بالمولد العلوي .. بيروت تحتضن المهرجان العالمي العاشر
( تقرير عن وقائع المهرجان - جلسة بيروت )
--------------------------------------------------------------------------------
يتفق الباحثون في الأديان على تفرد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب () في كلامه عن التوحيد بأبعاده الكونية والكلامية والفلسفية , وفهمه () للجانب العملي في التوحيد بآفاقه الإنسانية والاجتماعية والأخلاقية بالشكل الذي تكون فيه قيـم التوحيـد وإشراقاته المعنوية أقرب ما تكون الى وجدان الإنسان ونواميس فطرته, فالتوحيـد في (المنهـج العلـوي) يدعو الى وعي يستند الى أسس معرفية تجمع رسالة السماء ببنودها الإيمانية والرساليـة والعباديـة الى جانب مسؤولية الإنسان الخيرية تجاه نفسه وبقية المخلوقات والطبيعة , ومجموع قيم التوحيد (المعنويـة والعمليـة) تلك هي التي ترتفع بالفرد ليكون إنسانـاً نقيـاً , وذا "إيمان يتجدد" صعوداً الى مستوى الرضا الإلهي ومواكبة العصر , ويكون أكثر استجابة لاهتمامات الإنسان وطموحاته ليكون فرداً منتجاً للأمل والحياة .
وكما تفرد الإمام علي () في كلامه عن التوحيد أسهب () وفصل في حديثه عن العدل ومنهجه وقيمه فلقد عاش الإمام علي () زاهداً يتحسس آلام الفقراء والمحرومين، ولايخشى في الله لومة لائم في نصرته للمظلومين والمقهورين والمستضعفين , فسعى ببطولة فذة وبسالة نادرة في مقارعة المستبدين والطغاة والمتجبرين فضلاً عن أنه (عليه
السلام) أبطل فتاوى فقهاء الانتهازية وحجج التبريريين ، وانتزع الأموال الحرام من المنتفعين باسم الدين أو الدولة .
وفي بيروت ، عاصمة الثقافة والأدب ، ومدينة السلام والمحبة ، وواحة الشعر والحرية ، هدرت أصوات كرام حباً بـ "علي" ، ومن بيروت التي تستلقي على ضفاف حضارات ، وتستلهم تاريخها المزين بألوان طيف يحمل محطات إنسانية رائعة في التعايش بين أتباع أديان ومذاهب ، وبين أصحاب رؤى وأفكار ، انطلقت قصائد شعراء وكلمات علماء ومفكرين ومثقفين حباً بـ "علي" ... وفي سياق حب المحبين لـ "علي" ، وشوق الأحرار للتزود من "علي" ، وأمل المستضعفين بعدل "علي"، وصراخات المقهورين باسم "علي" ، أقام مركز (الفردوس للثقافة والإعلام) مهرجانه العالمي العاشر تيمناً بالذكرى العطرة لمولد سيد العادلين وأمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب () تحت عنوان : " الإمام علي بن أبي طالب صوت العدالة الإنسانية " ، وذلك في فندق "السفير" وبرعاية كريمة من نائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى سماحة الشيخ عبد الأمير قبلان ، وبحضور ممثل مفتي الجمهورية اللبنانية فضيلة الشيخ محمد رشيد قباني ، والشيخ خلدون عريمط ، وسفير سوريا الدکتور علي عبد الكريم علي ، وسفير العراق الدکتور عمر البرزنجي ، والقائم بالأعمال الإيراني مير مسعود حسينيان ، وممثل سفير مصر المستشار حازم حلمي ، والنائب السابق عدنان الطرابلسي ممثلاً للشيخ حسام قراقيرة ، والنائب السابق حسين يتيم، وممثل المدير العام لأمن الدولة اللواء جورج قرعة الملازم أول حمزة ترحيني ، ومدير مكتب المرجع الديني السيد علي السيستاني في لبنان حامد الخفاف ، ورئيس الجامعة الإسلامية في لبنان الدكتور حسن الشلبي ممثلاً بالدكتور احمد حطيط ، والمستشار الثقافي الإيراني محمد حسين زادة ، ورئيس " اللقاء الوحدوي الإسلامي " عمر غندور ، وحشد من علماء الدين المسلمين والمسيحيين وشخصيات سياسية وتربوية وعلمية وثقافية واجتماعية وأساتذة جامعات ، وقد استهل المهرجان بآي من الذكر الحكيم للمقرئ عباس شرف الدين ، وعرف بالاحتفال المحامي بلال الحسيني .
جورج جرداق
افتتح المهرجان العلوي المبارك الأديب الكبير جورج جرداق الذي قال في جانب من كلمته :
" في هذه المناسبة يجتمع الشيخ والكاهن وصاحب السماحة وصاحب السيادة تكريماً لذكرى الإمام الأعظم ، وفي جميع هذه الأصوات الكريمة أصداء لصوت الإمام ، وكل إنسان سوي فيه شيء من علي ، وللإمام نقول : لا لقوم ولا لدين ، أنت للناس أجمعين ".
المطران صليبا
وألقى مطران جبل لبنان للسريان الأرثوذكس المطران جورج صليبا كلمة تحدث فيها عن شخصية الإمام علي () باعتبارها " شخصية نادرة وفريدة في العالم عموماً وفي الإسلام خصوصاً ، فهو ابن عم الرسول العربي الكريم وهو الرجل الثاني بعد الرسول في الإسلام ، فالإمام علي عالم كبير سماته التقوى ومكارم الأخلاق والنباهة والشجاعة كرمه الله ووهبه الذكاء والفطنة والشجاعة ويشهد له بذلك الإسلام وعلماء من غير المسلمين ، ومنهم مار ميخائيل الكبير البطريرك السرياني (1199) وهو من أكبر مؤرخي السريان والعالم " . وقال : " كانت للإمام علي علاقات مميزة مع السريان ، ومعاصراً لاقطاب كبيرة من هذه الأمة ، أذكر منهم صديقه البطريرك أثناثيوس الجمّال
(595 - 631) ، وماروشا التكريتي (628- 649) ، والبطريرك تيودور 631- 648، وكانت تربطهم علاقات عبادة الله ومحبة الناس وخدمة المواطنين ، وتضعه التواريخ السريانية في مقام أصفياء الله لكل ما خصه به الله من معرفة وحكمة ومقدرة ".
الشيخ الزين
وبعد قصيدة من وحي المناسبة للوزير السابق الشاعر جوزف الهاشم فريدة من نوعها حيث تفاعل الحضور أکثر من موقف بالتحسين والتصفيق وطلب إعادة مقاطع من قصيدته الشعرية ، ألقى رئيس مجلس أمناء تجمع علماء المسلمين الشيخ أحمد الزين كلمة قال فيها : " من موضوع المؤتمر العدالة عند الإمام علي ، ونستطيع أن نعرف العدالة بأنها إيصال الحقوق إلى أصحابها ومنع الاعتداء على الإنسان ، وعلى حياته وماله وأسرته وكرامته ، وفي هذا المجال نرى أن الإمام علي كان القدوة في رفع راية العدالة الإنسانية ، وكم نحن في هذه الأيام بحاجة ماسة للاقتداء والسير خلفه في رفع راية العدالة . ونحن في زمن يعم فيه ظلم المجتمعات في ظل من شعارات العدالة والحرية والديموقراطية ، فالإمام علي استطاع أن يعطي العدالة المعنى الحقيقي لها بعيداً عن التزييف الذي نشاهده اليوم وقد استطاع الإمام علي أن يجنب العدالة الانحراف عن الطريق المستقيم بتأثير من الأهواء والأنانيات والعصبيات على اختلاف أشكالها وألوانها حيث ترتكب الجرائم باسم العدالة ".
