اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم واللعن أعدائهم .
عظم الله لك الأجر يا صاحب الزمان في مصاب الامام الرضا
وفاة الرضا () مسموما باغتيال المأمون
حدثنا أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني رضي الله عنه قال حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم قال حدثنا ياسر الخادم قال لما كان بيننا و بين طوس سبعة منازل اعتل أبو الحسن () فدخلنا طوس و قد اشتدت به العلة فبقينا بطوس أياما فكان المأمون يأتيه في كل يوم مرتين فلما كان في آخر يومه الذي قبض فيه كان ضعيفا في ذاك اليوم فقال لي بعد ما صلى الظهر يا ياسر ما أكل الناس شيئا قلت يا سيدي من يأكل هاهنا مع ما أنت فيه فانتصب () ثم قال هاتوا المائدة و لم يدع من حشمه أحدا إلا أقعده معه على المائدة يتفقد واحدا واحدا فلما أكلوا قال ابعثوا إلى النساء بالطعام فحمل الطعام إلى النساء فلما فرغوا من الأكل أغمي عليه و ضعف فوقعت الصيحة و جاءت جواري المأمون و نساؤه حافيات حاسرات و وقعت الوحية بطوس و جاء المأمون حافيا حاسرا يضرب على رأسه و يقبض على لحيته و يتأسف و يبكي و تسيل دموعه على خديه فوقف على الرضا () و قد أفاق فقال يا سيدي و الله ما أدري أي المصيبتين أعظم علي فقدي لك و فراقي إياك أو تهمة الناس لي أني اغتلتك و قتلتك قال فرفع طرفه إليه ثم قال أحسن يا أمير المؤمنين معاشرة أبي جعفر () فإن عمرك و عمره هكذا و جمع بين سبابتيه قال فلما كان من تلك الليلة قضي عليه بعد ما ذهب من الليل بعضه فلما أصبح اجتمع الخلق و قالوا إن هذا قتله و اغتاله يعنون المأمون
و قالوا قتل ابن رسول الله () و أكثر القول و الجلبة و كان محمد بن جعفر بن محمد استأمن إلى المأمون و جاء إلى خراسان و كان عم أبي الحسن () فقال المأمون يا أبا جعفر اخرج إلى الناس و أعلمهم أن أبا الحسن لا يخرج اليوم و كره أن يخرجه فتقع الفتنة فخرج محمد بن جعفر إلى الناس فقال أيها الناس تفرقوا فإن أبا الحسن () لا يخرج اليوم فتفرق الناس و غسل أبو الحسن () في الليل و دفن.
ما حدث به أبو الصلت الهروي عن ذكر وفاة الرضا () أنه سم في عنب :
حدثنا محمد بن علي ماجيلويه و محمد بن موسى المتوكل و أحمد بن زياد بن جعفر الهمداني و أحمد بن إبراهيم بن هاشم و الحسين بن إبراهيم بن تاتانة و الحسين بن إبراهيم بن أحمد بن هشام المؤدب و علي بن عبد الله الوراق رضي الله عنهم قالوا حدثنا علي بن إبراهيم بن هاشم عن أبيه عن أبي الصلت الهروي قال بينا أنا واقف بين يدي أبي الحسن علي بن موسى الرضا () إذ قال لي يا أبا الصلت ادخل هذه القبة التي فيها قبر هارون و ائتني بتراب من أربعة جوانبها قال فمضيت فأتيت به فلما مثلت بين يديه فقال لي ناولني هذا التراب و هو من عند الباب فناولته فأخذه و شمه ثم رمى به ثم قال سيحفر