اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
ما في أحشاءه
بحصوله على اليقين، من وصوله إلى مراده. حان وقت إخبار من حوله، والإفصاح لهم عن ما حاول كتمانه. ومداراته عنهم في الفترة السابقة. فكان القيام بذلك مهمة سهلة وميسرة، لمن هم بعيدون عنه - وعن نشاطه اليومي. ولكنها لم تكن كذلك أبدا، لمنهم قريبون منه - وملتصقون به.
أوصل فكرته إلى رئيسه، وأقنعه بها. رغم مرارتها على قلبه، وثقلها على نفسه. فكيف يوصلها، إلى رفيق عمله - وساعده الأيمن؟ من يجلس معه في مكتب واحد، وعلى طاولة مجاورة. ومن يبحث مثله عن منصب مختلف - أو عمل آخر يزيد به دخله.
أخذ الوقت على النفاذ، وشارف العد التنازلي على بلوغ غايته. ولابد من اخذ الخطوة الأولى، رغم مرارتها. لكنه كلما هم بالإفصاح عن مكنونه، باغته خفقان قلبه، كجناحي طير يهم بالإقلاع. خوفا وهلعا، من مغبة وفظاعة ما ينتظره. ولكنه لم يجد بدا من أعلامه، عن ما هو عازم عليه.
اجتمع به ذات صباح مع بداية دوامهما، فأخبره وطلب مساعدته، في إتمام ما بدأه. فسحب كرسيه، وأجلسه إلى جانبه. أخذ في تدريبه وتهيئته لعدة أيام، استعدادا لاستلام مكانه. كان ينفذ تعليماته - وتوصياته بدقة، مع محاولته إخفاء تذمره. خوفا منه تارة، لكونه مسئوله. وحياء منه أخرى، لكبر سنه. ولكنها كانت تظهر، على صفحات وجهه - وفلتات لسانه.
كان في كل مرة يعود من مقابلة يجريها، لابد أن يسمع بدخوله باب مكتبه، اعتراضا وتعليقا جارحا- أو يرى وجها نافرا مكفهرا. إلى أن أظهرها فصيحة بليغة، في احد المناسبات. ابحث لي عن عمل معك!
لم يستطع كتمان غضبه، ولم يرغب في خداعه. فواجهه قائلا: أنا لا أستطيع أن أعدك بشيء حتى استلام مهام عملي.
فهم من كلامه عدم رغبته في مساعدته، فتحركت مشاعره بشكل تلقائي: تفضل هذه استقالتي!
استلمها وقلبه يمتلئ غيضا وحنقا، لعدم تقديره للأمور - وعدم مراعاته للظروف. أجابه والشرر يتطاير من عينيه، كأنما انقلب فجأة إلى وحش كاسر: ليس هذا المتوقع منك، في مثل هذه الظروف. هذه مساعدتك لي - ووقوفك إلي جانبي؟
لم يستطع النائب مغالبة مخاوفه، من فكرة قيامه بتحمل جميع مهام القسم. فانتظر لأيام قلائل، وأردفها بوصوله صباحا بأخرى أعظم وأمر من أختها. وكان فيها تحديا وردة فعل قوية، لم يستطع تجاوزها. كمن تحركت أمعائه، فاضطر إلى قذف ما في أحشاءه. إذا لم تقبل استقالتي، فاعطني إجازتي السنوية.
في تلك الساعة لم يدري ما يقوم به اتجاهه، فقد بلغ السيل الزبا. فسكت عنه رافعا يديه إلى السماء، وعيونه تنهمر بدل الدموع دما. ربنا افرق بيننا وبين قومنا بالحق.
لم تتأخر استجابة دعائه، حيث فجاءه رئيسهما يهرع إليه في احد زيارته المفاجأة وهو يقول: قد أجيبت دعوتك فلا تبتأس بما كان يفعلون.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية