اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
المتسول
صبيحة احد أيام إجازة عيد الفطر المبارك، وبعد أداءه الفريضة الواجبة، ودعاءه الله وابتهاله بكل ما يملك من روحانية، حتى بلت دموعه صفحة وجهه. وزار وصلى على النبي واله وتوسل بهم، فتساقط جبل الجليد عن صدره، فظهر جليا ما تحته من الطبيعة الطيبة الطاهرة.
جلس مسندا ظهره إلى احد جدران أروقة حرم الإمام الرضا(ع)، ينظر إلى ما حوله ويتفكر في الرحمة التي منحت له، والتوفيق الذي ناله ليصل إلى هذه الديار. شاهد وهو في تلك الروضة الطاهرة جنة الخلد وملكها لذي لا يبلى، فيها ما تلذ الأعين وتشتهي الأنفس. راحة لم يحصل عليها من كل سفراته التي قام بها حول العالم، والتي ليس لها علاقة إلا بعالم المادة والحسابات التجارية.
قطع عليه خلوته وأزعج تأمله احد المتطفلين، فأرجعه مما كان فيه من النعيم، إلى زحام المكان وتدافع الناس من حوله. فلم يستطع مقاومة إلحاحه، ولم يرغب في رده ردا عنيفا، ورضي بإعطائه الفرصة ليفشي عن ما في نفسه.
بدت عليه النعمة والرزانة، فاستبعد إن يكون من المسولين الدجالين. بدأ كلامه في أدب جم قائلا معبرا عن نفسه: أنا والحمد لله في نعمة وخير في بلادي، لدي عمارات سكنية يمكنني دخلها من العيش الرغيد دون مباشرة أي عمل طوال حياتي.
فقال وهو في عجب من كل هذه التفاصيل، التي جعلته يتفكر في ما يرمي إليه: الله يزيدك من نعيمه، لكني لست تاجرا ولا رجل أعمال يمكنه فادتك، ولكن مجرد موظف أعيش من راتبي الشهري.
فأجابه بكل عفوية: لم أقصدك لتدخل معي في تجارة، ولا أن تكون وكيلي في بلادك.
زاد تعجبه وزادت حيرته، ولفه الغموض في أمر الرجل!
فقال الآخر الذي تمكن من الوصول إلى هدفه بعد تلك المقدمة الطويلة: الطفل الذي إلى جانبك - وأشار لطفل صغير لم يبلغ الحلم، عليه سيماء العوز والفقر - هذا الطفل نود إرساله إلى ذويه في الأمارات وينقصنا خمسمائة ريال لإكمال أجور تذكرة الطائرة.
فاستل من جيبه حياء وتخلصا منه ورقتين ذات مائة ريال وقدمهما إليه، وقال في إصرار وتحدي هذا ما املك، خذها أو اتركها، وغادر المكان هربا.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية