحلة الاَلف ميل مسافة وعمقاً من الشام إلى المدينة ، ليستأنف الإمام مهمته الرسالية في استكمال هذا المشروع وريادة هذه الثورة.

المحطة الثالثة : في المدينة المنوّرة :
1 ـ دوره العلمي.
ليس الحديث عن الدور العلمي للاِمام السجاد مما تجمعه السطور ، أو تفي بالتعبير عنه ؛ ولكن حسبها أنّها تأتي بمعالم تفصح بعض إفصاح عن ذلك الدور وما كان يتمتع به صاحبه من منزلة.
لقد عاش الإمام زين العابدين في المدينة المنورة ، حاضرة الاِسلام الاُولى ، ومهد العلوم والعلماء ، في وقت كانت تحتضن فيه ثلّة من علماء الصحابة ، مع كبار علماء التابعين ، فكان بشهادة أكابر أبناء طبقته والتابعين لهم ، الاَعلم والاَفقه والاَوثق ، بلا ترديد.
فقد كان الزهري يقول : ( ما كان أكثر مجالستي مع علي بن الحسين ، وما رأيت أحداً كان أفقه منه ) . وممن عرف هذا الاَمر وحدّث به الفقيه الشهير سفيان بن عيينة.

وبمثل هذا كان يقول الشافعي محتجاً بعلي بن الحسين على انه كان ( أفقه أهل المدينة ) . وبمثله كان يقول معاصر الإمام السجاد أبو حازم المدني ، وغيرهم كثير.
هذا وقد كانت مدرسته تعجّ بكبار أهل العلم من حاضرة العلم الاُولى في بلاد الاِسلام ، يحملون عنه العلم والاَدب ، وينقلون عنه الحديث ومن بين هؤلاء ، كما أحصاهم الذهبي : أولاده أبو جعفر محمد ( الباقر ) وعمر ، وزيد ، وعبدالله ، والزهري ، وعمرو بن دينار ، والحكم ابن عُتيبة ، وزيد بن أسلم ، ويحيى بن سعيد ، وأبو الزناد ، وعلي بن جدعان ، ومسلم البطين ، وحبيب بن أبي ثابت ، وعاصم بن عبيدالله ، وعاصم بن عمر ابن قتادة بن النعمان ، وأبوه عمر بن قتادة ، والقعقاع بن حكيم ، وأبو الاَسود يتيم عروة ، وهشام بن عروة بن الزبير ، وأبو الزبير المكّي ، وأبو حازم الاَعرج ، وعبدالله بن مسلم بن هرمز ، ومحمد بن الفرات التميمي ، والمنهال بن عمرو ، وخلق سواهم.. وقد حدّث عنه أبو سلمة وطاووس ، وهما من طبقته ، غير هؤلاء رجال من خاصة شيعته من كبار أهل العلم ، منهم : أبان بن تغلب ، وأبو حمزة الثمالي ، وغيرهم كثير .
هذا الجمع الغفير وغيرهم ممن وصف بالخلق الكثير أخذوا عنه


علوم الشريعة من تفسير القرآن الكريم والعلم بمحكمه ومتشابهه وناسخه ومنسوخه وأحكامه وآدابه ، والسُنّة النبوية الشريفة روايةً وتدويناً في عصر كانت ما تزال كتابة الحديث فيه تتأثر بما سلف من سياسة المنع من التدوين ، السياسة التي اخترقها أئمة أهل البيت فكتب عنهم تلامذتهم والرواة عنهم الشيء الكثير ، إلى أحكام الشريعة ، حلالها وحرامها وآدابها ، إلى فضيلة الاَمر بالمعروف والنهي عن المنكر في عهد عمدت فيه السياسة على تعطيل الكثير من الاَحكام وتبديل بعض السنن وإحياء بعض البدع ، إلى الجهر في نصرة المظلوم وضرورة الردّ على الظالم وكشف أساليبه الظالمة للناس.
كما تأدبوا على يديه في مجالسه بآداب الاِسلام التي شحنها في أدعيته التي اشتهرت وانتشرت في عهده حتى أصبحت تشكّل لوحدها ظاهرة جديدة في تبني اسلوب روحي متين ، ليس لاِحياء القلوب وشدّها إلى الله تعالى وحسب ؛ بل إلى إحياء معالم الشريعة وحدودها وآدابها الاَدعية التي حفظ المشهور جداً منها في الصحيفة المعروفة بـ « الصحيفة السجادية » نسبة إليه حيث عرف بالسجاد.
والاَثر المحفوظ عنه في كلِّ هذه الميادين أثر عظيم يجمع أسفاراً جليلة ، تتضمن سائر علوم الشريعة الاِسلامية.
وغير ذلك فقد سجّل الإمام سبقاً علمياً وتاريخياً في رسالة تعد من مفاخر الاِسلام وتراثه العلمي ، ألا وهي « رسالة الحقوق » الرسالة الخالدة المحفوظة بهذا العنوان ، والتي استوعبت جلّ الحقوق التي لا يستغني الاِنسان عن معرفتها ، ولا يستغني المجتمع عن احيائها والعمل بها ، لاَجل أن يكون مجتمعاً إسلامياً حيّاً بحق ، كما أرادت له الشريعة السمحة.



