من أعماق عاشوراء (3)
إننا لو كنّا فعلاً بسوية أصحاب الحسين (ع) لكنا بلا شك معهم ولكن لا أحد يستطيع أن يعيَ أو يدرك مكانة هؤلاء النخبة فقد وصلوا إلى مرتِبةٍ بحيث أن جبرئيل قال للنبي إن الله تعالى بنفسِه يقبَض أرواحهم ! وليس ملَك الموت ! وهاكم رواية من مصادر عامة المسلمين صححها كبار علمائهم ، تدل على أنَّ قضية الحسين أعظمُ من كل ما ذكرناه .
قال ابن عباس : رأيت رسول الله في المنام نصفَ النهار أشعثَ أغبرَ، معه قارورة فيها دم، فقلت بأبي وأمي يا رسول الله ما هذا؟ قال: هذا دمُ الحسينِ وأصحابِه لم أزل التقطْه منذ اليوم ! (وفي رواية ابن الأثير قول رسول الله : هذه دماء الحسين وأصحابه أرفعها إلى الله تعالى.)
ليت من نقلوا هذا الحديث توقفوا عند معنى العبارة الأخيرة (قال النبي: أرفعُها إلى الله تعالى)! يعني أن هذه الدماء لا تذهب إلى الجنة، فمكانها أرفعُ من ذلك! دمُ الحسين، ومعه دمُ قمر بني هاشم، ودم علي الأكبر، ودم القاسمِ، وبقيةُ الأنصار، لا بد أن يسلمَها النبيُّ إلى حيث تصل إلى خالقها عزّ وجلّ الذي هو مبدأ الوجودِ والخلقِ ! فما معنى ذلك؟... هنا تتفسخ الكلمات وتكبو العقول!! ولكنْ خلاصةُ معناه أنّ النبي يقول لنا: أيُّها البشر، إن الشجرةَ التي غرستُها ببِعثتي إليكم، قد أزهرت وأثمرت، وها أنا أجمعُ زهورَها وثمارَها لأسلمَها إلى الله تعالى! هؤلاء همُ الحسينُ وأصحابُه، وإذا أردنا أن نكون معهم فعلاً، بل من المجاهدين بين يديّ الرسول الأعظم ، علينا أن نعقل ونفهم ونعرف إمام زماننا. فقد ورد (عن على بن الحسين (ع) أنه قال: تمتد الغَيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله وسلم والأئمة بعده، إنَّ أهل زمان غيبته القائلون بإمامته المنتظرون لظهوره افضلُ أهل كل زمان لان الله تعالى ذكره أعطاهم من العقول والإفهام والمعرفة ما صارت به الغَيبة عندهم بمنزله المشاهدة وجعلهم في ذلك الزمان بمنزله المجاهدين بين يدي رسول الله وسلم بالسيف أولئك المخلصون حقا وشيعتنا صدقا والدعاة إلى دين الله سرا وجهرا).
ليسأل كلٌّ منا نفسه هذا السؤال ، هل غَيبةُ الإمام عندي بمنزلة مشاهدته؟
فمن كان جوابه نعم، فطوبى له وحسنُ مآب، ومن كان جوابه لا فليبادر ببذل الغالي والرخيص لمعرفة إمام زمانه والسعي للوصول إليه والمثول بين يديه ونصرته، بل وخدمته، فإن صادق أهلَ البيت (ع) يقول عن حفيده الحجة بن الحسن (ع) – ولِنَعيَ تماماً ما يقول:« لو أدركتُه لخَدَمتُه أيّامَ حياتي ». فيالها من مكانة عظيمة تلك التي لمولانا صاحب الأمر (ع)حتى أن مولانا الصادق (ع) يتمنى خدمته. فما حالنا نحن المساكينُ، ونحن غافلون عن إمامنا بل نتعامل معه بقمة النُّكران والنِّسيان، فكيف نرضى أنْ يكونَ إمامُنا مظلوم بيننا ونحن ندافع باستماتة عن مظلومية جده الحسينِ (ع)؟ !.
أيُّها الإخوة لقد قال رسول الله : أشد من يتُمِ اليتيمِ الذي انقطع مِن اُمّهِ وأبيهِ يُتمُ يتيمٍ انقطع عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه ولا يدري كيف حكمه فيما يَبتلي به من شرائع دينه، ألا فمن كان من شيعتنا عالماً بعلومنا، وهذا الجاهلُ بشريعتنا المنقطعُ عن مشاهدتنا يتيمٌ في حِجْرِه، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا كان معنا في الرّفيق الأعلى.
فكلنا يتامى آل محمد، وبلا شك ولا ريب فإن بقية الله أرواحنا له الفداء يحوط الجميع بعنايته ورعايته ويلتقي بالكثيرين من العرفاء والمؤمنين المخلصين وأصحاب الحاجات في زمن الغَيبة الكبرى دون أن يدعيَ أحد النيابة عنه، وقصصُ ذلك أكثرُ من أن تحصر. فعلينا بالسعي الحثيث الدؤوب وراء من يصِلنا به، ويعرِفنا عليه المعرفة الصحيحة التي تمرّ عبر تزكية أنفسنا وتخليصها من كل الشوائب كي يشرق فيها نور الحجة (ع) لا أن نكتفي كما يحدث عادة بالكلام في علامات الظهور، فإن المنتظر لظهور الإمام بقصد القربة لا يستعجل الظهور. وقد قال الصادق (ع) اعْرِفْ إِمَامَكَ فَإِنَّكَ إِذَا عَرَفْتَ لَمْ يَضُرَّكَ تَقَدَّمَ هَذَا الأمْرُ أَوْ تَأَخَّرَ.
