اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
راصد الإنترنت - 18 / 1 / 2008م - 3:08 ص
المتظاهرين في مدينة صفوى
بدأ موسم العزاء التأبيني المهيب الذي يقيمه أبناء المنطقة في عاشوراء، ليتمثلوا الحسين بن علي ورجالات ثورته الخالدة، وكانت مدن المنطقة الشرقية كعادتها من الاقاليم الإسلامية الرئيسية التي تبدي اهتماماً متزايداً بمراسم التأبين هذه، وانعكست ظروف عام 1400هـ، الاستثنائية على كل شيء، وبدا واضحاً ان الجماهير والقطاعات الشعبية تريد خرق طابع الرقابة التقليدي الذي اعتاد عليه العزاء الحسيني..
ففي مطلع محرم من تلك السنة، اواخر نوفمبر 1979، كانت الكثير من المنازل قد تحولت إلى غرف عمليات، تعد المنشورات وعلب الأصباغ لاستعمالها في كتابة الشعارات الجدارية، وسرعان ما وزعت المنشورات الثورية وامتلأت الجدران بشعارات الأستنهاض، كلمات علي والحسين: «والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد»، «هيهات من الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله..»، «كونوا أحراراً في دنياكم..». «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً».
وكانت هذه الأجواء إيذاناً بنزال عنيف يحمل طابعه الملحمي القاني الذي صنعه أبناء الشرقية مما سنتابعه تحت العناوين التالية، التي سنستعرض فيها كيف بدأت الإنتفاضة وحقيقة هويتها التي عبرت عنها البينات والشعارات ثم المظاهرات الإحتجاجية التي تحول معظمها إلى صدامات عنيفة من 6 / محرم ـ وحتى 10 محرم.
الإنتفاضة، الإنطلاقة، المواجهات، قمع السلطة
المنشورات والبيانات الثورية:
صدر منشور مهم مطلع محرم1400 هـ/ 20 ـ 11 ـ 1979، كان يهدف بوضوح الى تصعيد الموقف المتحدي للسلطة، حيث، دعا الجماهير الى توفير الجو في «موسم الثورة الحسينية». من خلال المشاركة في مواكب العزاء، ووضح البيان المنشور عدة أهداف وغايات لدعوته هذه، كتخليد ذكر الأمام الحسين وتكريس الحق في ممارسة الحرية الدينية، واستنكار مواقف الامبريالية الأميركية تجاوباً مع دعوة الإمام الخميني إلى ذلك والتي وجهها إلى كل المسلمين، كما حث المنشور «المؤمنين الأبطال» على عدم الخوف من «الأمن والشرطة»، وعلى عدم الانصياع إلى أوامر «الشخصيات والعمد لأنهم ليسوا إلا مجموعة من الجبناء والعملاء الهلعين على مصالحهم الشخصية».
المتظاهرون يؤدون الصلاة جماعة قبل انطلاق المظاهرةوتلاحق بعد ذلك صدور عدة بيانات، حيث صدر يوم السادس من المحرم / 25 نوفمبر، منشور حول استقطاب فئات الشعب الأخرى وإشعارها بمسؤوليتها مؤكداً على دورها المهم في الموقف الأجتماعي العام، فدعا العناصر النسوية إلى المشاركة في التظاهرة الدينية ـ السياسية. كتعبير عن الرفض والتمرد، مفتتحاً البيان بقوله تعالى ﴿ فلولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات.. ﴾، ومذكراً بأسهامات المرأة في صنع الأحداث الإسلامية الكبرى مؤكداً ان الشعب "بدأ يتمرد على الأوامر الحكومية ويمارس حرياته الدينية ويخرج في مواكب العزاء ومسيرات التظاهر واستنكاراً للتهديدات الأمريكية العدوانية" كما اعلن البيان "إن اشتراك العنصر النسوي سيربك أجهزة القمع التي تتصدى لحركة الجماهيرية"..
ونلاحظ ان المنشورات الثورية تتابعت لتواكب مسيرة الرفض ففي خضم المواجهات بين الشعب والسلطة صدر منشور مهم ليلة الثامن من محرم ـ 27 نوفمبر، حث المتظاهرين على مواصلة التحدي ووضح الأهداف التي ينبغي تحقيقها من الإنتفاضة، وكان الموقف الجماهيري المستند إلى وعي دقيق للمعادلة قد تبلور بشكل واضح يدعو إلى الإعجاب في بيان مهم صدر على شكل منشور موجه إلى السلطة إثر مجيء أحمد بن عبد العزيز «نائب وزير الداخلية» إلى الدمام ليلة التاسع في محرم ـ 27 / نوفمبر، ليلتقي مع شخصيات المنطقة الذين استدعوا مسبقاً من اجل ان يحاول توظيف نفوذهم في إخماد نيران الرفض الشعبي، فجاء البيان ليؤكد للسلطات "ان هذه الشخصيات لا تمثل سوى نفسها ولا تحمل آلام الشعب وآماله بل تبالغ في التملق والتزلف خوفاً على مصالحها"..
وتولى البيان ايضاح الموقف الشعبي وأسبابه والمطالب العادلة التي ينادي بها كما أكد على أن القمع والعنف لن يجدي وعلى الحكومة ان تبادر الى الحلول الجذرية عبر:
1- إطلاق سراح المعتقلين خلال الأحداث الذي تجاوز حينها «9 محرم» الخمسمائة معتقل.
2- الأعتراف بحريات الشعب الدينية في المنطقة على مستوى القضاء، المحاكم، والفكر والثقافة وحركة الكتاب، والمراسم الدينية ومواكب العزاء الحسيني والفعاليات الإسلامية الأخرى.
3- انهاء سياسية التمييز الطائفي المتخذة حيال المذاهب الإسلامية، تلك السياسة "التي من شأنها تمزيق وحدة الشعب وزرع الأحقاد في نفوس أبنائه".
4- الكف عن التعاون المفضوح مع رأس الكفر في العالم أمريكا، ضد الإسلام وقضايا المسلمين ومنها الثورة الإسلامية في إيران، على حد تعبير البيان، مشيراً إلى ان مجيء الكوماندوز الأميركي إلى قاعدة الظهران المريب يفجر نقمة الشعب ويثير غضبه.
وهذا المطلب تبلور فيما بعد ابان ازمة الخليج / 1990، ليحدد موقف الشعب العام بكل قطاعاته ومذاهبه حيال التواجد العسكري الغربي في الجزيرة والخليج كان مهيئاً لطروء تغيرات سياسية واجتماعية كبيرة افرزت بروز المعارضة السلفية السنية التي انبثقت من داخل المؤسسة الدينية الرسمية في البلاد لتشكل تيارات متعددة فاقمت من أزمة النظام الشرعية.
5- ان تضع السلطة حداً للإهمال والتلاعب بمصالح المواطنين، فإن الشعب يعيش وضعاً سيئاً وأزمات متلاحقة بدءً من أزمة السكن والخدمات وانتهاء بالتعليم، فإلى متى تبقى منطقة النفط بهذا الوضع التعيس.
المنبر الحسيني قناة استلهام ومركز مقاومة
أدى المنبر الحسيني دوراً هاماً في تأجيج الإنتفاضة والتواصل مع تطوراتها، فمع تصاعد النقمة الشعبية ـ سيما في منتصف أيام عاشوراء أي الخامس من المحرم فما بعد بادر الخطباء إلى توظيف المفهوم الثوري الذي تنطوي عليه ملحمة كربلاء وتفصيلاتها المثيرة المؤطرة بالوعي الإسلامي، والقيام بعملية ربط واستلهام ممتازة أوضحت موقف الجماهير عبر حركة الإمام الحسين للإصلاح، وطبيعة الخط المنحرف الذي تصدى للقيادات الإسلامية الراشدة وعمد إلى تصفيتها، وهو سناريو يتكرر في كل حقب الظلم والأستبداد، فارتفع مؤشر الرفض الشعبي والحرارة الإيمانية في مجالس الخطابة والمحاضرات ومواكب العزاء، وزادها نمط الخطاب الثوري الذي رددته المحاضرات الحسينية التي ركزت على المفهوم القرآني للجهاد ﴿ إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم.. ﴾ وكانت أحاديث الشهادة وفضل الشهيد ومنزلته في الدنيا حيث يعطى بموته الحياة للأمة، وفي الآخرة، حيث يكون مع البنيين والصديقيين.. بمثابة البدء.
في حسينية" "السنان" بالقطيف ما ان انتهت المحاضرة الدينية حتى قام أحد الشباب وهو يرفع صوته بالتكبير، وكان هذا كافياً ليعج المجلس بأصوات التكبير ويخرج الجمهور في مظاهرة صاخبة تردد شعارات الثورة الإسلامية كاشفة قناع الزيف عن السلطة السعودية.
وفي حسينية «السنان» ذاتها ليلة السابع من المحرم «25 / نوفمبر»، تحدث الخطيب بألم عمّن وصفهم بالمنافقين الذي طلبوا منه تغيير خطابه واستبداله بالخطاب التقليدي ليتجنب تحريض الناس على الثورة والرفض ثم بدأ محاضرته التي عالجت الأدوار البطولية للعنصر الشبابي في نهضة الحسين الذي اختتم بشهادتهم في سبيل المبدء، وكان المجلس قد احتشد بالحضور وافترشت الجماهير الشوارع القريبة، حتى وصلت جموعها إلى ساحة الخزان «التي سميت فيما بعد بساحة الشهداء»، وتعرض الحاضرون إلى مضايقات الشرطة التي لم تمنع من انطلاق تظاهرة كبيرة بعد انتهاء المحاضرة الدينية سارت في شوارع القطيف ساعات عدة وهي تهتف بشعارات الثورة حتى انتهت بصدامات عنيفة مع رجال السلطة سقط فيها العديد من الجرحى من الجانبين.
لذلك فقد مارست السلطة مختلف الضغوط على الخطباء لمنعهم عن ارتقاء المنابر اساساً كما حصل ليلة الثامن من محرم «26 / نوفمبر»، حيث اختفى خطيب حسينية «السنان» في القطيف وجاء بديلاً عنه خطيب آخر لا يتبنى الموقف الثوري ليبدأ محاضرة تقليدية جداً اثارت استياء الحاضرين الذين راحوا بدلاً من الأنصات اليه، يتساء لون حول مصير خطيب الثورة هناك، ثم عبروا عن امتعاضهم حين تركوا الحسنية لتنظيم مظاهرة ثورية حاشدة جابت شوارع القطيف مصطدمة بالقمع السلطوي المعتاد.
استمرت اعتقالات الخطباء واختفى بعضهم ليلة التاسع من محرم. وفي مدينة صفوى كان هناك تجمع ديني حاشد حضره ما يقارب الخمسة عشر الف مستمع في احد المساجد حيث قام احد خطباء الثورة يستلهم مفاهيم نهضة الإمام الحسين ومواقفه ليحلل على ضوئها طبيعة المواجهة المتصاعدة بين الشعب والنظام السعودي متطرقاً إلى فلسفة الموت بمناسبة شهادة بعض المؤمنين في المواجهات مركزاً على أن الإنسان الذي قدر له الموت في هذه الحياة كأمر محتوم عليه اختيار لون الموت التي ينهي حياته وما اعظم من يموت شهيداً دون قيمة وكرامته وكان هذا بمثابة إشارة للإنطلاق. خرج بعدها المجتمون في مظاهرة اعتبرت من اكبر التظاهرات حجماً وثورية، وتميزت بحدة الشعارات وتركيزها على المطالبة بالحريات الدينية والسياسية.
