اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
حزن الأمام الرابع زين العابدين ()
قد شهد الأمام علي بن الحسين () زين العابدين وسيد الساجدين مصرع أبيه وأخوته وبني عمه وأصحاب أبيه وغيرهم وتجرع الغصص والغم والألم من هذه المشاهد المفجعة. ثم قاسى مرارة الأسر ولم تنقطع عبرته على ذلك مادام حياً.
من كتاب (زين العابدين) تأليف عبد العزيز سيد الأهل ما عبارته عند ذكر ورع الإمام: (بل كان كلما جاء وقت الطعام وفتحت مصاريع الأبواب للناس ووضع طعامه بين يديه دمعت عيناه. فقال له أحد مواليه ذات مرة: يا ابن رسول الله، أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فقال له زين العابدين: ويحك أن يعقوب () كان له اثنا عشر ابناً فغيب الله واحدا منهم فابيضت عيناه من الحزن وكان ابنه يوسف حياً في الدنيا. وأنا نظرت إلى أبي، وأخي وعمي، وسبعة عشر من أهل بيتي، وقوماً من أنصار أبي مصرعين حولي، فكيف ينقضي حزني؟..).
- روي ابن قولويه في (الكامل) بسنده قال: (أشرف مولى لعلي بن الحسين وهو في سقيفة له ساجد يبكي فقال له:
(يا علي بن الحسين، أما آن لحزنك أن ينقضي؟ فرفع رأسه إليه. فقال: ويلك أما والله لقد شكا يعقوب إلى ربه من أقل مما رأيت، حين قال: يا أسفاً على يوسف. وإنه واحداً وأنا رأيت أبي وجماعة من أهل بيتي يذبحون حولي).
3- وروى أيضاً كما في (أعيان الشيعة) أن الإمام علي بن الحسين بكى حتى خيف على عينيه. وكان إذا أخذ ماء بكى حتى يملأها دماً. فقيل له في ذلك، فقال: كيف لا أبكي وقد منع أبي من الماء الذي كان مطلقاً للسباع والوحوش. وقيل له: أنك لتبكي دهرك، فلو قتلت نفسك لما زدت على هذا. فقال: نفسي قتلتها وعليها أبكي.
نقل كتاب (إقناع اللائم) رواية عن ابن قولويه في كامله بسند معتبر عن أبي عبد الله جعفر الصادق () (إنه قال: ما اختضبت منا امرأة، ولا أدهنت، ولا اكتحلت، ولا رجلت حتى أتانا رأس عبيد الله بن زياد. وما زلنا في عبرة بعده. وكان جدي علي بن الحسين () إذا ذكره بكى حتى تملأ عيناه لحيته، وحتى يبكي لبكائه رحمة له من رآه، وإن الملائكة الذين عند قبره ليبكون فيبكي لبكائهم كل من في الهواء والسماء من الملائكة...) إلى أن قال (): (وما من عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه وما من باك يبكيه إلا وقد وصل فاطمة وأسعدها عليه، ووصل رسول الله () وأدى حقنا. وما من عبد يحشر إلا وعيناه باكية إلا الباكي على جدي، فإنه يحشر وعينيه قريرة، والبشارة تلقاه والسرور على وجهه).
وفي (إقناع اللائم) أيضاً برواية عن ابن شهر أشوب في مناقبه عن الإمام الصادق () إنه قال: (عاش على بن الحسين أربعين سنة وما وضع طعام بين يديه إلا وبكى، حتى قال له مولى له: جعلت فداك، يا ابن رسول الله، إني أخاف أن تكون من الهالكين، قال ()، إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون. إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني العبرة...).
(وعن الصادق () إنه بكى على أبيه الحسين أربعين سنة، صائماً نهاره، قائماً ليله، فإذا أحضر الإفطار وجاء غلامه بطعامه وشرابه فيضعه بين يديه، فيقول: كل يا مولاي. فيقول: قتل ابن رسول الله جائعاً. قتل ابن رسول الله عطشاناً، فلا يزال يكرر ذلك ويبكي حتى يبل طعامه من دموعه، ثم يمزج شرابه بدموعه. فلم يزل كذلك حتى لحق بالله عز وجل).
(قال الصادق (): البكاءون خمسة، آدم، ويعقوب، ويوسف، وفاطمة بنت محمد، وعلي بن الحسين ـ إلى أن يقول (): وأما علي بن الحسين (عليهما السلام) فبكى على أبيه الحسين أربعين سنة، وما وضع طعام بين يديه إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك، يا ابن رسول الله، أني أخاف عليك أن تكون من الهالكين. قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله مالا تعلمون. أني لم أذكر مصرع ابن فاطمة إلا خنقتني العبرة).
(روى إنه كان إذ أحضر الطعام لإفطاره ذكر قتلاه وقال: واكرباه، يكرر ذلك. ويقول: قتل ابن رسول الله خائفاً. قتل ابن رسول الله عطشاناً حتى يبل بالدموع ثيابه. وحدث مولى له، أنه مر يوماً إلى الصحراء قال: فتعقبته فوجدته قد سجد على حجارة خشنة. وقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه وأحصيت عليه ألف مرة وهو يقول: لا إله ألا الله حقاً حقا. لا إله إلا الله تعبداً ورقاً. لا إله إلا الله إيماناً وتصديقاً. ثم رفع رأسه من سجوده وإذا لحيته ووجه قد غمرا بالماء من دموع عينه. فقلت: يا سيدي، أما آن لحزنك أن ينقضي،ولبكائك أن يقل؟ فقال لي:ويحك..) إلى آخر القصة التي مر ذكرها.
شعر الإمام زين العابدين هذه الأبيات:
نـحــن بـنــوا الــمـصـطفى ذو غصص يـجـرعـهـــا فـــي الأنـــام كــاظـمـنـــــا
(روى عن علي بن إبراهيم في تفسيره، وابن قولويه في الكامل، والصدوق في ثواب الأعمال بأسانيدهم: إن الإمام الخامس الباقر () قال: كان علي بن الحسين يقول: أيما مؤمن دمعت عينيه لقتل الحسين بن علي دمعة حتى تسيل على خده لأذى مسنا من عدونا في الدنيا بوأه الله مبوأ صدق في الجنة...).
11- وروى في الكامل بسنده عن أبي جعفر الصادق () قال (كان علي بن الحسين يقول من ذكر الحسين عنده فخرج من عينه من الدمع مقدار جناح ذباب كان ثوابه على الله عز وجل ولم يرض له بدون الجنة..).