أيُّها الأحبة إذا أردتم أن تعرّفوا الناس على الله عزّ وجلّ، فعرفوهم على وليِّه وحجتِه وبابِ معرفته والسبب المتصل بين الأرض والسماء، الإمام صاحب الزمان أرواحنا فداه. وأينما عقدتم مجلساً، فنوروا مجلسكم بذكره واسمه الشريف، وافتتحوا مجلسكم بزيارة آل ياسين المعروفة واختتموه بدعاء الفرَج. فمعرفة الله تعالى لا يمكن أن تحصل إلا عن طريق معرفتهم صلوات الله عليهم لأنهم آيات الله العظمى ومثله الأعلى وكلماته التامات. والله تعالى يقول: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ. وصاحب الزمان هو حجةُ الله علينا، وهو متخلق بأخلاق الله تعالى، فلا يمكن أنْ نذكرَه ولا يذكرَنا ويفيضَ علينا من الهداية إلى صراط الله المستقيم في خضمِّ مضلات الفتن التي نواجهها كلَّ يوم.
وتوجد رواية من غرر الروايات في وصف الإمام المهدي (ع) أحببت أن أنقلها لكم ، يقول الحسنُ بن محبوب – وهو من كبار علماء الطائفة وثُقاتهم - قال لي الإمام الرضا (ع) لابد من فتنة صماءَ صيلم تسقط فيها كل بطانة ووليجة، ) والفتنة الصمّاءُ الصيلم هو تعبير عن أقسى درجات الشدة حيث يسقط فيها حملة الأسرار ويَهلَك فيها الخواص (وذلك عند فُقدان الشيعة الثالث من وُلْدي، يبكي عليه أهل السماء وأهل الأرض، وكل حرَّى وحران، وكل حزين لهفان ثم يقول الرضا (ع): بأبي وأمي سميُّ جدي، شبيهي وشبيه موسى بنِ عمران، عليه جُيوب النور تتوقد بِشُعاعِ ضياء القدس)! فالإمام الرضا شرط كلمة التوحيد هو الذي يتكلم عن حفيده! فأيُّ جيوب تتوقد على الإمام الحجة ؟....إنّ طياتِ عَباءَتِهِ وثيابِهِ، لشدة نوره تتوقد، لا من النور العادي، بل من شُعاع ضِياء القدس! وابحثوا عن التوقد في آية النور "يوقد من شجرة مباركة زيتونة لا شرقية ولاغربية يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار نور على نور" فإلى أي مرتبة وصل الإمام في اتصاله وارتباطه الرُوحي بنور أنوارِ الوجود الذي هو " الله نور السموات والأرض"، حتى صارت رُوحَهُ نورانية ومتشعشعة إلى هذا الحد! بحيث يخترق شعاعُ النور بدنَه الشريف، ويتخللُ أكمامَه وثيابَه وملابسَه ويسطعُ ويشع على العالم كلِّه؟! ومن هنا يفتح الباب لمعاني دعاء العهد (اللهم ربّ النور العظيم).
إنه أرواحنا له الفداء مدار الدهر وناموس العصر.. وطريق الوصول إليه صلوات الله عليه للخلاص في هذا العالم المليء بالصعاب والفتن منحصر بشرطين :
أولهما: التقوى وتكون من كل إنسان بحسبه، فالقرآن هدىً للمتقين، والإمام عدل القرآن فهو هدىً للمتقين.
والشرط الثاني: التمسك بأهل بيت العصمة والطهارة .
ولكي تكونوا مشمولين بعناية ورعاية الإمام الحجة بن الحسن (ع):
لا تنسَوا ظلامة أمه الصدّيقةِ الكبرى فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام، لأن الإمام يذكرها صباحاً ومساء ويتألم لها ويذوب لها فؤاده، فقد هجموا على بيتها نهاراً جهاراً، وأوصت أن يدفنوها ليلاً وسراً.
وحافظوا على إحياء عاشوراء وحافظوا على مقام سيد الشهداء عليه الصلاة والسلام لأن صاحب الأمر أرواحُنا له الفداء يشهد أيضاً أحداثَ عاشوراءَ كلَّ صباحٍ ومساء! فهذه هي حياته! وهذا هو امتحانه وصبره، فقميص جده سيدُ الشهداء معلقٌ في صدر الدار التي يقطنها بحيث يشهد فيها كلَّ يوم منظر القميص! وهذا القميص سيبقى على تلك الحال حتى يرى تجدد دمائه ونبوعَها منه فيعلم أن ساعة ظهوره قد حانت!.
اللهم صل على محمد وآل محمد ...اللهم كن لوليك الحجة بن الحسن صلواتك عليه وعلى آبائه في هذه الساعة وفي كل ساعة ولياً وحافظاً وقائداً وناصراً ودليلاً وعيناً حتى تسكنه أرضك طوعاً وتمتعه فيها طويلاً برحمتك يا أرحم الراحمين.
عظم الله أجوركم،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
============================
انتهى الموضوع .
إلى روح أموات الأستاذ ( أبو زهراء الدمشقي ) الفاتحة ...