التظاهرات:
الالوف من المتظاهرين في مدينة صفوى التاسع من محرم 1400بقدر ما شكلت مآتم الثورة الحسينية، وما يجري فيها من مراسم العزاء التأبيني المهيب لشهداء ثورة الحسين ومواكب العزاء التي تجوب الطرقات الرئيسية رافعة شعارات الثورة تلك، واجباً دينياً مهماً عند المسلمين فقد مثلت مصدر قلق للسلطات الظالمة التي تعاقبت على الحكم في العراق وإيران والجزيرة العربية وسائر الأماكن الأخرى التي تتواجد فيها هذه المراسم، حيث كانت تظاهرة دينية موسمية تغذي روح الثورة وتهيئ مناخات التمرد، وكان النظام السعودي حريصاً على مضايقة تلك الشعائر لتقليص دورها فبينما سمحت بها في حدود معينة بالقطيف راحت تمنعها تماماً او تكاد في مدن مهمة كالمدينة المنورة والدمام والاحساء، وتعتبر خروج التظاهرات الحسينية خرقاً للقانون «السعودي».
برغم ذلك فقد زاد تمسك المؤمنين بهذا النسك الدني لوعيهم بأهميته ولأنهم وجدوا فيه تخليداً لصوت الثوار على مر التأريخ.
في محرم، 1400هـ، «نوفمبر 1979» اتخذت تلك التظاهرات الحسينية طابعاً خاصاً تناغم مع مجمل المناخ السياسي في المنطقة وراحت الشعارات الحسينينة تندد بالظلم السعودي وتطالب باطلاق الحريات، المختلفة التي صادرتها حكومة بني سعود. تحركت جموع المؤمنين في مختلف المدن كمدينة القطيف وصفوى وسيهات لتنتشر بعد ذلك ليلة الثاني من محرم بقوة في كل قرى المنطقة، لتتصاعد ليلة السادس من محرم «25 نوفمبر» فتشمل بلدة العوامية وتتجدد في مدينة سيهات وصفوى، تلك المناطق التي استمرت فيها التظاهرات الحاشدة والساخنة في ليالي 7 و8 و9 محرم، لتضاف اليها قرى عديدة نظير تاروت وسنابس ـ على بعد خمسة كيلومترات من مدينة القطيف ـ وكذلك في قرية الأوجام التي لم ينجح بعض الخطباء من إخماد ثورتها بعد أن راح يحاول التضليل عن طريق طرح وعي خاطئ لمفهوم التقية، كما تكررت مظاهرة كبيرة خرج فيها اكثر من «4000» شخص ليلة الثامن من محرم اشترك فيها مجموعة كبيرة من النساء، إلى غير ذلك من التظاهرات الصاخبة التي راحت تعدد كل يوم في مختلف مناطق القطيف وقراها وجزرها مما تطور أحياناً إلى مواجهات عنيفة سنتعرض اليها لاحقاً.
شعارات الإنتفاضة
المساجين في أعناق الجميعلكل ثورة ومشروع رفض شعاراته الخاصة التي تكشف عن فلسفته وهويته وحقيقة مطالبه وأهدافه وهكذا كانت أحداث المنطقة الشرقية تتصدرها الشعارات المشرقة التي تظهر ماهية الثورة ومضمونها الأصيل مستلهمة مفردات الخطاب الحسيني التي وظفتها في تحليل ما تتعرض له البلاد من أزمات دعت إلى التمرد والرفض على المستويات السياسية والثقافية والإجتماعية فكان ضمن ما يردده المتظاهرون..
وما انتشر على جدران المباني وواجهات الشوارع الرئيسية من فقرات جزئية وصريحة نظير ما يأتي:
ايها الناس افيقوا واسلكوا درب الحسين.. حاربوا الطغيان والظلم وكونوا ثائرين
لا نخاف السجن والقتل ولا غلّ اليدين.. كلنا ضد امريكا على خط الحسين
ثورتك يا حسين للعالم هداية.. والظلم والجور لا بد له نهاية
يابن سعود شيل أيدك = كـل الشعب ما يريدك
يسقط السادات يسقط صدام.
