بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدالله رب العالمين والصلاة على محمد وآله الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين ..
قال تعالى...
إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالاَْرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنزَلَ اللهُ مِنْ السَّمَاءِ مِنْ مَاء فَأَحْيَى بِهِ الاَْرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّة وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالاَْرْضِ لاَيَات لِقَوْم يَعْقِلُون .
أحبتنا
إثبات وجود الصانع لا يحتاج في الحقيقة إلى دليل بعد حكم الفطرة ; إذ مقتضى الفطرة عدم الحاجة بعدها إلى الأدلّة .. ولكن لإتمام الحجة تبركا نشير إلى هذا الحديث العلوي الشريف المروي عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه :
«ولوفكّروا في عظيم القدرة وجسيم النعمة لرجعوا إلى الطريق وخافوا عذاب الحريق ، ولكنّ القلوب عليلة والأبصار مدخولة(1)، أفلا ينظرون إلى صغير ما خلق ، كيف أحكم خلقه ، وأتقن تركيبه ، وفلق له السمع والبصر وسوّى له العظم والبشر .
انظروا إلى النملة في صغر جثّتها ولطافة هيأتها لا تكاد تنال بلحظ البصر ولابمستدرك الفكر ، كيف دبّت على أرضها وضنّت على رزقها(2)، تنقل الحبّة إلى جحرها وتعدّها في مستقرّها ، تجمع في حرّها لبردها وفي ورودها لصدورها ، مكفول برزقها ، مرزوقة بوفقها ، لا يغفلها المنّان ولا يحرمها الديّان ، ولو في الصفا اليابس والحجر الجامس(1)، لو فكّرت في مجاري أكلها ، وفي علوّها وسفلها ، ومافي الجوف من شراسيف بطنها ، وما في الرأس من عينها واُذنها لقضيت من خلقها عجباًولقيت من وصفها تعباً ، فتعالى الذي أقامها على قوائمها ، وبناها على دعائمها ، لميشركه في فطرتها فاطر ، ولم يعنه على خلقها قادر ، ولو ضربت في مذاهب فكرك لِتبلغ غاياتِه ما دلّتك الدلالة إلاّ على أنّ فاطر النملة هو فاطر النحلة لدقيق تفصيل كلّ شيء ، وغامض إختلاف كلّ حيّ .
وما الجليل واللطيف والثقيل والخفيف والقوي والضعيف في خلقه إلاّ سواء ، كذلك السماء والهواء والريح والماء ، فانظر إلى الشمس والقمر والنبات والشجر والماء والحجر ، وإختلاف هذا الليل والنهار ، وتفجّر هذهالبحار وكثرة هذه الجبال ، وطول هذه القلال ، وتفرّق هذه اللغات والألسن المختلفات .
فالويل لمن أنكر المقدِّر وجحد المدبِّر .
زعموا أنّهم كالنبات ما لهم زارع ، ولا لإختلاف صورهم صانع ، لم يلجأوا إلى حجّة فيما ادّعوا ، ولاتحقيق لما وعوا ، وهل يكون بناءٌ من غير بان أو جنايةٌ من غير جان ؟!
وإنشئت قلت :
في الجرادة إذ خلق لها عينين حمراوين ، وأسرج لها حدقتين قمراوين ، وجعل لها السمع الخفيّ ، وفتح لها الفمّ السويّ ، وجعل لها الحسّ القويّ ، ونابين بهما تقرض ، ومنجلين بهما تقبض ، ترهبها الزرّاع في زرعهم ولا يستطيعون ذبّها ولو أجلبوابجمعهم ،حتّى ترد الحرث في نزواتها ، وتقضي منه شهواتها ، وخلقها كلّه لا يكون إصبعاً مستدقّة ، فتبارك الذي يسجد له من في السماوات والأرض طوعاً وكرهاً ، ويعفّر له خدّاً ووجهاً ، ويلقي بالطاعة إليه سلماً وضعفاً ، ويعطي له القياد رهبةً وخوفاً .
فالطير مسخّرة لأمره ، أحصى عدد الريش منها والنفس ، وأرسى قوائمها على الندى واليبس ، قدَّر أقواتها ، وأحصى أجناسها ، فهذا غراب ، وهذا عقاب ، هذا حمام، وهذا نعام ، دعا كلّ طائر باسمه ، وكفّل له برزقه .
وأنشأ السحاب الثقال فأهطل ديمها ، وعدّد قسمها فبلّ الأرض بعد جفوفها ، وأخرج نبتها بعد جدوبها » (1).
أيها الأحبة ..
يدرك جميع اُولي الألباب أنّه لابدّ لهذا النظام الدقيق من خالق حكيم ، ولابدّ لهذا التدبير العميق من مدبّر عليم خَلَقها وقدّرها وأدام بقاءها ، وأحسن خلقها وتدبيرها ، وهو الله تعالى شأنه وجلّت قدرته .
فوجود الخالق ممّا يدرك بالبداهة ويُحسّ بكلّ يقين.
مقتطفات من كتاب .. العقائد الحقة
السيد على الحسيني الصدر
موضوع موالية5
(1) حقّ اليقين : (ج1 ص10) .
(2) بحار الأنوار : (ج3 ص16 الباب3) .
(3) سورة البقرة : (الآية 164) .
(1) من الدَخَل ـ بفتحتين ـ بمعنى العيب أي معيوبة .
(2) أي : بخلت به .
(1) الحجر الجامس والجميس : هو اليابس أيضاً