لي هاهنا فتظهر صخرة لو جمع عليها كل معول بخراسان لم يتهيأ قلعها ثم قال في الذي عند الرجل و الذي عند الرأس مثل ذلك ثم قال ناولني هذا التراب فهو من تربتي ثم قال سيحفر لي في هذا الموضع فتامرهم أن يحفروا لي سبع مراقي إلى أسفل و أن يشق لي ضريحة فإن أبوا إلا أن يلحدوا فتامرهم أن يجعلوا اللحد ذراعين و شبرا فإن الله سيوسعه ما يشاء فإذا فعلوا ذلك فإنك ترى عند رأسي نداوة فتكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينبع الماء حتى يمتلئ اللحد و ترى فيه حيتانا صغارا ففت لها الخبز الذي أعطيك فإنها تلتقطه فإذا لم يبق منه شيء خرجت منه حوتة كبيرة فالتقطت الحيتان الصغار حتى لا يبقى منها شيء ثم تغيب فإذا غابت فضع يدك على الماء ثم تكلم بالكلام الذي أعلمك فإنه ينضب الماء لا يبقى منه و لا تفعل ذلك إلا بحضرة المأمون ثم قال () يا أبا الصلت غدا أدخل على هذا الفاجر فإن أنا خرجت و أنا مكشوف الرأس فتكلم أكلمك و إن أنا خرجت و أنا مغطى الرأس فلا تكلمني قال أبو الصلت فلما أصبحنا من الغد لبس ثيابه و جلس فجعل في محرابه ينتظر فبينما هو كذلك إذ دخل عليه غلام المأمون فقال له أجب أمير المؤمنين فلبس نعله و رداءه و قام يمشي و أنا أتبعه حتى دخل المأمون و بين يديه طبق عليه عنب و أطباق فاكهة و بيده عنقود عنب قد أكل بعضه و بقي بعضه فلما أبصر بالرضا () وثب إليه فعانقه و قبل ما بين عينيه و أجلسه معه ثم ناوله العنقود و قال يا ابن رسول الله ما رأيت عنبا أحسن من هذا فقال له الرضا () ربما كان عنبا حسنا يكون من الجنة فقال له كل منه فقال له الرضا () تعفيني منه فقال لا بد من ذلك و ما يمنعك منه لعلك تتهمنا بشيء فتناول العنقود فأكل منه ثم ناوله فأكل منه الرضا () ثلاث حبات ثم رمى به و قام فقال المأمون إلى أين فقال إلى حيث وجهتني فخرج () مغطى الرأس فلم أكلمه حتى دخل الدار فأمر أن يغلق الباب فغلق ثم نام () على فراشه و مكثت واقفا في صحن الدار مهموما محزونا فبينما أنا كذلك إذ دخل علي شاب حسن الوجه قطط الشعر أشبه الناس بالرضا () فبادرت إليه فقلت له من أين دخلت و الباب مغلق فقال الذي جاء بي من المدينة في هذا الوقت هو الذي أدخلني الدار و الباب مغلق فقلت له و من أنت فقال لي أنا حجة الله عليك يا أبا الصلت أنا محمد بن علي ثم مضى نحو أبيه () فدخل و أمرني بالدخول معه فلما نظر إليه الرضا () وثب إليه فعانقه و ضمه إلى صدره و قبل ما بين عينيه ثم سحبه سحبا إلى فراشه و أكب عليه محمد بن علي () يقبله و يساره بشيء لم أفهمه و رأيت على شفتي الرضا () زبدا أشد بياضا من الثلج و رأيت أبا جعفر () يلحسه بلسانه ثم أدخل يده بين ثوبيه و صدره فاستخرج منه شيئا شبيها بالعصفور فابتلعه أبو جعفر () و مضى الرضا () فقال أبو جعفر () قم يا أبا الصلت ايتني بالمغتسل و الماء .
من الخزانة فقلت ما في الخزانة مغتسل و لا ماء و قال لي ايته إلى ما آمرك به فدخلت الخزانة فإذا فيها مغتسل و ماء فأخرجته و شمرت ثيابي لأغسله فقال لي تنح يا أبا الصلت فإن لي من يعينني غيرك فغسله ثم قال لي ادخل الخزانة فاخرج إلي السفط الذي فيه كفنه و حنوطه فدخلت فإذا أنا بسفط لم أره في تلك الخزانة قط فحملته إليه فكفنه و صلى عليه ثم قال لي ايتني بالتابوت فقلت أمضي إلى النجار حتى يصلح التابوت قال قم فإن في الخزانة تابوتا فدخلت الخزانة فوجدت تابوتا لم أره قط فأتيته به فأخذ الرضا () بعد ما صلى عليه فوضعه في التابوت و صف قدميه و صلى ركعتين لم يفرغ منهما حتى علا التابوت و انشق السقف فخرج منه التابوت و مضى فقلت يا ابن رسول الله الساعة يجيئنا المأمون و يطالبنا بالرضا () فما نصنع فقال لي اسكت فإنه سيعود يا أبا الصلت ما من نبي يموت بالمشرق و يموت وصيه بالمغرب إلا جمع الله بين أرواحهما و أجسادهما و ما أتم الحديث حتى انشق السقف و نزل التابوت فقام () فاستخرج الرضا () من التابوت و وضعه على فراشه كأنه لم يغسل و لم يكفن ثم قال لي يا أبا الصلت قم فافتح الباب للمأمون ففتحت الباب فإذا المأمون و الغلمان بالباب فدخل باكيا حزينا قد شق جيبه و لطم رأسه و هو يقول يا سيداه فجعت بك يا سيدي ثم دخل فجلس عند رأسه و قال خذوا في تجهيزه فأمر بحفر القبر فحفرت الموضع فظهر كل شيء على ما وصفه الرضا () فقال له بعض جلسائه أ لست تزعم أنه إمام فقال بلى لا يكون الإمام إلا مقدم الناس فأمر أن يحفر له في القبلة فقلت له أمرني أن يحفر له سبع مراقي و أن أشق له ضريحه فقال انتهوا إلى ما يأمر به أبو الصلت سوى الضريح و لكن يحفر له و يلحد فلما رأى ما ظهر له من النداوة و الحيتان و غير ذلك قال المأمون لم يزل الرضا () يرينا عجائبه في حياته حتى أراناها بعد وفاته أيضا فقال له وزير كان معه أ تدري ما أخبرك به الرضا () قال لا قال إنه قد أخبرك أن ملككم يا بني العباس مع كثرتكم و طول مدتكم مثل هذه الحيتان حتى إذا فنيت آجالكم و انقطعت آثاركم و ذهبت دولتكم سلط الله تعالى عليكم رجلا منا فأفناكم عن آخركم قال له صدقت ثم قال لي يا أبا الصلت علمني الكلام الذي تكلمت به قلت و الله لقد نسيت الكلام من ساعتي و قد كنت صدقت فأمر بحبسي و دفن الرضا () فحبست سنة فضاق علي الحبس و سهرت الليلة و دعوت الله تبارك و تعالى بدعاء ذكرت فيه محمدا و آل محمد () و سألت الله بحقهم أن يفرج عني فما استتم دعائي حتى دخل علي أبو جعفر محمد بن علي () فقال لي يا أبا الصلت ضاق صدرك فقلت إي و الله قال قم فأخرجني ثم ضرب يده إلى القيود التي كانت علي ففكها و أخذ بيدي و أخرجني من الدار و الحرسة و الغلمان يرونني فلم يستطيعوا أن يكلموني و خرجت من باب الدار ثم قال لي امض في ودائع الله فإنك لن تصل إليه و لا يصل إليك أبدا فقال أبو الصلت فلم ألتق المأمون إلى هذا الوقت .
