اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
ليلة الحادي عشر من محرم: كربلاء تلملم احزانها.. وتوقد الشموع
السلام عليك يا أبا عبد الله .. وعلى الأرواح التي حلت بقنائك
عليكم مني جميعا سلام الله أبدا ما بقيت وبقي الليل والنهار
وانجلت الغبرة .. تاركةً من خلفها شهقات مكلومة .. وعبراتٍ متكسرة في جوف الحناجر . فقد أعلن شفق الغروب نهاية يوم الدم والحرب وقدوم ليل الأسر والقهر .. سهام مغروسة في الرمال .. سيوفٌ مهمشة .. وبقايا رماد ..
وقفت عزيزةُ أمها وأبيها تتأمل الصمت المهيمن وهي تستعيد حوادث يوم ثقيل .. حين حطّم الحسين شبح الموت .. ليرسم بدمائه الطريق . الطريق إلى جنان تجري من تحتها الأنهار ..
لم يبقى سوى صوت الرياح الملتهبة وهي تجوب الخيام المحترقة وتذري الرماد على الأجساد المرملة .. في محاولة بائسة أن تواريها بردائها المُصفرَّ . لتخفي وجوهاً صغيرة وتحميها من شر الأعداء .
هنا أنزل الليل ستاره على مسرح الملحمة المُنتصرة . تاركاً في القلوب الوحشة وحش الغربة وأما هي .. فقد خرجت تتعثر ببقايا خيام وأطراف أجساد محمرّةٍ وحجارة مُدمّاة تنبعث منها رائحة الموت . خرجت وقد تقمصها الذهول . فقدت امرأة من النساء .. تُرى أينكِ يارباب ..؟!
انساق إلى سمعها صوتُ لأهات محترقة وبكاء موجع .. رآت شبحاً أسود وسط الميدان .. كانت الرباب وقد صورت لها رضيعاً من التراب وضعتهُ في حجرها وراحت تناجيه .. تودُّ لو أن به رمقاً من الحياة .. رفعته .. ضمته .. قبلته . شمَّته . وهمست في آذنه عبد الله ياصغيري الحبيب
أجبني ..
لكن . تفجر الدم من بين حبات التراب المتراكمه إثر حركاتها وكانت جواب الطفل لها .. صرخت بصمتٍ حزين .. وبكت بلا دموع .. رفعت طرفها إلى العالم العلوي وراحت تناجي .. رباه .. وإليك المُشتكى ..!
عــاذل لا تـلـوم الگلـــب تـنــلام عليه امن المصايب ثگل تنلام
يا لها من ليلة مؤلمة مرت على بنات رسول الله (ص) بعد ذلك العز الشامخ الذي لم يفارقهن منذ أوجد الله كيانهن فلقد كن بالأمس في سرادق العظمة وأخبية الجلالة، وبقين في هذه الليلة في حلك دامس من فقد تلك الأنوار الساطعة. بين رحل منتهب، وخباء محترق، وحماة صرعى، لا محامي لهن، ولا كفيل، ولا يدرين من يدافع عنهن إذا دهمهن داهم. ومن يكسن فورة الفاقدات ويخفض من وجدهن.
قال البعض : في هذه الليلة، قامت الحوراء زينب (ع) بجمع العيال، والأطفال في مكان واحد، فلما جمعتهم أخذ الأطفال ينظر بعضهم إلى بعض ودموعهم تتحادر على الخدود، وأخذوا يسألون الحوراء زينب عن أهاليهم من الرجال هذه تنادي: عمه زينب أين أبي؟ وذاك ينادي: أين عمي؟ وأخر ينادي: عمة أين أخي؟ بماذا تجيبهم زينب؟ أتقول لهم إنهم صرعى على وجه الأرض؟ أم عندها جواب آخر؟ نعم قامت إليهم، فأخذت تضم الطفلة إلى صدرها لتهدئها عن البكاء والعويل، فإذا هدأت، أخذت الأخرى ضمتها إلى صدرها. وكأني بها في تلك اللحظات، لحظات اللوعة والألم، تلتفت إلى أبي عبد الله الحسين (ع).
خويه اتحيرت والله ابيتاماكمـا لاينحـمـل يحسـيـن فــرگاك
والمثل هذا الوكت ردناك
ولكنها لم تسمع من الحسين جوابا. وأنى له بالجواب، وقد فرق بين رأسه وجسده؟ ولهاذ حولت بوجهها إلى الغري شاكية لأبيها أمير المؤمنين (ع):
بـــويــــه عــلــيـــه الــلـــيـــل هــــــــود وانه حرمه غريبه او مالي أح
وابــــن والــــدي الـعـبــاس مــــارد خــلـــصـــوا هــــلــــي الله لــــحــــد
السيدة زينب(ع) تفتقد الرباب زوجة الإمام الحسين (ع)
لا أعرف ليلة أصعب من ليلة الحادي عشر من المحرم مرت على أطفال آل الرسول وبناتالزهراء
أمسوا ليلتهم، والحماة صرعى على وجه الأرض مجزرون، كالأضاحي، وأمسوا ليلتهم وهم بأيدي عدو ليس في قلبه رحمة، بحيث إذا بكت طفلة من أطفال الحسين (ع) أسكتوها بكعب الرمح، وبالسياط التي تتلوى على متنها، وهي تستغيث وتنادي: وا محمداه، ولا محمد لي اليوم، وا علياه ولاعلي لي اليوم، وا حسيناه ولا حسين لي اليوم، وا عباساه ولا عباس لياليوم.
وفي تلك الليلة افتقدت الحوراء زينب الرباب زوجة الحسين، فأخذت تبحث عنها بين النساء فلم تجدها، فنزلت إلى ساحة المعركة لعلها تجدها عند جسد الحسين (ع) فلما صارت قريبة من الجسد سمعت أنينا،وحنينا وقائلة تقول: بني عبد الله! صدري أوجعني، وثدياي درّا. فعرفت زينب أنها الرباب قال: رباب ما الذي جاء بك إلى هنا؟ قالت: يا بنت رسول الله انه لما أباح لنا القوم الماء در للبن في صدري فجئت لأرضع ولدي.
وفي تلك اللحظات اغتنمت السيدة زينب الفرصة لتعبر عن آلامها ومصائبها، وبث شكواها إلى أخيها الحسين (ع) وكأني:
مـــــــــــــن أي رزءٍ أشــــتــــكـــــي ومـــصـــيــــبــــةٍفــــراقُــــك أم هــتـــكـــي وذُلّــــــــي وغـــربـــتـــي
أم الجسم مرضوضا أم الشيبُ قانياأم الـــــــرأسُ مــرفـــوعـــا كــــبــــدر الــدجـــنـــ
قال الشيخ أسد حيدر (ره):
توجهت ـ زينب ـ إلى مصرع أخيها الحسين (ع) فأكبت على جسده الطاهر وهي تحاول موضعا يسمح لها بتقبيله لكثرة النبال وجمود الدم على جسده الطاهر فلم تجد، وأخذت تخاطبه بحرارة:
أمسى المسه يحسيـن وحـدياو متحيره ويدي اعلى خدي
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صلى على محمد وآل محمد وعجل فرحهم وألعن أعدائهم
اخي الفاضل مشرق الشلبي شكرا على عطر مرورك نورت صفحتي
بارك الله بك ولك وزادك اشراق بنور محمد واهل بيته عليهم افضل الصلاة والسلام