اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن عدوههم
التربية الدينيّة والقرآنيّة:
إن الله تبارك وتعالى خلق عباده وأودع فيهم مواهب وقدرات، وخلق لهم السماء والأرض والبحار، وسخّر لهم ما فيها جميعاً، وأغدق على الإنسان نعمه المستفيضة؛ ممّا يوجب طاعته والشكر له وعبادته، وهو سبحانه القائل:
(( ألم ترأنّ الله يسبّح له ما في السموات والأرض والطير صافّات كلّ قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون )) .
(( و ما خلقت الجنّ والإنس إلاّ ليعبدون )) .
(( ألم تر أنّ الله يسجد له من في السموات ومن في الأرض والشمس والقمر والجبال والشجر والدوابّ وكثير من الناس وكثير حقّ عليه العذاب ومن يُهن الله فماله من مكرم إن الله يفعل ما يشاء )) .
(( تسبّح له السموات السبع والأرض ومن فيهنّ وإن من شيء إلاّ يسبّح بحمده ولكنْ لا تفقهون تسبيحهم )) .
كما وإن العبادة تتّخذ أشكالاً منوّعة، يؤدّيها المخلوق كلّ حسب خلقته وقدرته وإدراكه، كما يفهم من الآية المتقدّمة: (( كلّ قد علم صلاته وتسبيحه )).
وخير للمرء أن يتّجه إلى ربّه في كل الأمور، يسيرها وعسيرها، فيعوّد نفسه منذ صغر سنّه على الصلاة وإقامتها في أوقاتها، في السرّ والعلانية؛ ليحصل على ثواب أكثر باكتساب فضيلتها، وقد حبّب الله عزّ وجلّ للمصلّين أن يقيموها في أوقاتها الشرعيّة المخصّصة لها، وبيّن لهم فضل ذلك وأجره، إذ قال عزّ من قائل:
(( وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إنّ الحسنات يذهبن السيّئات ذلك ذكرى للذاكرين )) .
(( رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة يخافون يوماً تتقلّب فيه القلوب والأبصار* ليجزيهم الله أحسن ما عملوا ويزيدهم من فضله والله يرزق من يشاء بغير حساب )) .
(( يا أيّها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون* فإذا قُضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيراً لعلّكم تفلحون )) .
فإذا أمر الله جلّ وعلا بترك البيع والتكسّب والتوجّه إلى الصلاة؛ فيكون من باب أولى أداؤها في أوقاتها فيما عدا ذلك.
كما أن الله عز ّوجلّ قد ذمّ الذين يتكاسلون عن أداء صلاتهم، ويؤخّرون أداءها، وبيّن أنه سبحانه ساخط عليهم، وأنّه سوف يلحقهم عذابه:
(( إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى ولا يذكرون الله إلاّ قليلاً )) .
(( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتّبعوا الشهوات فسوف يلقون غيّاً )) .
وقد بيّن الله سبحانه وتعالى أنّه إنما أنزل الأديان السماوية المقدّسة، وأرسل الأنبياء والرسل ؛ ليهدوا الناس إلى طريق الحقّ والخير، وينجوهم من الباطل والشرّ، وذلك لأنّه جلّ وعلا عطوف على خلقه رؤوف بعباده:
(( هو الذي ينزّل على عبده آيات بيّنات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإنّ الله بكم لرؤوف رحيم )) .
معروف وثابت أنّ الله عزّ وجلّ يحبّ عباده وقد حثّهم على العبادة والصلاة وتلاوة القرآن الكريم والدعاء والتوسّل والتضّرع إليه؛ لينالوا رضاه ويكسبوا خير الدنيا وسعادة الآخرة، وهو جلّت قدرته يعلّمهم مسالك الخير والسعادة، ليتحصّنوا بها عن الشرّ والأذى وارتكاب الذنوب والمعاصي، فيقول:
(( أتلُ ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصلاة إنّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون )) .
وإنّ من شدّة حبّ الله تبارك وتعالى لخلقه وعباده حتى أنّه سخّر الملائكة ليسبّحوه، ثمّ ليستغفروا لعباده. فنلاحظ كيف قرن الله جلّ وعلا استغفار الملائكة لعباده بتسبيحهم ( الملائكة ) له سبحانه.
(( … والملائكة يسبحّون بحمد ربّهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور الرحيم )) .
