مقدمة كتبتها لورا في كتابها
( لبنان في التصورات الصهيونية المبكرة )
تقول فيها ما يلي :
في مطلع شهر حزيران \ يونيو من العام 1982 زرت منطقة الجليل الشمالي ,
فيما كان الجيش الإسرائيلي يحتشد فيها , وبعد يومين فقط على وصولي , دخلت
القوات الإسرائيلية إلى لبنان , فوجدت نفسي في خضم حملة عسكرية وعلى طريق
يستخدمه الجيش للغزو , الأمر الذي شكّل لي صدمة , وذكّرني بأن ما يبدو لنا في
إحدى بقاع العالم , حقيقة أكاديمية , إنما هو واقع معاش في بقعة أخرى .
وقد أدى تضافر اهتماماتي في البحث والإكتشاف مع وجودي على مقربة
من جبهة القتال , إلى إثارة فضولي المهني والشخصي على حد سواء , حيال الأحداث الجارية على الجانب الآخر من الحدود .
طيلة ذلك الصيف تحدثت مع صحافيين ومدنيين وجنود إسرائيليين ,في
محاولة لإدراك طبيعة وعيهم لأسباب اهتمام بلادهم بلبنان . وخلال السنوات اللاحقة تابعت عن كثب مأساة
التورط الإسرائيلي المستمر في لبنان , ومجمل الأدبيات
والدراسات المتعلقة بهذا الموضوع وقد لاحظت أم معظم التحليلات المجتمعة حول أسباب اهتمام
إسرائيل بلبنان تعتبر أن تمركز منظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان في مطلع السبعينات شكل الذريعة
المباشرة لإهتمام إسرائيل بشكل جدي بهذا البلد , وإذا كان هذا الأمر صحيحاً بالمعنى الضيق للكلمة , فإنه لا بد من
الإشارة إلى أن إسرائيل لم تنتظر عشرين سنة لإكتشاف جارها الشمالي , فالأبحاث الأولية التي أجريتها ,
بينت لي مدى قلة الكتابات عن الإهتمام الإسرائيلي بلبنان , وأن هناك تاريخاً طويلاً وغنياً بالفعل ,
من العلاقات الصهيونية اللبنانية ما زال بمثابة المادة الخام ويستحق أن نسبر أغواره .
لذلك أخذت على عاتقي مهمة نبش السوابق التاريخية في سياسة إسرائيل حيال لبنان ,
مع التركيز على موقع هذا البلد ضمن إطار السياسة الصهيونية
الخارجية عامة , وعلى المشكلات التي أثارها والفرص التي أتاحها للصهاينة الأوائل ,
خلال مرحلة ما قبل قيام دولة إسرائيل ,
وكان هدفي هو ردم هوة مهمة في فهمنا لطبيعة العلاقات الإسرائيلية مع لبنان ,
وتوفير إطار تاريخي يمكن من خلاله النظر إلى طبيعة الإهتمامات الإسرائيلية المستمرة بهذا البلد .
وللأسف فإن مجرى الأحداث التي يصفها هذا الكتاب يذكرنا بأنه في زمن غابر تطلع الصهاينة
إلى أبقاء الحدود هادئة مع لبنان , وإلى إقامة صداقة , وربما إلى عقد إتفاق سياسي مع هذا البلد , واعتبروه
من بين جميع البلدان العربية المجاورة بلداً واعداً على هذا الصعيد .
هذه الدراسة تستند إلى البحث الأرشيفي والجسم الرئيسي من الوثائق التي تستند إليها ,
يقبع في( الأرشيف الصهيوني المركزي) في القدس .
وأكثر الوثائق أهمية وإضاءة لموضوع السياسة الصهيونية حيال لبنان
موجود أساساً وليس حاصراً , في محفوظات القسم السياسي للوكالة اليهودية فالتقارير التي أرسلها إلى القدس
ممثلوا الوكالة في بيروت ملئية بالملاحظات عن الوضع السياسي في لبنان وبالإقتراحات التي من شأنها تطوير
النشاط الصهيوني فيه , وقد أورد العملاء الصهاينة عمداً مقاطع حرفية من حوارات
أجروها مع أشخاص عاديين ومع مسؤولين لبنانيين من أرفع المستويات
وأرسلوا مجموعة كبيرة من المقترحات والعروض والمشاريع التي تلقوها منهم طالبين التعليق والرد عليها .