أضاف : " ان الإمام علي استطاع من خلال التزامه الكامل بالعقيدة والمبدأ وبكتاب الله وهدي رسوله أن يعطي العدالة المعنى الحقيقي لها وأن يطبق ذلك في الواقع وهو يأخذ ذلك ويستفيد منه في الواقع من عدل الله في الكون لأن العدل اسم من أسماء الله (تعالى) نرى أثره في الكون وفي الشمس التي تجري لمستقر لها بتقدير العزيز العليم والقمر الذي قدره الله منازل حتى يعود كالعرجون القديم . إن العدل يعم الكون من أصغر ذرة إلى أكبر جرم في السماء ، فالإمام علي استفاد من قربه والتصاقه برسول الله حيث حدَّث الرسول بصوت مرتفع أمام الجميع " من كنتُ جلدتُ له ظهراً فهذا ظهري
فليأخذ ، ومن كنتُ أخذتُ له مالاً فهذا مالي فليأخذ منه " ، وكانت حادثة الدرع للإمام علي بعد معركة صفين حيث افتقد الإمام علي درعه فوجده مع ذلك اليهودي فلم يقدم علي أمير المؤمنين ورئيس الدولة والقائد العسكري على أخذ درعه من اليهودي بالقوة وبما له من جاه وسلطان وإنما لجأ للقاضي شريح ووقف إلى جانب اليهودي أمام القضاء ليعطي للعالم والإنسانية المعنى الكبير للعدالة بين الناس ".
وتابع : " إننا اليوم في لبنان بحاجة ماسة إلى درس العدالة من أستاذ مادتها الإمام علي كي نستطيع أن نطبقها في بلدنا ونحملها إلى سائر الناس والمسلمين فيكون هذا الموقف حاضراً لنا في لبنان لنكون بحق وصدق مع عقيدتنا والتزامنا لمواجهة أي عدوان على وطننا ".
د. أحمد حطيط
ثم ألقى عميد كلية الآداب والعلوم الإنسانية في الجامعة الإسلامية الدكتور أحمد حطيط كلمة استهلها بتعريف العولمة ، مصطلحاً ومضموناً ، معترفاً بـ " صعوبة صوغ تعريف دقيق لها ، لأن فلسفتها تجسد حصيلة كل ما حفل به تاريخ البشرية الحديث لتأسيس (تاريخ عولمي) جديد للإنسان ، تتداخل فيه مؤثرات ، كمية وكيفية ، في مجالات السياسة ، والاقتصاد ، والاجتماع ، والثقافة ، والاتصال ، من خلال رؤية إستراتيجية للأقوى ، والتبادل والتحديث ، لإعادة تشكيل العالم وفق مصالحه قبل كل شيء ".
وقال : " أما العدالة ، فإنها مفهوم جاذب ، شغل مكانة مرموقة في الرسالات السماوية ، وفي الفكر الوضعي ، وإن إقامة العدل في دنيا الناس أمر خوله الله للإنسان الذي استخلفه على الأرض واستعمره فيها ، ليقوم بها ويقيمها في أقواله وأفعاله ومعاملاته ، في إطار منظومة العالمية ". وأشار د. حطيط إلى أن " الإمام علي قد التزم بموجبات الرسالة السماوية وبنهج الرسول محمد في إقامة الحق بين الناس بالعدل ، مسكوناً بفكرة وحدة البشرية وأخوة الإنسان للإنسان " ، متسائلاً عن " مكانة العدالة الاجتماعية في نظام العولمة ، القائم على تسويغ منطق الغالب والمغلوب ". وختم العميد حطيط بالسؤال عن " إمكان الحد من جموح العولمة وترشيدها بعدالة الإمام علي في إدارة شؤون الناس " ، معتبراً أن " في ضوء الإجابة على هذا السؤال يتحدد مصير الإنسان في عصر العولمة ".
