حيرتهم في تفسير الحديث
لقد حار علماء مدرسة الخلفاء في بيان المقصود من الاثني عشر في الروايات المذكورة وتضاربت أقوالهم.
فقد قال ابن العربي في شرح سنن الترمذي: فعددنا بعد رسول الله () اثني عشر أميرا فوجدنا: أبا بكر، عمر، عثمان، عليا، الحسن، معاوية، يزيد، معاوية بن يزيد، مروان، عبد الملك بن مروان، الوليد، سليمان، عمر بن عبد العزيز، يزيد بن عبد الملك، مروان بن محمد بن مروان، السفاح... ثم عد بعده سبعا وعشرين خليفة من العباسيين إلى عصره، ثم قال: وإذا عددنا منهم اثني عشر انتهى العدد بالصورة إلى سليمان، وإذا عددناهم بالمعنى كان معنا منهم خمسة، الخلفاء الأربعة وعمر بن عبد العزيز، ولم أعلم للحديث معنى(24).
وقال القاضي عياش في جواب القول: أنه ولي أكثر من هذا العدد: هذا اعتراض باطل، لأنه () لم يقل: لا يلي إلا اثنا عشر، وقد ولي هذا العدد، ولا يمنع ذلك من الزيادة عليهم(25). ونقل السيوطي في الجواب: أن المراد: وجود اثني عشر خليفة في جميع مدة الإسلام إلى القيامة يعملون بالحق وإن لم يتوالوا(26).
وفي فتح الباري: وقد مضى منهم الخلفاء الأربعة ولا بد من تمام العدة قبل قيام الساعة(27).
وقال ابن الجوزي وعلى هذا فالمراد من (ثم يكون الهرج): الفتن المؤذنة بقيام الساعة من خروج الدجال وما بعده(28).
قال السيوطي: وقد وجد من الاثني عشر الخلفاء الأربعة والحسن ومعاوية وابن الزبير وعمر بن عبد العزيز، هؤلاء ثمانية، ويحتمل أن يضم إليهم المهدي العباسي لأنه في العباسيين كعمر بن عبد العزيز في الأمويين، والطاهر العباسي أيضا لما أوتيه من العدل ويبقى الاثنان المنتظران أحدهما المهدي لأنه من أهل البيت(29).
وقيل: المراد: أن يكون الاثنا عشر في مدة عزة الخلافة وقوة الإسلام واستقامة أموره، ممن يعز الإسلام في زمنه، ويجتمع المسلمون عليه(30).
وقال البيهقي: وقد وجد هذا العدد بالصفة المذكورة إلى وقت الوليد ابن يزيد بن عبد الملك، ثم وقع الهرج والفتنة العظيمة، ثم ظهر ملك العباسية، وإنما يزيدون على العدد المذكور في الخبر إذا تركت الصفة المذكورة فيه، أو عد منهم من كان بعد الهرج المذكور(31).
وقالوا: والذين اجتمعوا عليه: الخلفاء الثلاثة ثم علي إلى أن وقع أمر الحكمين في صفين فتسمى معاوية يومئذ بالخلافة، ثم اجتمعوا على معاوية عند صلح الحسن، ثم اجتمعوا على ولده يزيد ولم ينتظم للحسين أمر بل قتل قبل ذلك، ثم لما مات يزيد اختلفوا إلأى أن اجتمعوا على عبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ثم اجتمعوا على أولاده الأربعة: الوليد، ثم سليمان، ثم يزيد، ثم هشام، وتخلل بين سليمان ويزيد، عمر ابن عبد العزيز، والثاني عشر هو الوليد بن يزيد بن عبد الملك، اجتمع الناس عليه بعد هشام تولى أربع سنين(32).
بناء على هذا فإن خلافة هؤلاء الاثني عشر كانت صحيحة، لإجماع المسلمين عليهم، وكان الرسول قد بشر المسلمين بخلافتهم له في حمل الإسلام إلى الناس.
قال ابن حجر عن هذا الوجه: إنه أرجح الوجوه.
وقال ابن كثير: إن الذي سلكه البيهقي ووافقه عليه جماعة: من أن المراد هم الخلفاء المتتابعون إلى زمن الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق الذي قدمنا الحديث فيه بالذم والوعيد، فإنه مسلك فيه نظر، وبيان ذلك: أن الخلفاء إلى زمن الوليد بن يزيد هذا أكثر من اثني عشر على كل تقدير، وبرهانه أن الخلفاء الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي خلافتهم محققة...ثم بعدهم الحسن بن علي كما وقع، لأن عليا أوصى إليه وبايعه أهل العراق... حتى اصطلح هو ومعاوية... ثم ابنه يزيد بن معاوية، ثم ابنه معاوية بن يزيد، ثم مروان بن الحكم، ثم ابنه عبد الملك بن مروان، ثم ابنه الوليد بن عبد الملك، ثم سليمان بن عبد الملك، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد بن عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك، فهؤلاء خمسة عشر، ثم الوليد بن يزيد بن عبد الملك، فإن اعتبرنا ولاية ابن الزبير قبل عبد الملك صاروا ستة عشر، وعلى كلتقدير فهم اثنا عشر قبل عمر بن عبد العزيز، وعلى هذا التقدير يدخل في الاثني عشر يزيد بن معاوية ويخرج عمر بن عبد العزيز، الذي أطبق الأئمة على شكره وعلى مدحه وعدوه من الخلفاء الراشدين، وأجمع الناس قاطبة على عدله، وأن أيامه كانت من أعدل الأيام حتى الرافضة يعترفون بذلك. فإن قال: أنا لا أعتبر إلا من اجتمعت الأمة عليه لزمه على هذا القول أن لا يعد علي بن أبي طالب ولا ابنه، لأن الناس لم يجتمعوا عليهما، وذلك أن أهل الشام بكمالهم لم يبايعوهما.
وذكر: أن بعضهم عد معاوية وابنه يزيد وابن ابنه معاوية بن يزيد، ولم يقيد بأيام مروان ولا ابن الزبير، لأن الأمة لم تجتمع على واحد منهما، فعلى هذا نقول في مسلكه هذا عادا للخلفاء الثلاثة، ثم معاوية، ثم يزيد، ثم عبد الملك، ثم الوليد ابن سليمان، ثم عمر بن عبد العزيز، ثم يزيد، ثم هشام، فهؤلاء عشرة، ثم من بعدهم الوليد بن يزيد بن عبد الملك الفاسق، ويلزمه منه إخراج علي وابنه الحسن، وهو خلاف ما نص عليه أئمة السنة بل الشيعة(33).
ونقل ابن الجوزي في (كشف المشكل) وجهين في الجواب:
أولا: أنه () أشار في حديثه إلى ما يكون بعده وبعد أصحابه، وإن حكم أصحابه مرتبط بحكمه، فأخبر عن الولايات الواقعة بعدهم، فكأنه أشار بذلك إلى عدد الخلفاء من بني أمية، وكأن قوله: (لا يزال الدين) أي الولاية إلى أن يلي اثنا عشر خليفة، ثم ينتقل إلى صفة أخرى أشد من الأولى، وأول بني أمية يزيد بن معاوية وآخرهم مروان الحمار، وعدتهم ثلاثة عشر. ولا يعد عثمان ومعاوية ولا ابن الزبير لكونهم صحابة، فإذا أسقطنا منهم مروان بن الحكم للاختلاف في صحبته، أو لأنه كان متغلبا بعد أن اجتمع الناس على عبد الله بن الزبير، صحت العدة، وعند خروج الخلافة من بني أمية وقعت الفتن العظيمة والملاحم الكثيرة حتى استقرت دولة بني العباس فتغيرت الأحوال عما كانت عليه تغييرا بينا(34). وقد رد ابن حجر في فتح الباري على هذا الاستدلال.
ونقل ابن الجوزي الوجه الثاني عن الجزء الذي جمعه أبو الحسين بن المنادي في المهدي، وأنه قال: يحتمل أن يكون هذا بعد المهدي الذي يخرج في آخر الزمان، فقد وجدت في كتاب دانيال: إذا مات المهدي، ملك بعده خمسة رجال من ولد السبط الأكبر، ثم خمسة من ولد السبط الأصغر، ثم يوصي آخرهم بالخلافة لرجل من ولد السبط الأكبر، ثم يملك بعده ولده، فيتم بذلك اثنا عشر ملكا كل واحد منهم إمام مهدي. قال: وفي رواية: ... ثم يلي الأمر بعده اثنا عشر رجلا: ستة من ولد الحسن، وخمسة من ولد الحسين، وآخر من غيرهم، ثم يموت فيفسد الزمان.
علق ابن حجر على الحديث الأخير في صواعقه وقال: إن هذه الرواية واهية جدا فلا يعول عليها(35).
وقال قوم: يغلب على الظن أنه عليه الصلاة والسلام أخبر- في هذا الحديث- بأعاجيب تكون بعده من الفتن حتى يفترق الناس في وقت واحد على اثني عشر أميرا، ولو أراد غير هذا لقال: يكون اثنا عشر أميرا يفعلون كذا، فلما أعراهم عن الخبر عرفنا أنه أراد أنهم يكونون في زمن واحد...(36).
قالوا: وقع وقع في المائة الخامسة، فإنه كان في الأندلس وحدها ستة أنفس كلهم يتسمى بالخلافة ومعهم صاحب مصر والعباسية ببغداد إلى من كان يدعي الخلافة في أقطار الأرض من العلوية والخوارج(37).
قال ابن حجر: وهو كلام من لم يقف على شيء من طرق الحديث غير الرواية التي وقعت في البخاري هكذا مختصرة...(38). وقال: إن وجودهم في عصر واحد يوجد عين الافتراق فلا يصح أن يكون المراد(39).
قال المؤلف: هكذا لم يتفقوا على رأي في تفسير الروايات السابقة، ثم إنهم أهملوا إيراد الروايات الذي ذكر الرسول () فيها أسماء الاثني عشر، لأنها كانت تخالف سياسة الحكم بمدرسة الخلفاء مدى القرون. وخرجها المحدثون بمدرسة أهل البيت () في تآليفهم بسندهم إلى أبرار الصحابة عن رسول الله ()، ونقتصر هنا على إيراج يسير منها في ما يأتي مما رواه الفريقان. أسماء الاثني عشر لدى مدرسة الخلفاء
1- الجويني(40) عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله (): (أنا سيد النبيين وعلي بن أبي طالب سيد الوصيين، وأن أوصيائي بعدي اثنا عشر، أولهم علي بن أبي طالب وآخرهم المهدي). 2- الجويني- أيضا- بسنده عن ابن عباس، قال: قال رسول الله (): (إن خلفائي وأوصيائي وحجج الله على الخلق بعدي الاثني عشر أولهم أخي وآخرهم ولدي). قيل: يا رسول الله، ومن أخوك؟
قال: (علي بن أبي طالب).
قيل: فمن ولدك؟
قال: (المهدي الذي يملأها قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، والذي بعثني الحق بشيرا ونذيرا لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يخرج فيه ولدي المهدي فينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه وتشرق الأرض بنور ربها، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب).
3- الجويني- أيضا- بسنده قال: سمعت رسول الله () يقول: (أنا وعلي والحسن والحسين وتسعة من ولد الحسين مطهرون معصومون)(41). ***
اقتضت سياسة الحكم لدى مدرسة الخلفاء مدى القرون إخفاء أمثال الأحاديث الآنفة عن أبناء الأمة الإسلامية وإسدال الستار عليها. وجاهد القسم الأكبر من أتباع مدرستهم في هذا السبيل كما مر بنا فعلهم بأمثالها في بحث دراسة عمل مدرسة الخلفاء بنصوص سنة الرسول () التي تخالف اتجاهها. الهوامش:
1- صحيح مسلم3: 1453ح 1812 بباب الناس تبع لقريش من كتاب الإمارة.
واخترنا هذا اللفظ من الرواية لأن جابرا كان قد كتبها. وفي صحيح البخاري4: 165 كتاب الأحكام. وسنن الترمذي . بباب ما جاء في الخلفاء من ابواب الفتن. وسنن أبي داود3: 106 كتاب المهدي. ومسند الطيالي ح767 و1278. ومسند أحمد5: 86- 90 و92- 101 و106- 108. وكنز العمال13: 26- 27. وحلية أبي نعيم4: 333. وجابر بن سمرة بن جنادة العامري ثم السوائي، ابن أخت سعد بن أبي وقاص، وحليفهم، مات في الكوفة بعد السبعين، وروى عنه أصحاب الصحاح146 حديثا، ترجمته بأسد الغابة. وتقريب التهذيب. وجوامع السيرة: 277.
