بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدالله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين ..
قال الله جلّ جلاله : ( سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الاْفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْء شَهِيدٌ )
أعزّاءنا..
في الخطبة العلوية الشريفة :
« دليله آياته ، ووجوده إثباته » .
وفي الحديث الرضوي المبارك :
« بصنع الله يُستدلّ عليه ، وبالعقول تُعتقد معرفته ، وبالفطرة تثبت حجّته » .
إلى غير ذلك من أدلّة العلم والحكمة .
قال الشيخ الصدوق :
« من الدليل على أنّ الله تبارك وتعالى عالم أنّ الأفعال المختلفة التقدير ، المتضادّة التدبير ، المتفاوتة الصنعة لا تقع على ما ينبغي أن يكون عليه من الحكمة ممّن لا يعلمها ، ولا يستمرّ على منهاج منتظم ممّن يجهلها ، ألا ترى أنّه لا يصوغ قُرطا ً(شحمة الأذن) يُحكم صنعته ، ويضع كلاًّ من دقيقه وجليله موضعه من لا يعرف الصياغة ، ولا ينظّم كتابةً يتّبع كلّ حرف منها ما قبله من لا يعلم الكتابة ، والعالَم ألطف صنعة وأبدع تقريراً ممّا وصفناه ، فوقوعه من غير عالِم بكيفيّته قبل وجوده أبعد وأشدّ إستحالة » .
.
فمن البديهي أنّ هذا النظام الكوني الدقيق البهيج ، لا يمكن أن ينشأ من الجهل أو يحدث بالصدفة .
بل في جميعها آيات صدق ، ودلائل حقّ تفصح عن علم صانعها ، وخبرة بارئها ، وحكمة فاطرها .
وهي تكشف بوضوح أنّ خالقها كان عليماً بأجزائها وجزئياتها ، وخبيراً بربطها وإرتباطها ، وقادراً على صنعها وتركيبها بأحسن شكل وأبدع صورة .. وبأجمل المناظر وأزهى المظاهر ، إلى جانب دقّة الفعل ورقّة العمل .
فلنراجع الوجدان فيما نلاحظ من البراعة العلمية ، والدقّة الفنّية في الآيات الأنفسيّة والآفاقيّة التي تلاحظها في هذا الكون العظيم .
في حديث التوحيد الشريف الذي رواه المفضّل الجعفي من أعظم أدلّة وجود الله وتوحيده وعلمه ، وجدير بالإمعان والدراسة ، وهذه الأدلّة الجليلة تبرهن على هذه الصفة الكماليّة لله تعالى شأنه وجلّت قدرته ..
ومن هذه الآيات والتي في أنفسنا وأجسامنا هي الحنجرة الصوتية ...
1- عجائب الخلقة في جهاز الصوت والتكلّم في الإنسان :
« أطل الفكر يا مفضّل ! في الصوت والكلام وتهيئة آلاته في الإنسان ، فالحنجرة كالاُنبوبة لخروج الصوت ، واللِّسان والشفتان والأسنان لصياغة الحروف والنغم .
ألا ترى أنّ من سقطت أسنانه لم يُقم السين ، ومن سقطت شفته لم يصحّح الفاء ، ومن ثقل لسانه لم يفصح الراء ، وأشبه شيء بذلك المزمار الأعظم ، فالحنجرة يشبه قصبة المزمار ، والرئة تشبه الزقّ (2) الذي ينفخ فيه لتدخل الريح ، والعضلات التي تقبض على الرية ليخرج الصوت كالأصابع التي تقبض على الزقّ حتّى تجري الريح في المزمار ، والشفتان والأسنان التي تصوغ الصوت حروفاً ونغماً كالأصابع التي يختلف في فم المزمار فتصوغ صفيره ألحاناً ، غير أنّه وإن كان مخرج الصوت يشبه المزمار بالدلالة والتعريف فإنّ المزمار بالحقيقة هو المشبه بمخرج الصوت » (3).
(1) بحار الأنوار : (ج3 ص62) .
(2) الزقّ بكسر الزاء : الجلد النافخ الذي يستعمل في المزمار .
(3) بحار الأنوار : (ج3 ص71) .
2- عجيب الصنعة في العين والأجفان والأشفار لحاجة الإنسان :
« تأمّل يا مفضّل ! الجفن على العين ، كيف جعل كالغشاء ، والأشفار كالأشراج (1) ، وأولجها في هذا الغار ، وأظلّها بالحجاب وما عليه من الشعر » (2).
3- عجائب الصنعة الباطنية في الإنسان :
« يا مفضّل ! مَن غَيَّب الفؤاد في جوف الصدر ، وكساه المدرعة التي هي غشاؤه ، وحَصّنَه بالجوانح وما عليها من اللحم والعصب لئلاّ يصل إليه ما ينكؤه (3) ؟
من جعل في الحلق منفذين ؟ أحدهما لمخرج الصوت وهو الحلقوم المتّصل بالرئة ، والآخر منفذ الغذاء وهو المريء المتّصل بالمعدة الموصل الغذاء إليها ، وجعل على الحلقوم طبقاً يمنع الطعام أن يصل إلى الرئة فيقتل .
من جعل الرئة مروّحة الفؤاد لا تفتر ولا تخلّ ؟ لكيلا تتحيّز الحرارة في الفؤاد فتؤدّي إلى التلف .
من جعل لمنافذ البول والغائط أشراجاً تضبطهما ؟ لئلاّ يجريا جرياناً دائماً فيفسد على الإنسان عيشه فكم عسى أن يحصي المحصي من هذا ؟ بل الذي لا يحصى منه ولا يعلمه الناس أكثر .
من جعل المعدة عصبانيّة شديدة وقدّرها لهضم الطعام الغليظ ؟
ومن جعل الكبد رقيقة ناعمة لقبول الصفو اللطيف من الغذاء ، ولتهضم وتعمل ما هو ألطف من عمل المعدة إلاّ الله القادر ؟
أترى الإهمال يأتي بشيء من ذلك ؟
كلاّ ، بل هو تدبير من مدبّر حكيم ، قادر عليم بالأشياء قبل خلقه إيّاها ، لا يعجزه شيء وهو اللطيف الخبير » (1).
(1) وفي نسخة الأشراج ، وهي العُرى .
(2) بحار الأنوار : (ج3 ص73) .
(3) أي ما يجرحه ويؤذيه .
وما عسى أن يقول الذين قسّموا الأشياء بين خالقين متضادّين وكل شيء في الكون يثبت وحدانيته ...
لاإله إلا الله وحده لاشريك له ..