ما حدث به أبو حبيب هرثمة بن أعين من ذكر وفاة الرضا () و أنه سم في العنب و الرمان جميعا :
- حدثنا تميم بن عبد الله بن تميم القرشي رضي الله عنه قال حدثنا أبي قال حدثني محمد بن يحيى قال حدثني محمد بن خلف الطاطري قال حدثني هرثمة بن أعين قال كنت ليلة بين يدي المأمون حتى مضى من الليل أربع ساعات ثم أذن لي في الانصراف فانصرفت فلما مضى من الليل نصفه قرع قارع الباب فأجابه بعض
غلماني فقال له قل لهرثمة أجب سيدك قال فقمت مسرعا و أخذت على أثوابي و أسرعت إلى سيدي الرضا () فدخل الغلام بين يدي و دخلت وراءه فإذا أنا بسيدي () في صحن داره جالس فقال لي يا هرثمة فقلت لبيك يا مولاي فقال لي اجلس فجلست فقال لي اسمع و عه يا هرثمة هذا أوان رحيلي إلى الله تعالى و لحوقي بجدي و آبائي () و قد بلغ الكتاب أجله و قد عزم هذا الطاغي على سمي في عنب و رمان مفروك فأما العنب فإنه يغمس السلك في السم و يجذبه بالخيط بالعنب و أما الرمان فإنه يطرح السم في كف بعض غلمانه و يفرك الرمان بيده ليتلطخ حبه في ذلك السم و إنه سيدعوني في اليوم المقبل و يقرب إلى الرمان و العنب و يسألني أكلها فآكلها ثم ينفذ الحكم و يحضر القضاء فإذا أنا مت فسيقول أنا أغسله بيدي فإذا قال ذلك فقل له عني بينك و بينه أنه قال لي لا تتعرض لغسلي و لا لتكفيني و لا لدفني فإنك إن فعلت ذلك عاجلك من العذاب ما أخر عنك و حل بك أليم ما تحذر فإنه سينتهي قال فقلت نعم يا سيدي قال فإذا خلى بينك و بين غسلي حتى ترى فيجلس في علو من أبنيته مشرفا على موضع غسلي لينظر فلا تتعرض يا هرثمة لشيء من غسلي حتى ترى فسطاطا أبيض قد ضرب في جانب الدار فإذا رأيت ذلك فاحملني في أثوابي التي أنا فيها فضعني من وراء الفسطاط و قف من ورائه و يكون من معك دونك و لا تكشف عني الفسطاط حتى تراني فتهلك فإنه سيشرف عليك و يقول لك يا هرثمة أ ليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله فمن يغسل أبا الحسن علي بن موسى و ابنه محمد بالمدينة من بلاد الحجاز و نحن بطوس فإذا قال ذلك فأجبه و قل له إنا نقول إن الإمام لا يجب أن يغسله إلا إمام مثله فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله و لا بطلت إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه و لو ترك أبو الحسن علي بن موسى الرضا () بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا مكشوفا و لا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى فإذا ارتفع الفسطاط فسوف تراني مدرجا في أكفاني فضعني على نعشي و احملني فإذا أراد أن يحفر قبري فإنه سيجعل قبر أبيه هارون الرشيد قبلة .
لقبري و لا يكون ذلك أبدا فإذا ضربت المعاول نبت عن الأرض و لم يحفر لهم منها شيء و لا مثل قلامة ظفر فإذا اجتهدوا في ذلك و صعب عليهم فقل له عني أني أمرتك أن تضرب معولا واحدا في قبلة قبر أبيه هارون الرشيد فإذا ضربت نفذ في الأرض إلى قبر محفور و ضريح قائم فإذا انفرج القبر فلا تنزلني إليه حتى يفور من ضريحه الماء الأبيض فيمتلئ منه ذلك القبر حتى يصير الماء مساويا مع وجه الأرض ثم يضطرب فيه حوت بطوله فإذا اضطرب فلا تنزلني إلى القبر إلا إذا غاب الحوت و أغار الماء فأنزلني في ذلك القبر و ألحدني في ذلك الضريح و لا تتركهم يأتوا بتراب يلقونه علي فإن القبر ينطبق من نفسه و يمتلئ قال قلت نعم يا سيدي ثم قال لي احفظ ما عهدت إليك و اعمل به و لا تخالف قلت أعوذ بالله أن