اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
بما أننا على ضفاف وفاة الإمام الحسن كريم آل محمد
نستعرض بعض من الأحداث في عصره
بيعة المهاجرين والأنصار للإمام الحسن
بعد شهادة أمير المؤمنين أفاقت الأمة على خسارتها التي لاتعوَّض ، ووجدت نفسها تحتضن بحبات قلوبها بقية عترة نبيها الحسن والحسين عليهما السلام ، فبادرت الى بيعة الإمام الحسن كبير السبطين ، والإمام بنص جده وأبيه .
قال الطبري في تاريخه:4/121: ( ذكر بيعة الحسن بن علي . وفي هذه السنة أعني سنة أربعين بويع للحسن بن علي بالخلافة ، وقيل إن أول من بايعه قيس بن سعد قال له: أبسط يدك أبايعك على كتاب الله عز وجل وسنة نبيه وقتال المحلين فقال له الحسن: على كتاب الله وسنة نبيه فإن ذلك يأتي من وراء كل شرط ، فبايعه وسكت ، وبايعه الناس ). انتهى.
وقال اليعقوبي:2/214: ( واجتمع الناس فبايعوا الحسن بن علي ، وخرج الحسن بن علي إلى المسجد الجامع فخطب خطبة له طويلة ، ودعا بعبد الرحمن بن ملجم فقال عبد الرحمن: ما الذي أمرك به أبوك ؟ قال: أمرني ألا أقتل غير قاتله وأن أشبع بطنك وأنعم وطاءك ، فإن عاش اقتص أو عفى ، وإن مات ألحقنك به . فقال ابن ملجم: إن كان أبوك ليقول الحق ويقضي به في حال الغضب والرضى ، فضربه الحسن بالسيف فالتقاه بيده فندرت ، وقتله).
وفي مقاتل الطالبيين/32: (خطب الحسن بعد وفاة أمير المؤمنين فقال: (قد قبض في هذه الليلة رجل لم يَسبقه الأولون ولا يُدركه الآخرون بعمل . لقد كان يجاهد مع رسول الله فيقيه بنفسه ، ولقد كان يوجهه برايته فيكنفه جبرائيل عن يمينه وميكائيل عن يساره ، فلا يرجع حتى يفتح الله عليه . ولقد توفي في الليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم والتي توفي فيها يوشع بن نون ، وما خلَّف صفراء ولا بيضاء إلا سبعمائة درهم من عطائه أراد أن يبتاع بها خادماً لأهله . ثم خنقته العبرة فبكى وبكى الناس معه . ثم قال:
أيها الناس ، من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا الحسن بن محمد رسول الله ، أنا ابن البشير ، أنا ابن النذير ، أنا ابن الداعي إلى الله بإذنه والسراج المنير ، أنا من أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً ، والذين افترض الله مودتهم في كتابه إذ يقول: وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْناً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ ، فاقتراف الحسنة مودتنا أهل البيت .
فلما انتهى إلى هذا الموضع من الخطبة قام عبد الله بن العباس بين يديه ، فدعا الناس إلى بيعته فاستجابوا وقالوا: ما أحبه إلينا وأحقه بالخلافة ! فبايعوه ، ثم نزل من المنبر) . ( وشرح النهج:16/30 ، ونهج السعادة:8/507)
أقول: عقيدتنا نحن الشيعة أن إمامة أئمة العترة النبوية إنما هي بالنص لا بالبيعة ، فالبيعة اعترافٌ بحق فرضه الله ورسوله وليست إنشاءً لهذا الحق ، نعم تجب البيعة إذا طلبها النبي أو الإمام المعصوم .
والمقطوعة المتقدمة فقرة من أول خطبة خطبها الإمام الحسن بعد شهادة أمير المؤمنين عليهما السلام ، وقد نصَّ المحدثون والمؤرخون كما رأيت في اليعقوبي على أنها طويلة ، لكن الرواة لم ينقلوا منها إلا قليلاً ، كعادتهم في أكثر الخطب والأحاديث الصريحة التي تبين مقام أهل البيت وظلامتهم ! حيث كانوا وما زالوا يخافون غضب بني أمية وأتباعهم إن رووها ! (قال عمر بن ثابت: كنت أختلف إلى أبي إسحاق السبيعي أسأله عن الخطبة التي خطب بها الحسن بن علي عقيب وفاة أبيه ولا يحدثني بها ، فدخلت إليه في يوم شاتٍ وهو في الشمس وعليه برنسة فكأنه غول ، فقال لي من أنت ؟ فأخبرته فبكى وقال: كيف أبوك وكيف أهلك؟ قلت: صالحون ، قال: في أي شئ تتردد منذ سنة؟ قلت: في خطبة الحسن بن علي بعد وفاة أبيه فقال: حدثني هبيرة بن مريم قال: خطب الحسن...) (شرح النهج:16/30) . ولكن تعب ابن ثابت ذهب سدىً ! فلم يزد له السبيعي على ما تقدم منها ، لأنه يخاف أن يتهم بالرفض !!
وتدل الفقرات التي وصلت الينا على أن الإمام الحسن بيَّن في خطبته مكانة أمير المؤمنين وأهل البيت ، وكشف جانباً من مؤامرة قبائل قريش عليهم ، وحذَّر من الفتنة الأموية على الإسلام ، ودعا المسلمين مجدداً الى جهادهم ، مؤكداً خط أبيه أمير المؤمنين وجهوده لإعادة العهد النبوي .
ويظهر أن شهادة أمير المؤمنين وخطبة الإمام الحسن كان لهما تأثير عميق على المسلمين وأن كانت بيعتهم له كانت بالإجماع: راجع من مصادرنا: شرح إحقاق الحق 4/416، و:19/348، و24/118، و:33/18، والدر النظيم/507، والبحار:44/21، وبشارة المصطفى/369 . ورواها من مصادر السنة بنحو ما تقدم: الطبراني في الأوسط:3/87 ، والحاكم:3/172، وينابيع المودة:1/74، و:3:363 وشرح النهج:16/30 ،كما روت عامة مصادرهم الفقرة الأولى منها، كالطبراني في الكبير:3/80 وابن سعد في الطبقات:3/38 ، وابن حنبل في مسنده:1/199 ، و548 وفضائل الصحابة:1/548 ، والنسائي في السنن الكبرى: 5/112 ، وأبو يعلى في مسنده:6/169 ، وابن حبان في صحيحه:9/45) .