د. إبراهيم بيضون
وتحدث الدكتور إبراهيم بيضون عن الخلافة حينما لم تكن سوى نمط من الملك أخذ يتشكل في سخط الفتنة والإمام وسط الزعازع وبعد أن اخفقت الدولة على الأرض " انصرف الإمام علي حينئذ إلى صياغة نظرية لها انبثقت من نبض الإسلام ، وتجسدت منظومة قيم وفكر رسالي ومصطلحات فريدة في النهج ، وهي لم ترتق إلى هذا المستوى من الإبداع من دون العلم الذي تلقاه من الينابيع ، وكان امتيازه الذي حلق فيه ومنه اكتسب الشرعية والمرجعية . ومن هذا المنظور والعلم سلاحه ، لم يخف من التصدي للدور خصوصاً في التأكيد على وحدة المجتمع وتجذير المفاهيم العقائدية فيه ، فالعلم رديف للعدالة في نهج البلاغة وكان لا يزال كلاهما على الوتيرة عينها في خطبه وكتبه ومنافساته ،
فلا سلطة عادلة من دون علم مطبوع، فمن علم غور العلم أحد شرائع الحكم على حد تعبير الإمام ، العلم والعدل إشكالية محورية في خطاب الإمام مكتسباً فرادته ونكهته الخاصة في الفكر السياسي قديمه وحديثه ، ومنه انبثق مشروع دولته التي نظر لها في النهج ، والصفحة لم تنطو وكذلك القضية لم تخمد عبر القرون فما برحت تضطرب بها النخب جيلاً بعد جيل، تلك المستضيئة بنور
العلم وقد توهج يقينا في العقول الرائية إلى التغيير " .
وختم :" والإمام لم يخالجه شك في إن الأمة قادرة على استيلاد القادة النورانيين ، أولئك الأقلون عدداً ولكنهم الأعظم قدراً الذين يستشرفون من اللحظة المياومة انقلابية التاريخ ".
المرجع الصافي
وبعث المرجع الديني الشيخ لطف الله الصافي برقية إلى المؤتمر جاء فيها : " الإمام علي شخصية نادرة وفذة في تاريخ الإنسانية فهو ليس فقط صوت العدالة الإنسانية فهو أيضاً صوت المعرفة الإنسانية فهو باب مدينة العلم وهو صوت الحق فعلي مع القرآن والقرآن مع علي وهو مع الحق يدور معه حيثما دار وصوت الزهد الإنساني ".
السيد طبطبائي
وألقى المشرف على مركز " الفردوس للثقافة والاعلام " السيد فاضل طبطبائي كلمة رحب فيها بالحضور شاكراً مشاركتهم ، مؤكداً " توجه المركز لإقامة المهرجان كل عام حرصاً منه على إحياء التراث ومنهج الحياة عند الإمام علي ومنظومة القيم التي أوصانا بها في مسيرته الإنسانية ". وقال : " وما اختيارنا لبيروت هذا العام إلا تأكيد على مكانتها ودورها الثقافي والإعلامي كعاصمة للكتاب وللثقافة العربية . نشكر راعي الاحتفال سماحة الإمام قبلان والإخوة في المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى على تعاونهم ، ومن هنا يسعدنا أن نزف إليكم البشرى ، فبعد إقامة أكثر من أربعين مهرجاناً للإمام علي ، فإننا بصدد إنشاء محطة فضائية تحمل إسم الإمام علي بن أبي طالب باذن الله تعالی ".
كلمة الشيخ قبلان
وفي الختام ، القى كلمة راعي المهرجان عضو الهيئة الشرعية في المجلس القاضي الشيخ علي الخطيب فقال : " إن الانسانية أشد ما تكون اليوم حاجة لاستلهام المبادىء في رحلتها المعذبة الدائمة والباحثة أبداً عن شاطىء للأمان ورغم الكثير من التقدم الذي أحرزته في شتى الميادين ولكنها دفعت وما زالت الكثير من الأثمان ، وتحملت المزيد من الآلام في مسيرتها الطويلة
والشاقة ، وخصوصاً في مجال حقوق الإنسان وتحقيق العدالة الاجتماعية والسياسية ، ومع ذلك فقد كان للدين وعلمائه ومفكريه باع طويل في هذه الإشراقات بل إليها يعود فضل الدفع بهذا الاتجاه وبالرغم من ذلك فما زال الشوط بعيداً والتحديات كبيرة ، فقد استطاعت القوى الظلامية الغاشمة وضع اليد على كل هذه الإنجازات لتستغلها وتستخدمها كأدة سياسية وقمعية لإعادة السيطرة والهيمنة على ثروات الدول النامية والمستضعفة ومنعها من أخذ مصيرها بيدها واستخدام مواردها في سبيل حل مشاكلها تحقيقا للعدالة الانسانية " .