أخالف لك أمرا يا سيدي قال هرثمة ثم خرجت باكيا حزينا فلم أزل كالحبة على المقلاة لا يعلم ما في نفسي إلا الله تعالى ثم دعاني المأمون فدخلت إليه فلم أزل قائما إلى ضحى النهار ثم قال المأمون امض يا هرثمة إلى أبي الحسن () فاقرأه مني السلام و قل له تصير إلينا أو نصير إليك فإن قال لك بل نصير إليه فاسأله عني أن يقدم ذلك قال فجئته فلما اطلعت عليه قال لي يا هرثمة أ ليس قد حفظت ما أوصيتك به قلت بلى قال قدموا إلي نعلي فقد علمت ما أرسلك به قال فقدمت نعليه و مشى إليه فلما دخل المجلس قام إليه المأمون قائما فعانقه و قبل ما بين عينيه و أجلسه إلى جانبه على سريره و أقبل عليه يحادثه ساعة من النهار طويلة ثم قال لبعض غلمانه يؤتى بعنب و رمان قال هرثمة فلما سمعت ذلك لم أستطع الصبر و رأيت النفضة قد عرضت في بدني فكرهت أن يتبين ذلك في فتراجعت القهقرى حتى خرجت فرميت نفسي في موضع من الدار فلما قرب زوال الشمس أحسست بسيدي قد خرج من عنده و رجع إلى داره ثم رأيت الأمر قد خرج من عند المأمون بإحضار الأطباء و المترفقين فقلت ما هذا فقيل لي علة عرضت لأبي الحسن علي بن موسى الرضا () و كان الناس في شك و كنت على يقين لما أعرف منه قال فما كان من الثلث الثاني من الليل علا الصياح وسمعت الصيحة من الدار فأسرعت فيمن أسرع فإذا نحن بالمأمون مكشوف الرأس محلل الأزرار قائما على قدميه ينتحب و يبكي قال فوقفت فيمن وقف و أنا أتنفس الصعداء ثم أصبحنا فجلس المأمون للتعزية ثم قام فمشى إلى الموضع الذي فيه سيدنا () فقال أصلحوا لنا موضعا فإني أريد أن أغسله فدنوت منه فقلت له ما قاله سيدي بسبب الغسل و التكفين و الدفن فقال لي لست أعرض لذلك ثم قال شأنك يا هرثمة قال فلم أزل قائما حتى رأيت الفسطاط قد ضرب فوقفت من ظاهره و كل من في الدار دوني و أنا أسمع التكبير و التهليل و التسبيح و تردد الأواني و صب الماء و تضوع الطيب الذي لم أشم أطيب منه قال فإذا أنا بالمأمون قد أشرف على بعض أعالي داره فصاح يا هرثمة أ ليس زعمتم أن الإمام لا يغسله إلا إمام مثله فأين محمد بن علي ابنه عنه و هو بمدينة رسول الله () و هذا بطوس خراسان قال فقلت له يا أمير المؤمنين إنا نقول إن الإمام لا يجب أن يغسله إلا إمام مثله فإن تعدى متعد فغسل الإمام لم تبطل إمامة الإمام لتعدي غاسله و لا تبطل إمامة الإمام الذي بعده بأن غلب على غسل أبيه و لو ترك أبو الحسن علي بن موسى الرضا () بالمدينة لغسله ابنه محمد ظاهرا و لا يغسله الآن أيضا إلا هو من حيث يخفى قال فسكت عني ثم ارتفع الفسطاط فإذا أنا بسيدي () مدرج في أكفانه فوضعته على نعشه ثم حملناه فصلى عليه المأمون و جميع من حضر ثم جئنا إلى موضع القبر فوجدتهم يضربون المعاول دون قبر هارون ليجعلوه قبلة لقبره و المعاول تنبو عنه حتى ما يحفر ذرة من تراب الأرض فقال لي ويحك يا هرثمة أ ما ترى الأرض كيف تمتنع من حفر قبر له فقلت له يا أمير المؤمنين إنه قد أمرني أن أضرب معولا واحدا في قبلة قبر أمير المؤمنين أبيك الرشيد و لا أضرب غيره قال فإذا ضربت يا هرثمة يكون ما ذا قلت إنه أخبر أنه لا يجوز أن يكون قبر أبيك قبلة لقبره فإذا أنا ضربت هذا المعول الواحد نفذ إلى قبر محفور من غير يد تحفره و بان ضريح في وسطه قال المأمون سبحان الله ما أعجب هذا الكلام و لا أعجب من أمر أبي الحسن () فاضرب يا هرثمة حتى نرى قال هرثمة فأخذت المعول بيدي فضربت به في قبلة قبر هارون الرشيد .
