اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوهم .
عظم الله لك الأجر يامولاي يا غريب طوس في وفاة أختك السيدة فاطمة المعصومة سلام الله عليكما
وفاتها
لم يرد في شيء من الروايات تاريخ اليوم أو الشهر الذي رحلت فيه السيدة فاطمة المعصومة () عن الدنيا، وإنّما ورد ذكر السّنة فقط، فقد جاء في تاريخ قم أنّه لمّا أخرج المأمون الرضا () من المدينة إلى مرو لولاية العهد في سنة مائتين من الهجرة خرجت فاطمة أخته تقصده في سنة إحدى ومائتين، فلمّا وصلت إلى ساوة مرضت..
وتقدّم أنّها مكثت في قم سبعة عشر يوماً في منزل موسى بن خزرج بن سعد الأشعري. وأما تاريخ اليوم أو الشهر فلم يذكرا.
وقد اختلفت الأقوال في تحديدهما، وذكر أحد الباحثين، أنّها ثلاثة:
القول الأول: العاشر من ربيع الثاني، وهو المنقول عن كتابي (نزهة الأبرار في نسب أولاد الأئمة الأطهار) للسيد موسى البرزنجي الشافعي المدني، و(لواقح الأنوار في طبقات الأخيار) لعبد الوهاب الشعراني الشافعي.
القول الثاني: الثاني عشر من ربيع الثاني، وهو المذكور في كتاب (مستدرك سفينة البحار) للشيخ النمازي.
القول الثالث: الثامن من شهر شعبان، وهو المنقول عن كتاب (العربيّة العلويّة واللّغة المرويّة) وللمحدّث الحرّ العاملي.
وقد رجّح بعض الباحثين القول الأول لا اعتماداً على المصدرين المذكورين، وإنّما لبعض القرائن والشواهد، وذكر واحدة منها، قد لا تكون موجبة للترجيح عند غيره.
وعلى أي تقدير فقد اختلف في سنة ولادتها كما تقدم فضلاً عن اليوم والشهر وما أكثر الاختلافات في التاريخ، وحسبك أن تعلم أن المسلمين اختلفوا في يوم ميلاد النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله)، ويوم وفاته، فكيف بأهل بيته ()؟!!
على أن أسباب الاختلاف كثيرة يوم ذاك، فليس من العجب أن يهمل ذكر اليوم أو الشهر أو السّنة التي ولدت فيه السيدة فاطمة () وكذا اليوم أو الشهر الذي رحلت فيه، ولولا أن ذكر السيدة فاطمة المعصومة () قد اقترن بقضيّة إخراج الإمام الرضا () من المدينة لأهمل ذكر السّنة التي توفيت فيها أيضاً، كما أهمل ذكر السّنة التي ولدت فيها، إذ لم يكن ثمّة مؤرخ يعني بتسجيل الأحداث وضبطها، وإذا كان هناك من يؤرّخ فإنّما هو لتسجيل أمور تافهة وحقيرة ـ كما يقول السيد العاملي ـ فيسهب في وصف مجلس شراب أو منادمة حتى لا يفوته شيء منه أو يختلق ويفتعل أحداثاً لم يكن لها وجود إلا في عالم الخيالات والأوهام، أو يتكلّم عن أشخاص لم يكن لهم شأن يذكر بل قد لا يكون لهم وجود أصلاً.. بينما نراه في نفس الوقت يهمل بالكلّية شخصيات لها مكانتها وخطرها في التاريخ، أو يحاول تجاهل الدور الذي لعبته فيه، ويهمل ويشوّه أحداثاً ذات أهميّة كبرى صدرت من الحاكم نفسه أو من غيره، ومن بينها ما كان له دور هام في حياة الأمة ومستقبلها، وأثر كبير في تغيير مسيرة التاريخ، أو يحيطها ـ لسبب أو لآخر ـ بستار من الكتمان والإبهام.