ومن ناحية أُخرى فقد ظهرت في عهده مقولات عقيدية تبنتها فرق إسلامية وتمحورت حولها واتخذت منها مناهج خاصة في فهم عقائد الاِسلام وتوجيه أحكامه ، كعقيدتي الجبر والارجاء اللتين روّج لهما الامويون تبريراً لوجودهم في السلطة لمشروعهم السياسي ، وعقيدتي التشبيه والتعطيل في الصفات اللتين اتخذتهما فرق متناقضة بذرائع مختلفة.
وإزاء هذه الاتجاهات وقف الإمام موقفه الواضح والمنسجم مع منهجه في التعليم والدفاع عن مبادىء الشريعة ، فضمّن أقواله الحكيمة وأدعيته المشتهرة نصوصاً تجتث تلك المقولات من جذورها ، من ذلك موقفه مع عبيد الله بن زياد يوم أُدخل عليه في قصر الاِمارة وعُرض عليه فقال له : من أنت ؟
فقال : « أنا علي بن الحسين » .
فقال : أليس قد قتل الله علي بن الحسين ؟
فقال له الإمام : « قد كان لي أخ يسمى علياً قتله الناس » .
فقال له ابن زياد : بل الله قتله.
فقال الإمام : « ( الله يتوفى الاَنفس حين موتها ) » .
وكذا موقفه الآخر مع يزيد بن معاوية عند دخوله عليه مع أخواته وعمّاته في الشام.
قال يزيد : يا بن حسين ، أبوك قطع رحمي وجهل حقّي ، ونازعني سلطاني ، فصنع الله به ما قد رأيت.


فقال الإمام علي بن الحسين : « ( ما أصاب من مصيبة في الاَرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل أن نَّبرأها إن ذلك على الله يسير ) ».
أو ما رواه الطبرسي في الاحتجاج عن ثقاة الرواة وعدولهم ، قال : أنه لما أُدخل علي بن الحسين زين العابدين في جملة من حُمل إلى الشام سبايا من أولاد الحسين بن علي وأهاليه على يزيد ـ لعنه الله ـ قال له يا علي ! الحمدُ لله الذي قتل أباك !
قال الإمام : « قتل أبي الناس » .
قال يزيد : الحمد لله الذي قتله فكفانيه.
قال الإمام : « على من قتل أبي لعنة الله ، أفتراني لعنت الله عزّ وجلّ ؟ » .
أما موقفه من المشبّهة والمجسّمة فنجده قد اتّخذ شكل دعاء ، كما في دعائه في التوحيد إذ يقول : « إلهي بدت قدرتك ولم تبد هيئة جلالك .. شبهوك وأنا بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك ، ليس كمثلك شيء .. فتعاليت يا إلهي عمّا به المشبهون نعتوك » .
ولم يدع الإمام مناسبة تمر إلاّ وأوضح العقيدة الحقّة التي عليها أهل البيت ، وهي تنزيه الباري جلَّ شأنه وتعظيمه ، وذلك ما تجده شاخصاً في دعائه الاَول والثاني من الصحيفة حينما يحمد الله عزَّ وجلّ ويثني عليه بأجلّ الصفات وأنزهها.

.


آخر تعديل بواسطة منتظرة المهدي ، 26-Jul-2009 الساعة 01:02 PM.

إضافة رد



ضوابط المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا يمكنك اضافة مرفقات
لا يمكنك تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة


 

 


المواضيع والمشاركات التي تطرح في منتديات موقع الميزان لا تعبر عن رأي المنتدى وإنما تعبر عن رأي كاتبيها فقط
إدارة موقع الميزان
Powered by vBulletin Copyright © 2017 vBulletin Solutions, Inc