إنّ الله عزّ وجلّ أظهر لعباده مبلغ حبّه لهم، وأنّ أديانه المقدّسة، وأنبياءه ورسله جاءوا لتذكيرهم بآياته جلّ وعلا، ولتزكيتهم ممّا اقترفوه من جرائم وآثام وأخطاء وذنوب، ولتعليمهم الكتاب والحكمة، ولأن يذكروه ويشكروا له نعمه المستفيضة عليهم، ولكي يلجأوا إلى الصبر والدعاء والصلاة حين البأس والشدّة والعسرة، أو عند طلب حاجاتهم منه لقضائها، فيقول العزيز اللطيف في محكم قرآنه الشريف:
(( كما أرسلنا فيكم رسولاً منكم يتلو عليكم آياتنا ويزكيّكم ويعلّمكم الكتاب والحكمة ويعلّمكم ما لم تكونوا تعلمون * فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون * يا أيّها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إنّ الله مع الصابرين )) .
ثمّ إنّ الله جلّت وعظمت قدرته يأمرعباده بالصبر والدعاء واللهج بذكره، لما في ذلك ـ إضافة إلى الأجر والثواب وقضاء الحاجات ـ اطمئنان للنفوس، وراحة للبال، وتهدئة للخواطر؛ لاحظ قوله تبارك وتعالى:
(( إنّ الذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر الله ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب )) .
روي عن الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم أنه قال:
<< من قبّل ولده كتب الله عزّ وجلّ له حسنة، ومن فرّحه فرّحه الله يوم القيامة، ومن علّمه القرآن دعي بالأبوين فيُكسيان حُلّتين، يضيء من نورهما وجوه أهل الجنّة >>.
وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم أيضاً:
<< علّموا صبيانكم الصلاة، وخذوهم بها إذا بلغوا الحلم >>.
كما ورد عن الإمام أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق صلوات الله وسلامه عليهما:
<< … ويتعلّم الكتاب سبع سنين، ويتعلّم الحلال والحرام سبع سنين >>.
لاحظ الإمام أبي الحسن علي بن الحسين السجّاد صلوات الله وسلامه عليهما، عند تدريبه الصبيان والشباب على الصلاة، كيف يعوّدهم على إقامتها في وقتها، لكسب فضيلتها وأجرها، إضافة إلى أجر الصلاة ذاتها:
أنّه كان يأمر مَنْ عنده من الصبيان بأن يصلّوا الظهر والعصر في وقت واحد، والمغرب والعشاء في وقت واحد، فقيل له في ذلك، فقال :
<< هو أخفّ عليهم، وأجدر أن يسارعوا إليها ولا يضيّعوها، ولا يناموا عنها، ولا يشتغلوا >>.
وكان لا يأخذهم بغير الصلاة المكتوبة [ المفروضة غير المستحبّة ]، ويقول:
<< إذا طاقوا الصلاة فلا تؤخّروها عن المكتوبة >>.
أمّا في مسألة تلاوة القرآن الكريم وحفظه، فقد نوّر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم مسلكها بقوله:
<< من قرأ القرآن وهو شابّ مؤمن اختلط القرآن بلحمه ودمه، وجعله الله عزّ وجلّ مع السفرة الكرام البررة >>.
وقال الإمام جعفر الصادق صلوات الله وسلامه عليه:
<< ينبغي للمؤمن أن لا يموت حتّى يتعلّم القرآن، أو يكون في تعليمه >>.
ويلزم أن نعلم بأن الوالدين لو ربّيا ولدهما على التوجّه إلى الله عز ّوجلّ، وأداء الصلاة في أوقاتها، والمواظبة على تلاوة القرآن الكريم؛ فإنّ لهما عند الله جلّ وعلا لأجراً عظيماً وثواباً كريماً. لاحظ الرسول الأكرم صلّى الله عليه وآله وسلّم كيف يحثّ الأبوين على تعليم الأبناء المواظبة على تلاوة القرآن الكريم فيما تقدّم:
<< … ومن علّمه القرآن دعي بالأبوين فيُكسيان حلّتين، يضيء من نورها وجوه أهل الجنّة >>.
أمّا أمير المؤمنين الإمام أبو الحسن عليّ بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه؛ فيقول:
<< أمّا حقّ ولدك: فتعلم أنّه منك، مضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه، فإنك مسؤول عمّا ولّيته من حسن الأدب، والدلالة على ربّه، والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسك، فمُثاب على ذلك ومعاقب، فاعمل في أمره عمل المتزيّن بحسن أثره عليه في عاجل الدنيا، المعذر إلى ربّه فيما بينك وبينه بحسن القيام عليه، والأخذ له منه، ولا قوّة إلاّ بالله .