ما هو الإرتباط بين حرمة الميتة ولحم الخنزير وإكمال الدين وإتمام النعمة.
بتاريخ : 18-Sep-2010 الساعة : 10:25 AM
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطاهرين من الآن إلى قيام يوم الدين.
أما بعد، يقول الله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ).
هنا سؤال مهم حول هذه الآية الكريمة وهو:
ما هو الارتباط بين حرمة «الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ...» و «يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا»؟!!.
أولاً: نقول بأن هناك ارتباط بين صدر الآية وذيلها، بتعبير آخر أن الآية الشريفة إذ تقول: «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ..» فهي في الحقيقة تتكلم عن قضية إكمال الدين واتمام النعمة ودليلنا على ذلك قوله تعالى: « ذَلِكُمْ فِسْقٌ» بحرمة الميتة والدم وما شابه ذلك وقضية اكمال الدين واتمام النعمة فبيانه:
أن سر ذلك موجود في كلمة «فِسْقٌ».
ونحن نعلم بأن «القرآن يفسر بعضه بعضاً» لذا نلجأ إلى القرآن الكريم لنرى ما يقول في تفسير كلمة «فِسْقٌ».
كلمة «فِسْقٌ» وردت في القرآن ثلاث مرات:
الأولى: في الآية التي نحن بصد البحث حولها يعني آية 3 من سورة المائدة.
الثانية: آية: «وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ» ( الانعام : 121).
والآية الثالثة: هي قوله تعالى: «قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» (الانعام:145).
ومن خلال هذه الآيات نعلم:
أولاً: أن المراد والمقصود من «الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ...» ليس خصوص مأكول اللحم فقط، بل لها معنى آخر أيضاً، ويدل على ذلك:
ألف: أنه ليس هناك علاقة وارتباط بين حرمة أكل الميتة ولحم الخنزير واكمال الدين وإتمام النعمة و.. إن كان المراد من القول «حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ..» مأكول اللحم، رغم أنه الآية 3 من سورة المائدة مدنية، وقد نزلت قبل سورة الأنعام التي حرمت الموارد، وكما نعلم فإن سورة الأنعام مكية، وعليه لا معنى لوجود قوله تعالى:«الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» إلا إن كان لـ «الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ...» معنى آخر.
ب: يقول تعالى في الآية 121 من سورة الأنعام: «وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ».
فإذا قلنا: بأن المراد والمقصود «مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ» خصوص مأكول اللحم تفقد الآية الكريمة، هذا الارتباط بين صدرها ووسطها وذيلها، لأن صدر الآية يتكلم عن الأكل واللحوم، ووسط الآية يتحدث عن وحي الشياطين إلى أوليائهم، وذيل الآية يقول: «بأن أتباع الشياطين يجر إلى الشرك بالله سبحانه وتعالى».
ج: وأما الآية 145 من سورة الأنعام:«قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ» ففيها حصر، يطرح سؤالاً مهماً وهو: هل المأكولات المحرمة محصورة في هذه الموارد المذكورة فقط؟!.
والجواب قطعاً ويقيناً ليس الأمر كذلك، لأن لهذه الموارد الأربعة معان آخرى أيضاً سيأتي بيانها..
ثانياً: وإذا دققنا اللفظ في تلك الآيات الثلاث يتبين لنا الترادف المعنوي بين كلمتي «الفسق» و «الرجس»، ففي الآية 3 من سورة المائدة يبين أن «لحم الخنزير»، «فسق»، وفي الآية 145 من سورة الأنعام قال: «أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ».
وإذا قارنا بين الآيتين نستفيد أن لكلمتي «الفسق» و «الرجس» معنى واحد فإذا عرفنا معنى كلمة «الرجس» يتبين لنا معنى كلمة «الفسق».
وأما كلمة «الرجس» في القرآن الكريم؟!!.
فقد وردت كلمة «الرجس» في عشر آيات، ومن خلال هذه الآيات نستفيد بأن:
ألف: إن أي آية وردت فيها كلمة «الرجس» تتحدث عن أمور عقائدية وترتبط بالهداية والضلال ويدل على ذلك قوله تعالى في الآية 30 من سورة الحج: «..فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ..».
إذن فـ «الرجس» الذي تأتي من الأوثان هو خاص بالضلال في العقيدة، والذي تكون نتيجته الشرك بالله سبحانه وتعالى، وهذا «الرجس» الذي يجر الإنسان إلى الشرك بالله تبارك وتعالى أكثر نجاسة من أكل «لحم الخنزير» وما شابه ذلك.
ب: فكلمة «الرجس» تطلق على الأشخاص أيضاً، فإن الله تعالى وصف في الآية 95 من سورة التوبة المنافقين بقوله:
«إنهم رجس» فإن المنافقين ليس لهم عقيدة سليمة وليسوا في طريق الحق والهدى.
فقوله تعالى في الآية الكريمة: «إنهم رجس» مثل قولنا «زيد عدل»، ومعناه: هم محّضوا أنفسهم في «الرجس».
فإذاً تسمية بعض الناس والأشخاص بـ «الرجس» وارد في اللغة كما هو وارد في القرآن المجيد:
أما، من الذين نستطيع أن نسميهم ونخاطبهم بـ «الرجس»؟! نقول في جوابه:
ج: إن مخالفي أهل البيت «» هم «الرجس» والدليل على المدعى الآية 33 من سورة الأحزاب التي تقول: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا».
فإن أهل البيت «» هم المطهرون من «الرجس» وشيعتهم طهروا أنفسهم باتباعهم، أما المعاندين والمخالفين والمنكرين لحقهم، فهم «الرجس» لمخالفتهم للمطهر.
وإذا قلنا: بأن معنى «الرجس» هو مخالفي أهل البيت «» فمعنى «الفسق» أيضاً يكون كذلك، ويدل على ذلك الحديث التالي: روى الشيخ أبو جعفر الطوسي «رحمه الله» باسناده إلى الفضل بن شاذان، عن داود بن كثير، قال: قلت لأبي عبد الله «»: «أنتم الصلاة في كتاب الله عز وجل وأنتم الزكاة وأنتم الحج ؟ فقال : يا داود نحن الصلاة في كتاب الله عز وجل ، ونحن الزكاة ونحن الصيام ونحن الحج ونحن الشهر الحرام ونحن البلد الحرام ونحن كعبة الله ونحن قبلة الله ونحن وجه الله قال الله تعالى : ( فأينما تولوا فثم وجه الله) ونحن الآيات ونحن البينات، وعدونا في كتاب الله عز وجل: الفحشاء والمنكر والبغي والخمر والميسر والأنصاب والأزلام والأصنام والأوثان والجبت والطاغوت والميتة والدم ولحم الخنزير..»( ).
ففي هذه الرواية الشريفة عن الإمام الصادق «»، يتبين أن المراد من «الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ..» في كتاب الله عز وجل هم أعداء أهل البيت «» وهم «الفسق» وهم «الرجس».
إذاً فإن الآية 3 من سورة المائدة في صدرها تتكلم عن حرمة تبعية مخالفي أهل البيت «» وفي وسطها تعلن: أن أعداء أهل البيت «» وكل من كن العداء لخليفة رسول الله «».
وبناءاً على ذلك فإن ارتباطاً وثيقاً ومتيناً بين صدر الآية 3 من سورة المائدة ووسطها وذيلها.
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
والسلام..
د. محمود مرداني الطهراني.
آخر تعديل بواسطة السيد المستبصر ، 25-Sep-2010 الساعة 09:22 AM.