جاءت هذه الشعارات لترسيخ الإرتباط بين حركة الشعب وحركة الإصلاح التي قام بها الأمام الحسين فتعلن عن هويتها، كما حرصت على رجم رموز الإستعمار الغربي فهد ـ السادات ـ صدام، جاعلة اياهم في موقع «يزيد بن معاوية» كمثال للقيادة المنحرفة.
ثم تأتي الشعارات الأكثر تحليلاً للموقف:
اقطعوا النفط عن أمريكا ـ فليسقط العملاء.
يا أمريكا شيلي ايدك كل الشعب ما يريدك.
فترضخ معارضتها الأكيدة للتسلط الأميركي على النفط كسلاح استراتيجي للعرب والمسلمين ادراكاً من "الأنتفاضة" لطبيعة المرحلة التي بدأت تشهد ارهاصات أزمة شديدة في سوق النفط ربما يؤدي ما يعقبها من ارباك الى تدني حاد في مستوى الأسعار يعود بمردوداته السلبية على معركة المصير مع القوى الاستكبارية.
ثم تأتي مجموعة أخرى من الشعارات لتبين الهوية الإسلامية للانتفاضة الخالية عن الطابع الفؤي او الطائفي الضيق مما يحاول بنو سعود تكريسه لاضعاف الصف الإسلامي فجاءت الشعارات لتقول:
لا سنية ولا شيعية.. ثورة ثورة إسلامية
دين النبي وأحد ما فيه تفرقة.. انظر الى القرآن شوف الموعظة
الى غير ذلك من المضامين التي انطوت عليها شعارات الثورة ويظل يلاحق الذاكرة شعار آخر كان يعكس مدى ثقة الجماهير بالاسلام وبأنه سيبقى يسجل نجاحاته مهما كلف الأمر:
ثورة التوحيد تمشي للأمام.. ثورة الإسلام تخطو بانتظام.
المواجهات والشهداء
متظاهرون يرفعون أحد شهداء انتفاضةبرغم الشعارات الصريحة في مناوئتها للنظام السعودي والتي رفعت في كل التظاهرات تقريباً فإن بعض مواكب العزاء الإحتجاجية التي تحولت إلى ثورة سلمت من قمع قوات الشرطة وتطلعات الحرس الوطني التي حشرها النظام لضرب التحرك، اما لتكتيك معين اعتمده الثوار، او لتراجع قوات النظام الذي كان يحصل أحياناً بسببه عدم توفر العدد الكافي منها في قرى الأطراف بنحو لا تجرؤ فيه عدة مئات من الحرس ـ مثلاً ـ على مواجهة الآلاف الغاضبة في قرية قاصية.
غير أن عشرات المواكب الاحتجاجية تعرضت إلى قمع عنيف راح ضحيته أكثر من «عشرين» شهيداً وأعداد كبيرة من المصابين وتمخض عن ستمائة معتقل.
بدأت الصدامات خلال التظاهرة التي خرجت في مدينة القطيف ليلة السادس من محرم «25 نوفمبر»، حيث جاب عدة آلاف من المواطنين شوارع المدينة الرئيسة انطلاقاً من ساحة الخزان «الشهداء فيما بعد» ثم واصلوا مسيرهم الى المسعودية قرب ثانوية القطيف حيث حدث أول صدام مباشر بين قوات القمع السعودية المزودة بالهراوات والرشاشات وقنابل الغاز، وبين جماهير الشعب الأعزل الذي لا يملك سلاحاً سوى التحدي، حدث ذلك عندما التحمت هذه التظاهرة مع أخرى لا تقل عنها عنفاً وثورية في «حي الدبابية»، بعد أن طالبت السلطات المتظاهرين بالتفرق..
ومع إصرار التظاهرة على الإستمرار قامت قوات «الحرس الوطني» بهجوم شديدة بالهراوات على المتظاهرين الذين ردوا بالحجارة وقطع الخشب والإشتباك بالأيدي، وهنا جاء دور قنابل الدخان، والغاز المسيل للدموع، فألقيت مئات القنابل واستغل الحرس هذه الفرصة فبدأ يضرب بوحشية.
لكن القمع لم يمنع أهل القطيف من الخروج الليلة الثالثة «26 نوفمبر» حيث خرجت تظاهرة اكبر من سابقتها سارت في الشوارع الرئيسية حتى وصلت إلى شارع الحرية «الذي تسميه السلطة شارع الملك عبد العزيز» مارة لمسجد الفتح ثم إلى المسعودية حتى وقفت في الساحة المقابلة لثانوية القطيف ثم سارت بكامل حشدها إلى حي «الدوبج» وعبرت شارع المحيط حيث يقع سجن الشرطة ومركز المباحث واستمرت حتى وصلت قرية «التوبي» حيث وجدت قوات السلطة في انتظارها فهجم الجنود مستخدمين قنابل الغاز والعصي الكهربائية «التي تحدث شللاً مؤقتاً في ضحاياها»، بينما ردّ المتظاهرون بالحجارة وأعمدة الخشب لتستمر الاشتباكات أكثر من نصف ساعة حيث جرح عدد كبير من الجانبين.
في نفس هذه الليلة شهدت سيهات مواجهة أكثر حدة حيث خرجت تظاهرة احتجاجية حاشدة سارت بشكل مهيب امام «مقر الإمارة» وبعدها أمام مركز الشرطة، وكانت صورة الإمام الخميني فهاجمت الشرطة الشعب الأعزل لكن الحجارة وأعمدة الخشب التي استخدمها الثوار قلبت المعادلة حين حطمت سيارة تابعة للشرطة حيث هربت عناصرهم التي كانت داخل السيارة وراحت الجماهير تطاردهم في منظر مثير جداً..
وبعد تقهقر قوات الشرطة واصلت المسيرة حركتها وحمل المتظاهرون اعمدة الحديد والخشب تحسباً للطواريء ووصلوا إلى الساحة الواقعة خلف مستشفى سيهات، حيث كانت قوات السلطة في انتظارهم، ومع اصرار الجماهير على التقدم انطلقت مئات قنابل الغاز وبدأ الهجوم بالهراوات والعصي الكهربائية، وفي هذه الأثناء راح بعض الشباب يهجمون على رجال السلطة محاولين تجريدهم من اسلحتهم وأجاب عناصر القوات بأطلاق النار في الهواء، وفيما كانت مجموعة من الشباب تخلع سلاح احد الجنود صوّب ضابط الشرطة سلاحه، واطلق عدة رصاصات على المجموعة سقط على أثرها المجاهد حسن القلاف «شهيد سيهات الثائرة» وكان طليعة الشهداء، الذين سطروا بدمائهم فصول انتفاضة المحرم العظيمة.
وتكررت الصدامات في مدينة القطيف ليلة الثامن من محرم «27 نوفمبر» بعد خروج تظاهرة حاشدة رددت الشعارات المنادية بسقوط النظام السعودي.
الشهيدين مالك عبدالرزاق إلى اليمين ومكي الدخيل إلى اليساروفي هذه الليلة شهدت «سيهات» تعزيزات مكثفة لقوات القمع السلطوي فنصبت المدافع الرشاشة على مبنى «تقوية البث الإذاعي» كما أضيفت وحدات في أطراف المدينة، لكن التظاهرة خرجت مكررة ذات الشعارات الهادرة، غير أن الجنود هاجموا الشباب بالهروات والعصي الكهربائية فيما ردت الجماهير بالحجارة واستخدمت قنابل المولوتوف «محلية الصنع»، والزجاجات الفارغة.
