اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
سيف القصاص
تعود الجلوس قريبا من بوابة زنزانته، مراقب للبوابة الخارجية للعنبر، كأنه جندي مرابط على جبهة القتال، في انتظار أوامر الهجوم. ملتحف ببرنصه لا يظهر منه إلا عينيه، كأنه ابن عرس واقفا على قائمتيه الخلفيتين يرقب ما حول منطقته. وسيل عرق يتصبب من جبينه بغزارة، محاولا إطفاء لهيب النار المشتعلة بداخله.
لفت جلوسه انتباه احد النزلاء الجدد، لم تعركه وحشة الجدران الباردة الصامتة بعد، فاقترب منه محاولا تسلية نفسه، إذ لم يجد من يلتفت إليه، فالكل منطوي على نفسه مشغول ببليته. فحاول جره للدخول في حديث يقتل به الوقت، ويخفف عليه وطأة العزلة عن العالم الخارجي.
بدأ متكلما عن نفسه: لقد أدخلت السجن على اثر خلاف شبابي، وتحمس كروي تطور إلى شجار وتجاذب بالأيدي والعصي - الحمد لله - لم يصل إلى حد إزهاق الأرواح، لذى سوف أكون بجوارك لبعض الوقت.
واقعا شدني إليك ابتعادك عن الآخرين، وتعلق عينيك بالباب الخارجي، كأنك على موعد مضروب مسبقا! ومظهرك الذي لا يدل على انك من أصحاب السوابق، بل على حسن تربية وخروج من عائلة كريمة.
اخرج زفرة بركانية من بين ضلوعه، فلقد لمس جليسه الجروح وحرك القروح. صدقت لقد كنت من عائلة كريمة، هذا قبل دخولي السجن.
ماذا تقصد بذلك لقد جرحت قلبي؟
بما انك نتأت القرحة، فاستمع أقص عليك بليتي.
فأدار رأسه عن الباب واعتدل في جلسته، نازعا عنه برنصه مقبلا على صاحبه. ووجه رفيقه إليه كل حواسه، كيلا تفوته كلمة تخرج من فيه.
بدأت مشكلتي يوم دخولي سن المراهقة، وعندها لم يعجبني أسلوب أبي في التربية، ولم يستطع أحتوائي وضمي إليه. فكنت افر منه وأتحاشى مقابلته والجلوس إليه، وبطبيعة الحال كنت أتوق إلى تعبئة هذا الفراغ باللجوء إلى الأصدقاء.
هكذا واصلا حديثهما خلال وجودهما مع بعضهما، لم يقطعه إلا الأكل، والاستمتاع بالشمس والرياضة، والخلود إلى الراحة من النهار أو النوم من الليل، والذي لابد منه التحقيق. وعند تقابلهما من جديد يواصلان حديثهما من حيث قطعاه.
أول أصدقائي كانوا من رواد المساجد، طيبون مسالمون بعيدون عن المشاغبة والتطفل على الآخرين. فادخل من ذلك بعض السرور على قلب والدي، لاعتقاده إنها بداية صلاحي واستقامتي. ولكن ذلك لم يكن ليقنعني ويرضي غروري، ويشبع تلك الفورة الشبابية بداخلي.
تركتهم ولجأت إلى أحد الديوانيات الشبابية، وأمضيت معهم وقت ليس بالقصير. أشاركهم في مسراتهم ولهوهم، واسهر معهم على أفلام ومسلسلات. إلى أن جاء ذلك اليوم عندما دخلوا في نقاش وصراع حاد وصل إلى تماسك بالأيدي، وتباغضوا وتدابروا وانفض الجمع وولوا الدبر. وعندما سألت عن سبب تنافر الأخوان والأصدقاء؟ فكان مجرد مسلسل تلفزيوني أجنبي مدبلج.
بحثت عن غيرهم، لهم اهتمام وتوجه مغاير ومخالف. فكان أمامي المفحطين، ومن يركبون السيارات والدراجات النارية، يقودونها بسرعة جنونية، حتى تحترق إطاراتها وتملأ الجو برائحتها العفنة وأبخرتها الخانقة، استدرارا للتشجيع وإعجاب وتصفيق الآخرين.
أعجبتني هذا الحركات البهلوانية، والتصفيق والتشجيع الحار من الجمهور والمشجعين المصطفين على طول الشارع البحري. كنت أراقب واستمتع بتلك الحركات البهلوانية، التي تقوم بها المجموعة.
احدهم طلب مني تقديم عرضا عن بعض مواهبي، واخذ يشجعني ويهون علي الأمر. ورغم عدم معرفتي بالقيادة، عمني الحياء والخجل من معرفة الآخرين ذلك، فيأخذون في الاستهزاء بي والتصغير من مقامي بينهم.
دفعته جانبا وفتحت باب السيارة، كأني فارس مغوار يمتطي فرسه. جلست على المقعد، وقبل إقفال الباب وضعت قدمي على دواسة الوقود، فأخذت تزأر كأسد أطلق من عقاله، وارتفعت مقدمتها في الهواء، تخيلتها طائرة على وشك الإقلاع.
لم استطع التحكم في المقود، فانفلت زمامها من بين يدي، وانطلقت كالقذيفة بالتجاه المتنزهين على الشاطئ. ولم تسكن حتى سقطت مطمأنة - بعد أن قذفتني في الهواء من جوفها - على عائلة جالسة هناك تتجهز لتناول طعامها.
ما مصير تلك العائلة؟
قطع حديثهما مشاهدة احد الشرطة واقف على باب الزنزانة قائلا: على الموقوفين على اثر المشاجرة الكروية، مرافقتي فقد اخلي سبيلهم.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطف، السعودية
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
أخي حسين :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اسمح لي أن أعبر عن إعجابي بخواطرك أو بقصصك القصيرة التي تكتبها
أسلوبك مميز وعباراتك سهلة وأفكارك لطيفة
وفقك الله لما فيه الخير وبانتظار المزيد
توقيع ماهرالصندوق
يا سائلي عن مذهبي وعقيدتي *** وتوجهي وعن الكرام أئمتي
أنا بالنبي محمد متعلق *** وبشطه أرسيت حمل سفينتي
وأبو تراب مفزعي وهو الوقا *** يوم الحساب إذا نشرت صحيفتي
وبفاطم أرجو الجواز على الصرا*** ط إذا ذنوبي أثرت في مشيتي
وإذا الجنان أبين أن يفتحن لي *** فأبو محمد الزكي وسيلتي
وبسيد الشهداء أرجو رفعة *** في جنة قد أزلفت للشيعة