خصائص الزيارة وبعض مميّزاتها
وتعد هذه الزيارة من الزيارات الجامعة حيث اشتملت على السلام على أبي البشر آدم ()، وأولي العزم من الرسل ()، ثم السلام على المعصومين من أهل البيت () وهم الصديقة فاطمة الزهراء ()، والأئمة الاثنا عشر ()، وذكرهم واحداً واحداً، ثم السلام على فاطمة المعصومة، ثم الإشارة إلى بعض مقامات أهل البيت ()، ومنزلتهم عند الله تعالى، وما أعده لهم من المنزلة في الدار الآخرة، والشأن العظيم، ثم الإقرار لهم بالمحبة والولاية والبراءة من أعدائهم، والتسليم إلى الله تعالى، وإعلان الرضا بكل ما جاء به النبي (صلّى الله عليه وآله) والاعتقاد اليقين به، ثم الابتهال إلى الله تعالى وطلب الثبات على ذلك.
وجميع هذه المضامين العالية واردة في روايات أهل البيت ()، فهي في حدّ ذاتها ـ بغضّ النظر عن سندها ـ موافقة لما ورد من أصول المعارف الحقّة عن أئمة الهدى ().
ثم إنّ في هذه الزيارة أموراً تلفت النظر وتسترعي الانتباه، نشير إجمالاً إلى ثلاثة منها:
الأول: الالتفات في السلام من الغيبة إلى الخطاب، فإنّ الزيارة تبدأ بالسلام على آدم في صورة الغيبة، حتى إذا بلغ السلام إلى النبي (صلّى الله عليه وآله) تحوّل إلى صورة المخاطبة.
الثاني: ذكر في الزيارة أن السيدة فاطمة المعصومة () بنت الحسن ()، حيث ورد فيها: السلام عليك يا بنت الحسن والحسين.
ومن المعلوم أن فاطمة المعصومة () تنحدر من سلالة الحسين ()، فهي فاطمة بنت موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ().
الثالث: اشتمال الزيارة على أن للسيدة فاطمة المعصومة () شأناً من الشأن، وبه تشفع في الجنة.
أما الأمر الأول: فلأن من الثابت بالكتاب والسنّة أن النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة () شهداء على الخلق، وأنّهم في جميع الحالات يسمعون الكلام ويردّون السلام، من دون اختصاص بمكان دون مكان أو زمان دون آخر، ولذا فإنّ جميع ما ورد من الزيارات ـ إلا القليل ـ كان في صورة الخطاب والحضور، حتى أنّ التسليم المستحبّ في آخر كلّ صلاة كذلك، وهو قول المصلّي (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته).
وأمّا في خصوص المقام فقد ذكر بعض العلماء أن في ذلك إلماحاً بل إشارة إلى منزلة قم ومكانتها عند أهل البيت ()، وقد أثنى الأئمة () على أرض قم وأهلها، ووردت عنهم () أحاديث كثيرة في ذلك، وسيأتي ذكر بعضها في محلّه.
ويؤيد ذلك ما ورد في الرواية الواردة عن الإمام الصادق () حيث قال: إنّ لله حرماً وهو مكة، وإنّ للرسول حرماً وهو المدينة، وإنّ لأمير المؤمنين حرماً وهو الكوفة، وإنّ لنا حرماً وهو بلدة قم..
وفي رواية أخرى: ألا إن قم الكوفة الصغيرة، ألا إن للجنّة ثمانية أبواب ثلاثة منها إلى قم..
ففي العدول من الغيبة إلى الخطاب إشعار بحضورهم () في هذا المكان المقدّس فإنّه حرمهم، وموطن شيعتهم، وورد في الروايات أنّهم () لا يغيبون عن شيعتهم.