وتكرر هجوم الشباب لمحاولة نزع اسلحة رجال السلطة وجرح عدد منهم في هذه المحاولات وسقط عدة شهداء كانوا قدموا من الأحساء لمناصرة أهالي «سيهات» لكن الجنود وجهوا اليهم نيران الأسلحة الاوتوماتيكية معبرين عن حجم الهستيريا التي أصابتهم، وفي نهار الثامن من محرم «27 نوفمبر» تصاعدت المواجهات في مدينة القطيف وتحولت إلى صدام دموي شديد حيث أثيرت حفائظ الجاهير اثر اعتقال بعض الخطباء ونفيهم، فخرجت الحشود رافعة شعارات الثورة لتواجه بقنابل الغاز الكثيفة وكعوب البنادق والعصي الكهربائية، لكن المسيرة تواصلت وهي تجوب شوارع محلة القلعة لترجم مبنى امارة القطيف فأضحى المبنى تحت رحمة آلاف قطع الحجارة مما دعى الحراس الى الهروب تاركين اسلحتهم على قارعة الطريق!.
لكن ذلك اصاب قوات السلطة بالذهول والارتباك فردت بشكل هستيري افرغت فيه حقدها ولؤمها على الشباب فبدأت بإطلاق النار في الهواء ووصلت تعزيزات اضافية بينها سبعون سيارة نصبت عليها المدافع الرشاشة، بدأت تطلق الرصاص عشوائياً على حشد الثوار، لكن التكبير راح يزداد قوة ويحتد مع تصاعد العنف فسقط خمسة شهداء يتقدمهم الشاب المؤمن سعيد عيسى مدن القصاب «20 عاماً» والذي قدم من مدينة «صفوى» ليشارك في انتفاضة مدينة القطيف، وكان من بين الشهداء الفتى اليافع بسّام السادة «18 عاماً» كما سقط عدد كبير من الجرحى.
وتكررت هذه الليلة «9 محرم» الصدامات العنيفة في بلدة العوامية، وأم الحمام، وتاروت، وسنابس، أسفرت عن سقوط عدد من الجرحى أثناء الإشتباك. اما يوم 9 / محرم «28 نوفمبر» فقد شهد أكبر تظاهرة في تاريخ المنطقة الشرقية على الاطلاق اذ خرج «أربعة وعشرون» الف متظاهر في مدينة صفوى لتشييع شهيدها «سعيد عيسى مدن» تتقدمهم رفات الشهيد، وكان الـ «24 الف» قد تقاطروا من كافة القرى بمنطقة القطيف الواقعة على الشريط الممتد من صفوى شمالاً حتى سيهات جنوباً بعد أن لعب المنبر الحسيني دوره في توجيه الناس إلى التضامن مع شهيد صفوى فجاءت المواكب الحاشدة من مدينة القطيف وسيهات والعوامية وأم الحمام والبحاري وتاروت وسنابس والجارودية وغيرها، حيث تجمعوا عند المقبرة وهاجم الخطباء سياسات السلطة وحملت صورة الشهيد إلى جانب رفاته وقميصه الغارق بالدماء المرفوع على عصا طويلة بينما رفعت على الجانب الآخر الآية الكريمة ﴿ ولا تحسبن الذي قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء.. الآية ﴾..
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اقتباس
«والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا افر فرار العبيد»، «هيهات من الذلة يأبى الله لنا ذلك ورسوله..»، «كونوا أحراراً في دنياكم..». «لا تكن عبد غيرك وقد جعلك الله حراً».
إن الموت لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة ولن يتحقق النصر الا بنيل احدى الحسنيين إما النصر وإما الشهادة
شهدائنا هم قرأننا الناظق ، شهدائنا عظمائنا ، شهدائنا هم ابناء أبي عبدالله الحسين كما أراد أبو عبد الله الحسين كلمات خالدة لسيد شهداء المقاومة الاسلامية رضوان الله تعالى عليه
اللهم انصر الشيعة في جميع اسقاع الارض
الفاحة لارواح الشهداء الذين سقطوا في الانتفاضة ولارواح شهداء المقاومة الاسلامية
شهداؤنا عظمائنا شكرا لك