اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
قفة الذهب
أكثر من مرة وهي تعتزم زيارة احد قريباتها، وعندما يقترب الموعد المضروب بينهما يحدث ما ليس في الحسبان، فتعدل عن رأيها وتلغي رحلتها.
الأسبوع الماضي قررت تخطي كل تلك الحواجز، وتذلل جميع الصعوبات، وتمضي قدما تحت كل الظروف. فحزمت أمرها وذهبت، فأمضت وقتا ممتعا، وأدت واجب القرابة.
جلوسها لم يطل، حتى راودها شعور غريب أشبه بالرؤية منه بهواجس شيطانية. مرة يطغى على تفكيرها فيغير نفسيتها، فتظهر آثاره واضحة جلية على محياها، كدخول قطار ركاب في نفق مظلم كئيب، فيغيب عن الأنظار ويختفي عن الكون. فتغيب ضحكتها المجلجلة، التي تطلقها مع اقل فكاهة، وتمتد بوسع شفتيها، فيغزو صفحة وجهها سواد الهم والكآبة. ومرة سهام والهواجس تهاجم قلبها، مهاجمة الجراد للحقول والمحاصيل الزراعية فتبيدها عن بكرة أبيها، مما يجعله يعتصر توجعا وتألما، فيداخلها الرعب والفزع.
اضطرت للاستئذان من مضيفتها، واخذ ابنتها بيدها خارجة مسرعة، كأنما تلبسها شيطان رجيم قائلة لها: يتوجب علينا العودة إلى بيتنا الآن وبسرعة.
أرادت ابنتها ثنيها عن عزمها، وهي تقول: ماذا نقول لصاحبة البيت التي وعدناها عدة مرات ولم نفي بوعدنا، وعندما نصل بيتها نخرج في عجلة من أمرنا، كأنها قد فعلت ما يسئ لنا! فردت والدتها بحزم: أما أن نذهب سويا وإلا ذهبت وحدي.
لم تشاء أن تدعها تذهب وحدها، ولم تود العودة وحيده في ذلك الليل البهيم. فاعتذرتا للمضيفة التي قابلت خروجهما باستغراب واستهجان، ولم تستطع ألإبقاء عليهما وتغيير رأيهما. خرجت مهرولة وابنتها خلفها في غاية الحرج، من أن يلفتا ذلك انتباه الناس إليهما.
وصلتا بيتهما في الزاوية النائية من الحي، حيث تغشاه غمامة سوداء من ظلمة الليل. فرأتا الباب الخارجي على مصراعيه، فتسائلت الأم: الم نقفل الباب عند خروجنا؟
عندها تحرك خوف ابنتها وانتابها شعور غريب، جعلها تجري باتجاه حجرتها لتكتشف بابها مفتوحا أيضا. فأخذت تبحث عن حاسوبها فلم تجده، وفتشت عن هاتفها الجوال فلم تعثر عليه، وحاجياتها الخاصة قد بعثرت وشتت. وهكذا فعل باقي الحجر وباقي الحاجيات الأخرى. ذهب قلب والدتها إلى قفة ذهبها الصغيرة، التي قذفت بها في زاوية احد الرفوف داخل خزانة ملابسها.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية