اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
دعاؤه وشكواه الى ربه عندما كذبه أهل الطائف
ذهب النبي وحده الى الطائف ، بعد وفاة عمه وناصره وحاميه أبي طالب ، وبقي فيها عشرة أيام ، والتقى بزعمائها من قريش وثقيف ودعاهم الى الإسلام ، فكذبوه ولم يقبلوا منه ، فرجع ميؤوساً ، ووجهوا اليه غلمانهم وصبيانهم يرمونه بالحصى ، فآوى الى ظل شجرة عنب وقال: (اللهم إني أشكو إليك ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس . أنت أرحم الراحمين أنت رب المستضعفين وأنت ربي . إلى من تكلني ، إلى بعيد يتجهمني ، أو إلى عدو ملكته أمري؟ إن لم يكن بك عليَّ غضبٌ فلا أبالي ولكن عافيتك هي أوسع لي . أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمرالدنيا والآخرة ، من أن ينزل بي غضبك ، أو يَحِلَّ عليَّ سُخْطك ، لك العُتْبى حتى ترضى ، ولاحول ولاقوة إلا بك).(مصباح المتهجد:149 ، والبحار:19/22، وابن هشام:2/285 ، وتاريخ الطبري:2/81) .
دعاؤه عندما كذبه أبو جهل وفراعنة قريش
(اللهم أنت السامعُ لكلِّ صوت ، والعالم بكلَّ شئ ، تَعْلَمُ ما قاله عبادك).
ذات يوم ، اجتمع بمكة بفناء الكعبة جماعة من فراعنة قريش: ( منهم الوليد بن المغيرة المخزومي ، وأبو البختري بن هشام ، وأبو جهل والعاص بن وائل السهمي ، وعبد الله بن أبي أمية المخزومي ، وكان معهم جمع ممن يليهم كثير ، ورسول الله ’ في نفر من أصحابه يقرأ عليهم كتاب الله ، ويؤدي إليهم عن الله أمره ونهيه . فقال المشركون بعضهم لبعض: لقد استفحل أمر محمد وعظم خطبه ، فتعالوا نبدأ بتقريعه وتبكيته وتوبيخه ، والإحتجاج عليه وإبطال ما جاء به ، ليهون خطبه على أصحابه ويصغر قدره عندهم ، فلعله ينزع عما هو فيه من غيه وباطله وتمرده وطغيانه ، فإن انتهى وإلا عاملناه بالسيف .
قال أبو جهل: فمن ذا الذي يلي كلامه ومجادلته؟ قال عبد الله بن أبي أمية المخزومي: أنا إلى ذلك أفما ترضاني له قرناً حسيباً ومجادلاً كفيّاً؟ قال أبو جهل: بلى ، فأتوه بأجمعهم فابتدأ عبد الله بن أبي أمية المخزومي فقال: يا محمد لقد ادعيت دعوى عظيمة وقلت مقالاً هائلاً ، زعمت أنك رسول الله رب العالمين ، وما ينبغي لرب العالمين وخالق الخلق أجمعين ، أن يكون مثلك رسوله ، بشر مثلنا تأكل كما نأكل وتشرب كما نشرب ، وتمشي في الأسواق كما نمشي ، فهذا ملك الروم وهذا ملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلا كثير المال عظيم الحال ، له قصور ودور وفساطيط وخيام وعبيد وخدام ، ورب العالمين فوق هؤلاء كلهم فهم عبيده ، ولو كنت نبياً لكان معك ملك يصدقك ونشاهده ، بل لو أراد الله أن يبعث إلينا نبياً لكان إنما يبعث إلينا ملكاً لا بشراً مثلنا ، ما أنت يا محمد إلا رجل مسحور ولست بنبي !
فقال رسول الله: هل بقي من كلامك شئ؟
قال: بلى ، لو أراد الله أن يبعث إلينا رسولاً لبعث أجلَّ من فيما بيننا أكثره مالاً وأحسنه حالاً ، فهلا أنزل هذا القرآن الذي تزعم أن الله أنزله عليك وابتعثك به رسولاً على رجل من القريتين عظيم ، إما الوليد بن المغيرة بمكة وإما عروة بن مسعود الثقفي بالطائف !
فقال رسول الله: هل بقي من كلامك شئ يا عبد الله؟
فقال: بلى ، لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً بمكة هذه ، فإنها ذات أحجار وعروة وجبال ، تكسح أرضها وتحفرها وتجري فيها العيون ، فإننا إلى ذلك محتاجون أو تكون لك جنة من نخيل وعنب فتأكل منها وتطعمنا فتفجر الأنهار خلال تلك النخيل والأعناب تفجيراً ، أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً ، فإنك قلت لنا: وإن يروا كسفا من السماء ساقطاً يقولوا سحاب مركوم ، فلعلنا نقول ذلك . ثم قال: أو تأتي بالله والملائكة قبيلاً ، تأتي به وبهم وهم لنا مقابلون ، أو يكون لك بيت من زخرف تعطينا منه وتغنينا به فلعلنا نطغى ، وأنك قلت لنا: كلا إن الإنسان ليطغى إن رآه استغنى . ثم قال: أو ترقى في السماء أي تصعد في السماء ولن نؤمن لرقيك أي لصعودك حتى تنزل علينا كتاباً نقرؤه:
من الله العزيز الحكيم إلى عبد الله بن أبي أمية المخزومي ومن معه بأن آمنوا بمحمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، فإنه رسولي وصدقوه في مقاله إنه من عندي ، ثم لا أدري يا محمد إذا فعلت هذا كله أؤمن بك أو لا أؤمن بك ، بل لو رفعتنا إلى السماء وفتحت أبوابها وأدخلتناها لقلنا إنما سكرت أبصارنا وسحرتنا ! فقال رسول الله : يا عبد الله أبقي شئ من كلامك؟ قال: يا محمد أوليس فيما أوردته عليك كفاية وبلاغ ، ما بقي شئ فقل ما بدا لك وأفصح عن نفسك إن كان لك حجة ، وأتنا بما سألناك به.
فقال: اللهم أنت السامع لكل صوت ، والعالم بكل شئ ، تعلم ما قاله عبادك... فأنزل الله عليه: وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرض يَنْبُوعًا . أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا . أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِىَ بِاللهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولاً.(الإسراء:90-93).
فقرأها عليهم وقال: يا عبد الله أما ما ذكرت من أني آكل الطعام كما تأكلون ، وزعمت أنه لا يجوز لأجل هذه أن أكون لله رسولاً ، فإنما الأمر لله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد ، وهو محمود ، ليس لك ولا لأحد الإعتراض عليه.... وأما قولك: إن هذا ملك الروم وملك الفرس لا يبعثان رسولاً إلا كثير المال ، فإن الله له التدبير والحكم ، لا يفعل على ظنك وحسابك واقتراحك ، بل يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد... وأما قولك: لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم.. فإن الله ليس يستعظم مال الدنيا كما تستعظمه أنت....وهل رأيت طبيباً يداوي المرضى على حسب اقتراحهم).
(الإحتجاج:1/28 ، وتفسير الإمام العسكري/501 والبيان للسيد الخوئي/506 ، وهو طويل ذكرنا خلاصته ).
ونلاحظ أنه’ لم يقترح على ربه تعالى أن يجيبهم ، بل مجَّده وعظَّمه ودعاه ، وشكى اليه بأسلوب نبوي .