2- فتح الباري16: 338. ومستدرك الصحيحين3: 617.
3- فتح الباري16: 338.
4- منتخب الكنز5: 321. وتاريخ ابن كثير6: 249. وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 10. وكنز العمال13: 26. والصواعق المحرقة: 28.
5- كنز العمال13: 27، ومنتخبه5: 312.
6- صحيح مسلم بشرح النووي12: 202. والصواعق المحرقة: 18. وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 10.
7- كنز العمال13: 27.
8- كنز العمال13: 27 عن ابن النجار.
9- مسند أحمد1: 398 و406.
قال أحمد شاكر في هامش الأول: اسناده صحيح.
ومستدرك الحاكم، وتلخيصه للذهبي4: 501. وفتح الباري16: 339 مختصرا. ومجمع الزوائد5: 190. والصواعق المحرقة لابن حجر: 12. وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 10. والجامع الصغير له1: 75. وكنز العمال للمتقي13: 27.
وقال: أخرجه الطبراني ونعيم بن حماد في الفتن.
وفيض القدير في شرح الجامع الصغير للمناوي2: 458. وأورد الخبرين ابن كثير في تاريخه عن ابن مسعود، باب ذكر الأئمة الاثني عشر الذي كلهم من قريش6: 248- 250.
10- ابن كثير6: 248. وكنز العمال13: 27. وراجع شواهد التنزيل للحسكاني1: 455ح 626.
11- ابن كثير6: 248.
12- نهج البلاغة، الخطبة142.
13- ينابيع المودة للشيخ سليمان الحنفي في الباب المائة: 523. وراجع إحياء علوم الدين للغزالي1: 54. وفي حلية الاولياء1: 80 بإيجاز.
14- تاريخ ابن كثير6: 249- 250.
15- (العهد القديم) سفر التكوين 17- 20، ص22- 23.
16- (المعجم الحديث) عبري- عربي: 316.
17- المصدر نفسه: 360.
18- المصدر نفسه: 317.
19- المصدر نفسه: 84.
20- المصدر نفسه: 82.
21- تاريخ اليعقوبي1: 24- 25 مؤسسة نشر ثقافة أهل البيت، قم.
22- سورة إبراهيم: الآية37.
23- نقلنا ما ورد في الأصل العبري من التوراة والتعليق عليها من مقال للأستاذ أحمد الواسطي في مجلة التوحيد، إصدار منظمة الإعلام الإسلامي في طهرانز العدد54: ص127- 128ز
24- شرح ابن العربي على سنن الترمذي9: 68- 69.
25- شرح النووي على مسلم12: 201- 202. وفتح الباري16: 339 واللفظ منه وكرره في ص341.
26- تاريخ الخلفاء للسيوطي: 12.
27- فتح الباري6: 341. وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 12.
28- نفس المصدر السابق.
29- الصواعق المحرقة: 19. وتاريخ الخلفاء للسيوطي: 12. وعلى هذا يكون لأتباع مدرسة الخلفاء. إمامان منتظران أحدهما المهدي، في مقابل منتظر واحد لأتباع مدرسة أهل البيت.
30- أشار إليه النووي في شرح مسلم12: 202- 203. وذكره ابن حجر في فتح الباري16: 338- 341. والسيوطي في تاريخ الخلفاء: 10.
- نقله ابن كثير في تاريخه6: 249 عن البيهقي.
32- تاريخ الخلفاء: 11. والصواعق: 19. وفتح الباري16: 341.
33- تاريخ ابن كثير6: 249- 250.
34- فتح الباري16: 340 عن ابن الجوزي في كتابه(كشف المشكل).
35- فتح الباري16: 341. والصواعق المحرقة لابن حجر: 19.
36- فتح الباري16: 338.
37- شرح النووي12: 202. وفتح الباري16: 339 واللفظ للأخير.
38- فتح الباري16: 338.
39- فتح الباري16: 339.
40- قال الذهبي في ترجمة شيوخه بتذكرة الحفاظ ص1505: الإمام، المحدث الاوحد، الأكمل، فخر الإسلام، صدر الدين إبراهيم بن محمد بن حمويه الجويني الشافعي، شيخ الصوفية. وكان شديد الاعتناء بالرواية وتحصيل الأجزاء. أسلم على يده غازان الملك.