اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
عنهم بحيث لا يلقاه أحد منهم فيعرفه بالمشاهدة لطفا له في ذلك و لهم و إقرارهم بأن الله سبحانه لا يبيح إلا ما هو صلاح و لا يسوغ إلا ما هو في التدبير صواب و لا يفعل بعباده إلا ما بهم حاجة إليه ما دامت المحنة و التكليف باقيا و هذا ينقض قولهم في مشاهدته و أخذ معالم الدين فيه مصلحة تامة و أن بظهوره تمام المصالح و النظام و التدبير و هو قول الخصوم إن الإمامية تناقض مذهبها في إيجابهم الإمامة و قولهم بشمول المصلحة للأنام بوجود الإمام و ظهوره و أمره و نهيه و تدبيره و استشهادهم على ذلك بحكم العادات في عموم المصالح بنظر السلطان العادل و تمكنه من البلاد و العباد .
و قولهم مع ذلك أن الله تعالى قد أباح للإمام الغيبة عن الخلق و سوغ له الاستتار عنهم و أن ذلك هو المصلحة و صواب التدبير للعباد .
و هذه مناقضة لا تخفى على العقلاء .
و أقول إن هذه الشبهة الداخلة على المخالف إنما استولت عليه لبعده عن سبيل الاعتبار و وجوه الصلاح و أسباب الفساد و ذلك أن المصالح تختلف باختلاف الأحوال و لا تتفق مع تضادها بل يتغير تدبير الحكماء في حسن النظر و الاستصلاح بتغير آراء المستصلحين و أفعالهم و أغراضهم في الأعمال .
أ لا ترى أن الحكيم من البشر يدبر ولده و أحبته و أهله و عبيده و حشمه بما يكسبهم المعرفة و الآداب و يبعثهم على الأعمال الحسنات ليستثمروا بذلك المدح و حسن الثناء و الإعظام من كل أحد و الإكرام و يمكنوهم من المتاجر و المكاسب للأموال لتتصل مسارهم بذلك و ينالوا بما يحصل لهم من الأرباح الملذات و ذلك هو الأصلح لهم مع توقرهم على ما دبرهم به من أسباب ما ذكرناه .
فمتى أقبلوا على العمل بذلك و الجد فيه أداموا لهم ما يتمكنون به
منه و سهلوا عليهم سبيله و كان ذلك هو الصلاح العام و ما أخذوا بتدبيرهم إليه و أحبوه منهم و أبروه لهم .
و إن عدلوا عن ذلك إلى السفه و الظلم و سوء الأدب و البطالة و اللهو و اللعب و وضع المعونة على الخيرات في الفساد كانت المصلحة لهم قطع مواد السعة عنهم في الأموال و الاستخفاف بهم و الإهانة و العقاب .
و ليس في ذلك تناقض بين أغراض العاقل و لا تضاد في صواب التدبير و الاستصلاح .
و على الوجه الذي بيناه كان تدبير الله تعالى لخلقه و إرادته عمومهم بالصلاح .
أ لا ترى أنه خلقهم فأكمل عقولهم و كلفهم الأعمال الصالحات ليكسبهم بذلك حالا في العاجلة و مدحا و ثناء حسنا و إكراما و إعظاما و ثوابا في الأجل و يدوم نعيمهم في دار المقام .
فإن تمسكوا بأوامر الله و نواهيه وجب في الحكم إمدادهم بما يزدادون به منه و سهل عليهم سبيله و يسره لهم .
و إن خالفوا ذلك و عصوه تعالى و ارتكبوا نواهيه تغيرت الحال فيما يكون فيه استصلاحهم و صواب التدبير لهم يوجب قطع مواد
التوفيق عنهم و حسن منه ذمهم و حربهم و وجب عليهم به العقاب و كان ذلك هو الأصلح لهم و الأصوب في تدبيرهم مما كان يجب في الحكمة لو أحسنوا و لزموا السداد .
فليس ذلك بمتناقض في العقل و لا متضاد في قول أهل العدل بل هو ملتئم على المناسب و الاتفاق .
أ لا ترى أن الله تعالى دعا الخلق إلى الإقرار به و إظهار التوحيد و الإيمان برسله (
) لمصلحتهم و أنه لا شيء أصوب في تدبيرهم من ذلك فمتى اضطروا إلى إظهار كلمة الكفر للخوف على دمائهم كان الأصلح لهم و الأصوب في تدبيرهم ترك الإقرار بالله و العدول عن إظهار التوحيد و المظاهرة بالكفر بالرسل و إنما تغيرت المصلحة بتغير الأحوال و كان في تغيير التدبير الذي دبرهم الله به فيما خلقهم له مصلحة للمتقين و إن كان ما اقتضاه من فعل الظالمين قبيحا منهم و مفسدة يستحقون به العقاب الأليم .
و قد فرض الله تعالى الحج و الجهاد و جعلهما صلاحا للعباد فإذا تمكنوا منه عمت به المصلحة و إذا منعوا منه بإفساد المجرمين كانت المصلحة لهم تركه و الكف عنه و كانوا في ذلك معذورين و كان المجرمون به ملومين .
فهذا نظير لمصلحة الخلق بظهور الأئمة (
) و تدبيرهم إياهم
متى أطاعوهم و انطووا على النصرة لهم و المعونة و إن عصوهم و سعوا في سفك دمائهم تغيرت الحال فيما يكون به تدبير مصالحهم و صارت المصلحة له و لهم غيبته و تغييبه و استتاره و لم يكن عليه في ذلك لوم و كان الملوم هو المسبب له بإفساده و سوء اعتقاده .
و لم يمنع كون الصلاح باستتاره وجوب وجوده و ظهوره مع العلم ببقائه و سلامته و كون ذلك هو الأصلح و الأولى في التدبير و أنه الأصل الذي أجرى بخلق العباد إليه و كلفوا من أجله حسبما ذكرناه .
فإن الشبهة الداخلة على خصومنا في هذا الباب و اعتقادها أن مذهب الإمامية في غيبة إمامها مع عقدها في وجوب الإمامة متناقض حسبما ظنوه في ذلك و تخيلوه لا يدخل إلا على عمى منهم مضعوف بعيد عن معرفة مذهب سلفه و خلفه في الإمامة لا يشعر بما يرجع إليه في مقالهم به و ذلك أنهم بين رجلين أحدهما يوجب الإمامة عقلا و سمعا و هم البغداديون من المعتزلة و كثير من المرجئة .
و الآخر يعتقد وجوبها سمعا و ينكر أن تكون العقول توجبها و هم البصريون من المعتزلة و جماعة المجبرة و جمهور الزيدية .
و كلهم و إن خالف الإمامية في وجوب النص على الأئمة بأعيانهم و قال بالاختيار أو الخروج بالسيف و الدعوة إلى الجهاد فإنهم يقولون إن وجوب اختيار الأئمة إنما هو لمصالح الخلق و البغداديون من المعتزلة خاصة يزعمون أنه الأصلح في الدين و الدنيا معا و يعترفون بأن وقوع الاختيار و ثبوت الإمامة هو المصلحة العامة لكنه متى تعذر ذلك بمنع الظالمين منه كان الذين إليهم العقد و النهوض بالدعوة في سعة من ترك ذلك و في غير حرج من الكف عنه و أن تركهم له حينئذ يكون هو الأصلح و إباحة الله تعالى لهم التقية في العدول عنه هو الأولى في الحكمة و صواب التدبير في الدنيا و الدين .
و هذا هو القول الذي أنكره المستضعفون منهم على الإمامية في ظهور الإمام و غيبته و القيام بالسيف و كفه عنه و تقيته و إباحة شيعته عند الخوف على أنفسهم ترك الدعوة إليه على الإعلان و الإعراض عن ذلك للضرورة إليه و الإمساك عن الذكر له باللسان .
فكيف خفي الأمر فيه على الجهال من خصومنا حتى ظنوا بنا المناقضة و بمذهبنا في معناه التضاد و هو قولهم بعينه على السواء لو لا عدم التوفيق لهم و عموم الضلالة لقلوبهم بالخذلان و الله المستعان .