اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدالله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين ..
عن الصادق ()، قال:
«لما حضرت رسول الله الوفاة دعا الأنصار، وكان مما أوصاهم به:
الله الله
في أهل بيتي مصابيح الظلم ومعادن العلم، وينابيع الحكم، ومستقر الملائكة، منهم وصيي وأميني ووارثي، وهو مني بمنزلة هارون من موسى، ألا هل بلغت معاشر الأنصار؟
ألا فاسمعوا ومن حضر: ألا أن فاطمة بابها بابي، وبيتها بيتي، فمن هتكه فقد هتك حجاب الله.»
قال عيسى الضرير:
فبكى أبو الحسن () وقال: «هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، هتك والله حجاب الله، يا أمه صلوات الله عليها».
وروى محمد بن الحسن الصفار وكذلك روى الكليني عن الإمام الباقر () أنه قال:
«بنا عبد الله، وبنا عرف الله، وبنا وعد الله، ومحمد حجاب الله».
أعزاءنا الموالين ..
وصف النبي (صلوات الله عليه وآله) في روايتي الصفار والكليني بأنه «حجاب» الله تعالى، وكذلك وصفت فاطمة الزهراء () بأنها «حجاب الله» عز وجل ، وهذا يعني أن لله عز وجل حجابا واحدا لا حجابين، فمحمد (صلوات الله عليه وآله) وفاطمة () وكذلك بقية الأئمة () لا تغاير بينهم، وهم يشكلون معا حجاب الله عز وجل.
فما المقصود من هذا الحجاب؟؟؟؟
نحن نعلم أنه ليس بين الله وخلقه حجاب ، كما نعلم من خلال الكثير من الروايات أن الله عز وجل عُبد وعٌرف بأهل البيت ()، فكيف يصح أن يصير أفضل الخلق حجابا لله؟
أليس في ذلك صفة منقصة لهم () – حاشاهم - حيث أنهم صاروا حجابا لله ومانعا عن الوصول إليه؟
أعزّاءنا..
سيتبين الجواب عن هذا السؤال من خلال عرض المعاني المحتملة لحجاب الله عزوجل.
**الحجاب واسطة في الهداية والرحمة**
وهذا هو المعنى الأول للحديث، فالحجاب يعني الذي يتوسط بين شيئين، بين المحجوب عنه وهو هنا المخلوق، وبين المحجوب وهو هنا الله عز وجل، فالنبي () واسطة في إيصال الهداية والرحمة من الله إلى عباده وخلقه.
أي أن الخلق لا يمكن لهم أن يصلوا للهداية بشكل مباشر ولا يمكن لهم أن ينالوا الرحمة الإلهية بشكل مباشر، ومن ثم لابد لهم من واسطة توصل لهم تلك الهداية، والنبي (صلوات الله عليه وأله) بما فيه من الكمالات غير الموجودة في البشر هو القادر على هداية الناس والبلوغ بهم إلى بر الأمان والسعادة، وعدم كون الناس كذلك إنما هو لجهة نقصهم وعدم وجود الأرضية التي تؤهلهم لكونهم هادين، بل غاية ما يبلغونه هو كونهم مهديين من قبل النبي (صلوات الله عليه وآله)، قال تعالى:
﴿ أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون ﴾
وفاطمة الزهراء () مثل النبي (صلوات الله عليه وآله) في هذه الجهة، فهي مسلك الهداية والرحمة، وكل من اتخذ موقفا مضادا لها فقد أغلق على نفسه باب الرحمة والهداية، فلم تكن فاطمة () لمثل ذلك الشخص حجابا بل كانت واسطة رحمة وهداية له، ولكنه صار بنفسه وبفعله عبر إيذائها وعنادها حجابا عن الرحمة والهداية.
وهذا هو المعنى الثاني للحديث ، فالحجاب من النبي (صلوات الله عليه وآله) والزهراء () والأئمة () يقع في الوسط بين الله وخلقه، فمن الجهة المتصلة بالخلق لايوجد أي كمال لأن الخلق موطن النقص إلا ما أفاض الله عليهم بواسطتهم (عليهم السلا)، ومن الجهة المرتبطة بالله عز وجل فهناك كل الكمال والجمال، وهذا الحجاب له اتصال مباشر ومن دون واسطة بكلا الجهتين، وهو بهذا اللحاظ يتلقى كل الفيض والكمال والنور من الله عز وجل، وفيه القابلية لتلقي ذلك النور، ومن ثم صار المعصومون () خزنة لعلم الله عز وجل ومستودعا لأسراره، وفي الحديث الذي رواه الكراجكي عن النبي (صلوات الله عليه وآله) أنه قال () لأبي ذر وهو يصف أمير المؤمنين ():
«ولا يستره من الله ستر، ولا يحجبه من الله حجاب، وهو الحجاب والستر».
ومن هنا يعلم أن ما ترشح منهم () إلينا من فضائلهم وكمالاتهم وعلومهم الربانية (والتي يستثقلها البعض ويرفضها الآخر ويؤمن بها من امتحن الله قلبه للإيمان) ومن خلال ما يسمح به هذا الحجاب من تمرير ما يمكن تمريره من نور إنما هو نزر يسير مما هم عليه في واقع الحال، وليست في الخلق قابلية لتحمل المزيد مما لديهم من علوم وفضائل، لأن وعاء الخلق قاصر عن تلقي ذلك النور والعلم الإلهي.