قال فنفذ إلى قبر محفور من غير يد تحفره و بان ضريح في وسطه و الناس ينظرون إليه فقال أنزله إليه يا هرثمة فقلت يا أمير المؤمنين إن سيدي أمرني أن لا أنزل إليه حتى ينفجر من أرض هذا القبر ماء أبيض فيمتلئ منه القبر حتى يكون الماء مع وجه الأرض ثم يضطرب فيه حوت بطول القبر فإذا غاب الحوت و غار الماء وضعته على جانب القبر و خليت بينه و بين ملحده فقال فافعل يا هرثمة ما أمرت به قال هرثمة فانتظرت ظهور الماء و الحوت فظهر ثم غاب و غار الماء و الناس ينظرون ثم جعلت النعش إلى جانب قبره فغطي قبره بثوب أبيض لم أبسطه ثم أنزل به إلى قبره بغير يدي و لا يد أحد ممن حضر فأشار المأمون إلى الناس أن هاتوا التراب بأيديكم و اطرحوه فيه فقلت لا نفعل يا أمير المؤمنين قال فقال ويحك فمن يملؤه فقلت قد أمرني أن لا يطرح عليه التراب و أخبرني أن القبر يمتلئ من ذات نفسه ثم ينطبق و يتربع على وجه الأرض فأشار المأمون إلى الناس أن كفوا قال فرموا ما في أيديهم من التراب ثم امتلأ القبر و انطبق و تربع على وجه الأرض فانصرف المأمون و انصرفت فدعاني المأمون و خلاني ثم قال لي أسألك بالله يا هرثمة لما صدقتني عن أبي الحسن قدس الله روحه بما سمعته منه قال فقلت قد أخبرت يا أمير المؤمنين بما قال لي فقال بالله إلا ما صدقتني عما أخبرك به غير هذا الذي قلت لي قال:
فقلت يا أمير المؤمنين فعما تسألني فقال لي يا هرثمة هل أسر إليك شيئا غير هذا قلت نعم قال ما هو قلت خبر العنب و الرمان قال فأقبل المأمون يتلون ألوانا يصفر مرة و يحمر أخرى و يسود أخرى ثم تمدد مغشيا عليه فسمعته في غشيته و هو يجهر و يقول ويل للمأمون من الله ويل له من رسول الله () و ويل له من علي بن أبي طالب () ويل للمأمون من فاطمة الزهراء () ويل للمأمون من الحسن و الحسين ويل للمأمون من علي بن الحسين ويل للمأمون من محمد بن علي ويل للمأمون من جعفر بن محمد ويل له من موسى بن جعفر ويل للمأمون من علي بن موسى الرضا () هذا و الله هو الخسران المبين يقول هذا القول و يكرره فلما رأيته قد أطال ذلك وليت عنه و جلست في بعض نواحي الدار قال فجلس و دعاني فدخلت عليه و هو جالس كالسكران فقال و الله ما أنت علي أعز منه و لا جميع من في الأرض و السماء و الله لئن بلغني أنك أعدت مما رأيت و سمعت شيئا ليكونن هلاكك فيه قال فقلت يا أمير المؤمنين إن ظهرت علي شيء من ذلك مني فأنت في حل من دمي قال لا و الله و تعطيني عهدا و ميثاقا على كتمان هذا و ترك إعادته فأخذ علي العهد و الميثاق و أكده علي قال فلما وليت عنه صفق بيديه و قال يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَ لا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَ هُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ ما لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَ كانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً و كان للرضا () من الولد محمد الإمام () و كان يقول له الرضا () الصادق و الصابر و الفاضل و قرة أعين المؤمنين و غيظ الملحدين .