إعادة تجميع الرسائل والمذكرات المتفرقة والموزعة على ملفات مختلفة مكنتني من إعادة تكوين المراسلات
بين أعضاء في الوكالة اليهودية وبعض أبرز ممثلي الحياة السياسية والدينية في لبنان , ومضمون هذه الرسائل
واللهجة المستخدمة فيها يثيران إلى الإلفة بل المودة اللتين نشأتا بين الجانبين وقد تم إبقاء الرسائل الواردة من لبنان
بلغتها الأصلية الفرنسية أو العربية , لتمكين اللبنانيين من التعبير عن أنفسهم , ولتمكين القارئ من تلمس حقيقة الدوافع والحوافز التي ساعدت على صياغة الصور التي رسمتها الوكالة اليهودية عن لبنان .
ومن خلال دقائق النقاشات في اجتماعات الهيئات التنفيذية في الوكالة اليهودية والمذكرات الداخلية
لقسمها السياسي , يستطيع المرء متابعة النقاش الدائر آنذاك , بشأن لبنان ومسألة تحالف الأقليات في المنطقة ,
والتقارير التي أعدها أعضاء قسم الأبحاث تبدو قيمة , لا بسبب ما تتضمنه من المعلومات بشأن موضوع محدد فحسب ,
ولكن كمؤشرات على طبيعة القضايا التي أثارت اهتمام القسم في وقت محدد والبيانات التي أصدرها القسم السياسي , والتصريحات التي أدلى بها أعضاؤه للاستهلاك العام ,تشكل أمثلة جيدة عن جهود الوكالة لدفع الرأي العام
إلى تبني مواقف مؤيدة للصهيونية , أو للحد من الآثار السلبية للدعاية المعادية , والوثائق التي تدعم هذه الدراسة ,
موجودة إلى حد ما في( أرشيف دولة إسرائيل ) في القدس وفي ( أرشيف وايرزمان) في ( ريحوفوت) )
وفي أرشيف بن غوريون ,
في ( سيدي بوكر) وفي ( أرشيف الهاغاناه) في تل أبيب وفي ( أرشيف التربية اليهودية ) في جامعة تل أبيب ,
ولإهتمام هذه الدراسة قمت أيضاً بمراجعة صحافة ذلك الزمان .
المصادر الأخرى لهذه الدراسة , تشمل مذكرات ويوميات أشخاص من الصهاينة ومن غير الصهاينة
ممن تقاطعت أنشطتهم مع موضوعيّ فلسطين ولبنان , وكلما كان الأمر متيسراً قمت بإجراء مقابلات
مع من بقي حياً من اللاعبين أنفسهم , وفي هذا المجال , لابد من الإشادة بالسماعدة التي قدمها المسؤولان السابقان
في الوكالة اليهودية ( إلياهو إيلات ) و( يعقوب شمعوني) وتلك لقيتها من جانب شخصيات سياسية وأكاديمية أخرى .
لكن أكثر المقابلات أهميةهي تلك التي أجريتها مع أشخاص أمضوا حياتهم قرب الحدود اللبنانية فقد زرت كيبوتزات ( مستعمرات زراعية عسكرية صهيونية , المترجم )
( حانيتا ) و ( عين جيف) و ( كفار جلعادي ) و ( مدينة المطلة ) وتحادثت مع
جواسيس ومهربين ومقاتلين سابقين , ومع مزارعيين ورواد .
وأتاحت لي ذكرياتهم عن لبنان والوقت الذي أمضوه فيه خلال العشرينيات والثلاثينيات والأربعينيات ,
فرصة مهمة للنظر إلى موضوع البحث من زاوية مختلفة عن تلك التي نتبناها من خلال مراجعة الوثائق والأرشيف فقط ..
وإذا كان معظم مصادري صهيونياً , فإن ذلك لا يعكس أي إنحياز متعمد أو إهمال من جانبي ,
فالصراع الدائر حالياً في لبنان يمنع إجراء أي بحث في أرشيفاته كما أن اللبنانيين الذين ارتبطوا بعلاقات
وثيقة مع الوكالة اليهودية لم يتركوا أي وثائق مكتوبة بشأن إرتباطاتهم بالصهاينة ,
ومن بقي منهم حياً لم يرغب بالتأكيد ببحث هذا الموضوع في الوقت الراهن ,
ولذلك السبب مجمل هذه الظروف , ركزت موضوعي بعناية حول السياسة الصهيونية حيال لبنان
وليس حول العلاقات الصهيونية اللبنانية بحد ذاتها , الأمر الذي كان سيفرض عليَّ إيجاد توازن بين الوثائق الصهيونية واللبنانية المشمولة بالدراسة , وليس بإمكان المرء سوى أن يأمل بأن يتمكن المؤرخون مستقبلاً بعد إنتهاء الصراع في لبنان من الإطلاع على الأجزاء الناقصة من اللغز الصهيوني – اللبناني .
لقد سافرت إلى فرنسا واطلعت على الوثائق المخزونة في وزارة الخارجية الفرنسية ,
والمفوضية الفرنسية السامية في بيروت , وما عثرت عليه من وثائق يبين لي أن الدولة المنتدبة كانت متنبهة
إلى ما يجري بين اللبنانيين والصهاينة , وأكد المعلومات التي استقيتها من مصادر صهيونية ولبنانية أساساً .
فالوثائق المهمة في هذا الميدان , ما زالت محفوظة في أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية في باريس
وفي مركز المحفوظات الدبلوماسية في مدينة ( نانت ) .
إن توخي الدقة يتطلب منذ البداية , تعريف مصطلحين حاضرين على الدوام في هذه الدراسة .
فالمقصود بمصطلح ( الصهيونية ) هنا هو الحركة السياسية التي سعت إلى
إقامة وتطوير دولة يهودية في ( إيريتز إسرائيل )
(أرض إسرائيل باللغة العبرية , المترجم ) أو فلسطين , والصهيوني هو من يدعم هذه القضية على نحو واعٍ ,
وفي إطار هذه الدراسة فإن الشخصيات والسياسات الصهونية المشار إليها هي عموماً شخصيات تنتمي
إلى السياسات الصادرة عن الممثل الرسمي للحركة الصهيونية في فلسطين , الوكالة اليهودية ,
وعلى هذا الأساس فإن كلمتي (صهيوني ) و ( يهودي) تبدوان مترادفتين ( ليس دائماً ) كما سيتضح لاحقاً .
الموارنة طائفة كاثوليكية شرقية من ضمن جملة طوائف مسيحية في لبنان ويمثلون نصف عدد المسيحين في هذا البلد ,
وعلى مدى أجيال عدة تمكن الموارنة من احتكار السلطتين السياسية والإقتصادية في لبنان ,
وبفضل عددهم وحسن تنظيمهم وعنفوانهم وشعورهم الحاد بهيوتهم كجماعة ,
تمكن الموارنة من جعل مصالحهم الخاصة , مصالح عامة للمسيحيين من غير الموارنة
الذين باتت أولياتهم السياسية عموماً , خاضعة للسياسية المارونية ,
لذلك فإن كلمتي ( مصالح الموارنة ) في هذه الرسالة
تشيران إلى ( مصالح المسيحيين ) في لبنان عموماً ,
إلا في حال وجود إشارة مخالفة .
هوامش التقديم : وليد الخالدي ( الصراع والعنف في لبنان )
كامبردج : مركز الشؤون الدولية جامعة هارفارد – 1979 صـ 13 – 14 .
______________________________________________
تقول لورا :لقد ساهم عدد كبير من الأشخاص والمؤسسات في إنجاح مشروعي هذا
رسالة الشكر التي قدمتها لورا لكل من .... قائلة فيها :
شكرهم جميعاً على ما قدموه لي من مساعدة .
فتضيف: أنها ممتنة جداً لمدير ( الأرشيف الصهيوني المركزي ) في القدس وللعاملين فيه على مساعدتهم التي لم تكل ,
كذلك أعبر عن خالص امتناني لجميع العاملين في أرشيف ( الدولة الإسرائيلية ) في القدس وفي ( أرشيف وايرزمان ) في ريحوفوت وفي ( أرشيف بن غوريون ) في ( سيدي بوكر) وفي( أرشيف الهاغاناه وقوات الدفاع الإسرائيلية )
في جامعة تل أبيب
ومركز ( المحفوظات الدبلوماسية ) التابع لوزارة الخارجية الفرنسية في منطقة ( كي دورساي ) في باريس
و ( مركز المحفوظات البلوماسية في نانت ) الكائن في مدينة ( نانت الفرنسية ).
وتوجه شكرها الخاص إلى الهيئات والمؤسسات التي موّلت أو سهلت تعليمي والأبحاث التي قمت بها ,
وأسفارها إلى الخارج وهي :
مدرسة (هوارس هـ . راكهام) للدراسات العليا في جامعة( ميتشغان ) ووزارة التعليم في الولايات المتحدة ,
و(المؤسسة القومية للثقافة اليهودية ) و برنامج (المنح للدراسات الخاصة باللغات والمناطق الأجنبية ) والمناطق الأجنبية
و ( مركز دراسات الشرق الأدنى وشمال أفريقيا ) في جامعة ( ميتشغان )
و ( مركز موشي دايان لدراسات الشرق أوسطية والإفريقية في جامعة تل أبيب .
وتقول لورا :أنا مدينة بشكر خاص لكل من ( نيل كابلان ) و( مثير زامير) اللذان لم يبخلان
عليَّ بوقفتهما وخبرتهما , وقاما بقراءة المخطوطة وإبداء ملاحظاتهما عليها , كذلك أتوجه بالشكر إلى سائر
الزملاء الذين أسهموا في دعم وتشجيع هذا البحث إلى حين طباعته , وعبر إنتقاداتهم وإقتراحاتهم حيناً وبأفكارهم الإستفزازية حيناً آخر , وتخص لورا بالذكر :
( حمدة بن يهودا أجيد ) و ( جاكوب لاستر ) و ( يوسف أولمرت ) و ( كينيث شتاين )
كذلك كلا من ( أبا إبيان ) و ( ألكنان أورين ) و ( يهوشوا بوارت ) وكمال الصليبي و ( أرييه شالاف )
الذين ارتضوا مناقشة مسألة العلاقات الصهيونية اللبنانية معي , وعرضوا لي وجهات
نظرهم ولا بد لي في هذا السياق من شكر المسؤولين السابقين في ( الوكالة اليهودية , إلياهو إيلات )
و ( يهواشوا بالمون ) و ( يعقوب شمعوني ) الذين أمضوا معي ساعات طويلة لإطلاعي على ذكرياتهم .
وتضيف :وزودني ( تود إينديلمان ) و ( خوان كول ) و ( زفي غيتيلمان ) و ( ريموند تانتز )
من جامعة ميشتغان بإرشادات عند بدء الدراسة ,
وأهمية معرفة المؤرخ الذي يقف خلف الرواية التاريخية وو إلخ ......
وفي اخر سطور كلمة الشكر تقول لورا :
إن نقاط قوة هذا الكتاب تعكس الرعاية الحكيمة التي لقيتها من جميع هؤلاء في حين أن مواطن ضعفه
أو النواقص التي تشوبه هي من مسؤوليتي الشخصية فقط .
وتنهي رسالة الشكر بالإمتنان إلى أفراد عائلتها وأصدقائها الذين قدموا لها الدعم المعنوي والتقني
عندما تعطل جهازها الخاص , والذين استضافوها في تل أبيب بكل سرور .