ومما يشهد لهذا المعنى ما رواه الشيخ الصدوق بسند معتبر (عند من يقول باعتبار محمد بن سنان وزياد بن المنذر كما يظهر من الشيخ موسى الزنجاني في كتابه الجامع في الرجال) في باب القضاء والقدر من التوحيد عن محمد بن موسى بن المتوكل،
قال: حدثنا علي بن الحسين السعد آبادي، قال: حدثنا أحمد بن أبي عبد الله البرقي، عن أبيه، عن محمد بن سنان، عن زياد بن المنذر، عن سعد بن طريف، عن الأصبغ بن نباتة، قال:
قال أمير المؤمنين () في القدر:
«ألا أن القدر سر من سر الله، وستر من ستر الله، وحرز من حرز الله، مرفوع في حجاب الله ...الخ».
فإن القدر الذي يمثل السر الإلهي رفعه الله ووضعه في حجابه الذي هو فاطمة وأبوها وبعلها وبنوها صلوات الله عليهم أجمعين.
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدالله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين ..
الحجاب طريق لسلوك سبيل الله
وهذا هو التفسير الثالث للحديثين أي أن الخلق حتى يصلوا إلى الله تعالى في سلوكهم فلابد لهم من أن يصلوا إليه عبر الحجاب لأنهم محجوبون عن الحق بالحجاب الذي هو النبي (صلوات الله عليه وآله) وفاطمة ()، ومن ثم لا يمكن السلوك إلى الله إلا بالتوسل بسادة الخلق محمد وآله الأطهار.
يقول المولى محمد صالح المازندراني:
" قوله ():
«ومحمد حجاب الله تبارك وتعالى» أشار إلى أن سلوك سبيل الله تعالى لا يمكن إلا بالتوسل بمحمد (صلوات الله عليه وآله) لأنه حجاب الله المرشد إلى كيفية سلوك طريقه الموصل إليه والمبين لمراحله ومنازله وما لابد منه للسائرين فيه من العلم والعمل، ثم لا يمكن التوسل بذلك إلى الحجاب إلا بالتوسل بأوليائه الطاهرين وأوصيائه المعصومين لأنهم ورثة علمه وسالكون مسلكه بتعليمه والمنزهون عن الجور والطغيان والمتصفون بالعدل والعرفان".
وبناء عليه فلابد لمن يريد أن يسلك طريق الله أن يتوسل بنبيه (صلوات الله عليه وآله)، ولا يتحقق هذا التوسل إلا من خلال التوسل بفاطمة لأنها حجاب لله أيضا، بل لا توسل إلا من خلالهما معا لأنهما موصوفان معا بوصف واحد وهو «حجاب الله».
الحجاب : الستر المصون والكرامة
وهو المعنى الرابع للحديث، فالحجاب يعني ما فرضه الله من احترام وصون للشخص، ولزوم رعاية هذا الشخص لهذا الحجاب ولزوم رعاية الآخرين له أيضا، فعندما يضع الله عز وجل حكما من قبيل وجوب الحجاب أو حرمة شرب الخمر والتجسس والهجوم على البيوت فهو من جهة أن ذلك فيه حفظ لكرامة ذلك الإنسان ، والرجل عندما يعاقر الخمرة علنا يكون قد هتك حجاب الله، وعندما يتجسس الآخرون على بيته يكونون قد هتكوا حجابه، والمرأة الناشرة الشعر تكون قد هتكت حجاب الله عز وجل، والآخرون الذين ينزعون عن المرأة المحتشمة حجابها أو يدخلون بيتها من غير إذنها يكونون قد هتكوا حجاب الله.
ومن صور هتك حجاب الله، ما رواه ابن حمزة الطوسي عن صالح بن الأشعث البزاز الكوفي أن الإمام الصادق () قال للمفضل بن عمر:
«إذا هتكت امرأة سترها وكانت عارفة بالله هتكت حجاب الله». (الثاقب في المناقب ص160 ح149 / 10).
ومن صوره أيضا ما وقع مع عائشة حيث أنها كانت مأمورة بأن تقر في بيتها، ولكنها بخروجها من ذلك البيت لقتال الإمام علي () هتكت ذلك حجاب الله عز وجل، وكذلك من صوره ما وقع مع فاطمة الزهراء () عندما لم يراع القوم حرمة بيتها، فهتكوا حجاب الله عز وجل، فهناك هتكان لحجاب الله فيما يخص بيت فاطمة وبيت عائشة، ولكن الفارق بينهما أن القوم الذين هجموا على بيت فاطمة () هتكوا حجاب الله بفعلهم، وعائشة هتكت حجاب الله بفعلها حيث خرجت من بيتها ولم تقر فيه.
ومهما يكن المعنى المقصود من «حجاب الله» فإن من المعلوم أن ذلك الحجاب الإلهي ومن جهة ارتباطه بالله عز وجل يجب مراعاته بأشد ما تكون الرعاية، وهذا ما لم يفعله القوم مع فاطمة الزهراء () فلا هم اتخذوها واسطة للهداية ولا استفادوا من مكنون علمها الذي خصها الله به ولا اتخذوها سبيلا للوصول إلى الله ولا حفظوا حرمتها وحرمة بيتها، وفعلوا معها ما استطاعوا من فعله من جرائم.
أعزاءنا الموالين
ليس الصحيح أن يقال:
ماذا فعل القوم مع الزهراء ()؟
وبم ظلموها؟
بل الصحيح أن يقال:
ما الذي لم يفعلوه معها؟!
وبم لم يظلموها؟!
لعن الله ظالميك يامولاتنا يازهراء من الأولين والآخرين ....
السلام عليك ياممتحنة