وقد أصبح لبلدة قم ميزة أخرى تضاف إلى مميّزاتها وهي أنّها مثوى السيدة فاطمة المعصومة ()، الأمر الذي زاد في ارتباط الأئمة ()، بقم، وقد أخبر عنه الإمام الصادق () قبل ولادتها، بل قبل ولادة أبيها () حيث قال: وستدفن فيها امرأة من أولادي تسمّى فاطمة فمن زارها وجبت له الجنّة.
وفي رواية أخرى: تقبض فيها امرأة هي من ولدي، واسمها فاطمة بنت موسى، تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنّة بأجمعهم وبه ينسجم العدول في السلام من الغيبة للخطاب فإنّ الزّائر يخاطب النبي (صلّى الله عليه وآله) والأئمة () وهم حاضرون.
وأما الأمر الثاني: فيظهر معناه بالرجوع إلى نسب الإمام الباقر () من جهة أمّه ()، وهي فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى ()، فتكون جدّة للإمامين الصادق والكاظم (عليهما السلام)، وبذلك تكون السيدة فاطمة المعصومة () بنتاً للإمام الحسن () من طرف الأم.
وقد ذكر الرواة أن أم الإمام الباقر () كانت على مرتبة عالية من الجلال والكمال.
يقول المحدّث القمّي في منتهى الآمال: أمّه ـ أي الإمام الباقر () ـ الماجدة فاطمة بنت الإمام الحسن المجتبى، وقيل لها: أم عبد الله.
فاصبح () ابن الخيرتين، وعلويّاً بين العلويين.
روي في دعوات الراوندي عن الإمام محمد الباقر () أنّه قال: كانت أمّي قاعدة عند جدار، فتصدّع الجدار وسمعنا هدّة شديدة، فقالت بيدها: لا وحقّ المصطفى، ما أذن الله لك في السّقوط، فبقي معلّقاً حتى جازته، فتصدّق عنها أبي () بمائة دينار.
وذكرها الصادق () يوماً فقال: كانت صدّيقة لم يدرك في آل الحسن امرأة مثلها.
وعلى هذا فيكون الإمام الحسن أباً للسيدة فاطمة المعصومة () لأنه جدّ الإمام الباقر () لأمّه، بل هو أب لسائر الأئمة ().
وأمّا الأمر الثالث: فيعلم ممّا تقدم من الأبحاث السابقة، فإنّ شأن السيدة فاطمة المعصومة هو الشأن الشامخ، والمنزلة العالية، عند الله تعالى على ما نطقت به الروايات، ومن ذلك أن لها شأنية الشفاعة لجميع الشيعة، كما قال عنها جدّها الإمام الصادق (): (تدخل بشفاعتها شيعتنا الجنة بأجمعهم).
والشفاعة من المسائل التي أكّدت عليها النصوص القرآنية وروايات أهل البيت ()، وتكفّلت الكتب الكلامية ببيان تفاصيلها حكماً وموضوعاً.
والذي نودّ الإشارة إليه أن المستفاد من جملة (يا فاطمة اشفعي لي في الجنة فإنّ لك عند الله شأناً من الشأن) أنّ هذا الشأن ليس هو شأن الشفاعة فقط، وإنّما الشفاعة هي أحد مصاديق ذلك الشأن.
ويؤيد هذا المعنى ما ورد من الروايات الدالّة على أن الشفاعة ثابتة لجملة من الأفراد على اختلاف مراتبهم منهم النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) فإنّ له المقام المحمود، وهو أعلى مراتب الشفاعة على ما ورد في كثير من الروايات.ومنهم الأئمة المعصومون () والصدّيقة الزّهراء ()، ومنهم الشهداء، ومنهم القرآن الكريم، فإنّه يشفع لقرائه، ومنهم السقط فإنّه يشفع لأبويه، ومنهم المؤمن الشيعي، فإنّ الله تعالى قد جعل له الشفاعة يوم القيامة كما ورد في صحيحة ابن أبي نجران، قال: سمعت أبا الحسن () يقول: من عادى شيعتنا فقد عادانا، ومن والاهم فقد والانا، لأنّهم منّا خلقوا من طينتنا، من أحبّهم فهو منّا، ومن أبغضهم فليس منا..، والله إنّ أحدهم ليشفع في مثل ربيعة ومضر، فيشفّعه الله تعالى فيهم، لكرامته على الله عزّ وجلّ.
وغيرها من الروايات.
أقول: إن مقام الشفاعة وإن كان شامخاً إلا أن للسيدة فاطمة المعصومة مقاماً آخر عبر عنه بالشأن.
وممّا يدل على ذلك ما نقله لي صديقي العزيز المحقّق الشهير الفاضل السيد مهدي الرجائي ـ ورأيته في أكثر من كتاب ـ عن السيد محمود المرعشي، عن أبيه السيد شهاب الدين، عن جدّه السيد محمود المرعشي، أنّه كان يريد معرفة قبر الصّدّيقة الزهراء ()، وقد توسّل إلى الله تعالى من أجل ذلك كثيراً، حتى أنّه دأب على ذلك أربعين ليلة من ليالي الأربعاء من كل أسبوع في مسجد السهلة بالكوفة، وفي الليلة الأخيرة حظي بشرف لقاء الإمام المعصوم ()، فقال له الإمام (): (عليك بكريمة أهل البيت)، فظنّ السيد محمود المرعشي أن المراد بكريمة أهل البيت () هي الصديقة الزهراء () فقال للإمام (): جعلت فداك إنّما توسّلت لهذا الغرض، لأعلم بموضع قبرها، وأتشرّف بزيارتها، فقال (): مرادي من كريمة أهل البيت قبر السيدة فاطمة المعصومة () في قم.
ثم قال: إن الله تعالى قد جعل قبر الصديقة الزهراء من الأسرار، وقد اقتضت الإرادة الإلهية تبعاً لبعض المصالح أن يكون قبرها مخفيّاً لا يطّلع على موضعه أحد من الناس، فلا يمكن الإخبار عنه، ولكن جعل الله قبر السيدة فاطمة المعصومة موضعاً يتجلّى فيه قبر الصديقة الزهراء ()، وإن ما قدّر لقبر الصديقة الزهراء () من الجلال والعظمة والشأن ـ لو كان معلوماً ظاهراً ـ قد جعله الله تعالى لقبر السيدة المعصومة.
وعلى إثر ذلك عزم السيد محمود المرعشي على السفر من النجف الأشرف إلى قم لزيارة كريمة أهل البيت ().
ونقل عن المحدّث الشيخ عباس القمّي أنّه رأى الميرزا القمّي ـ صاحب القوانين ـ في عالم الرؤيا ـ وسأله: هل أنّ شفاعة أهل قم بيد السيدة فاطمة المعصومة؟ فنظر إليّ متعجباً وقال: شفاعة أهل قم بيدي، وأما فاطمة المعصومة فشفاعتها لأهل العالم.
فما يردّده بعض الحمقى والمغفّلين من أن فاطمة المعصومة لا تعدو أن تكون امرأة، مثلها مثل سائر النساء، ولا شأن لها؛ إن هو إلا دليل على الجهل واللامبالاة والتطاول على المقدّسات، ويكشف عن الحرمان وسلب التوفيق والتقصير في معرفة مقامات الأولياء والصالحين والصالحات من أهل البيت ()، فإن كونها امرأة لا يقعد بها عن تسنّم أرفع الدرجات، وأنّها من فضليات البشر، ولا يدانيها في الفضل والمنزلة أكثر الرجال وهي من التاليات للمعصومين من أهل البيت () في الفضل والشأن والمنزلة عند الله تعالى وعند الأئمة ()، وحسبك ما تقدّم في الرواية الصحيحة السند عن أبي الحسن الرضا () أنّه قال: من زارها فله الجنّة.
هذا، وقد ذكر أن للزيارة آداباً وسنناً تكفّلت كتب الفقه والزيارات ببيان تفاصيلها.