اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
هوى الشباب وأوامر الآباء
لم أتجاوز بعد السادسة عشر من عمري، ولم أتخطى أول عتبات المرحلة الثانوية. وعلى العكس من ذلك فأصحابي جلهم أكبر مني سنا ـ وأكثر مني علما. فهم بين طالب جامعي، أو موظف شركة أو مؤسسة. كشبل صغير بين اسود عظام، رغم طولي الشاهق.
ذلك لأني لم استطع معايشة منهم في مثل عمري، ولا منهم اصغر مني سنا. ولم أتمكن من مجاراة تكفيرهم، ولا مسايرة أسلوب حياتهم. ولم احصل منهم ما توق إليه، من تبادل التقدير والاحترام. كحمامة تبحث عن الوئام والسلام، بين غربان شؤم وخراب.
هذا ما أوقعني في حرج عظيم، عند محاولتي التوفيق بين مجاراة أصحابي في سلوكهم، وتنفيذ أوامر والدي. فهم حسب قانون المجتمع، قد عبروا الحاجز، وشبوا عن الطوق. رجال كاملون مسئولون عن تصرفاتهم – مستقلون بشخصياتهم. فلا يحتاجون إلى إذن من هو اكبر منهم سنا، ولا مراقبة من هو أكثر منهم حكمة.
أما أنا وبحكم عمري ووضعي الدراسي، احتاج إلى كل ذلك. فلا أستطيع الخروج من بيت العائلة متى ما أردت، ولا العودة متى ما أحببت. كما لو كنت فرخا طائر، لا يزال يتلقى أصول الحياة من والديه.
في آخر مواقفي الحرجة، أصبت بالصغار والهزيمة أمام زملائي. وكان موقفا لا احسد عليه. اتفقنا على الخروج إلى البحر – في إجازة العيد – والتخييم على ساحله. أخذت موافقة والدي على الخروج في نهار يوم الثلاثاء، ولمدة أربعة أيام. استبشرت كثيرا، وفرح لي أصحابي. كفرخ طير كمل ريشه، وسمح له بالطيران.
لكن لأسباب تنسيقية، لم نخرج حتى مساء يوم الجمعة. ولم أكن اعلم دقة حسابات والدي، إلا في تلك الحادثة. عندما عدت مع بعض الرفاق إلى البيت يوم السبت، وقبل سقوط قرص الشمس خلف الأفق. وكان الهدف أخذ بعض ما ينقصنا، والعودة لإكمال المدة المتبقية. عندها اصطادني والدي في آخر لحظة، ونحن على استعداد للانطلاق. اصطياد سمكة تحاول الهروب من يد صيادها، للإبقاء على حياتها.
منعني من الخروج رغم قوة دفاعي، ومشروعية أعذاري. متذرعا بنفاذ الوقت المتاح لي، وتوجب قضاء إجازة العيد مع الأهل والأخوان. رضخت على مضض، ولا يزال تأثير ذلك الموقف ماثلا أمام عيني – وبارك على نفسيتي حتى هذا اليوم. مع تعويضه لي عن خسائر الرحلة المادية، وأحبائي برحلة أخرى مع العائلة والأقارب. ولكن ماذا عن اهتزاز صورتي عند أقراني، من سيعوضني عنها؟ بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية