اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الغصن الهزيل
خرجت من بيتها هائمة على وجهها, لا تعرف أين تذهب والى من تتجه, كعطشان قتله الظمأ بفقده جراب مائه، وظل طريقه بفقده دليله.
شعرت وهي في وضعها المزري ذاك، كأنها وسط غابة كثيفة مخيفة متشابكة الأغصان لا يمكن للضوء الوصول إليها أو النفوذ منها. والسماء فوق رأسها متجهمة عبوس قمطريرا، تحاول التخلص من جنينها لتقذفه حمما ونارا.
واصلت طريقها وسط الجموع المتجمهرة، والحشود الغاضبة، فازدادت غربتها وازدادت وحشتها. وجرفها التيار الثائر والسيل الهادر، فصمت أذنيها أصوات المتجمهرين وهتافات المعتصمين، ففقدت تركيزها وثقل سمعهما، كأنما سرقت منها أذنيها.
كبرت مصيبتها مع دخول الليل، وانتشار لحافه الشتوي الثقيل الممتد عبر الأفق. تتطلع لوجوه الناس حولها، وتنصت لأصواتهم بصعوبة، كمن يبحث عن ضالة قي كومة قش.
ضنها البعض دسيسة، فحاولوا ردعها وطردها. واستهجن أسلوبها آخرون، فحاولوا التهجم عليها والفتك بها، لتدخلها في شئونهم واقتحامها خصوصيتهم. لكن كبر سنها وبؤس حالها غفر لها عندهم، فتركوها في حالها تفعل ما تشاء.
كانت لا تتردد من إدخال رأسها حتى في خرم إبرة، بحثا عن شيء ما. وبقيت هكذا حتى تمكنت من رمي شباكها على لاقطة احد المذيعات، كعنكبوت جائعة تلتف على حشرة ضالة.
أخذت تسرد قصتها وهي تبكي بكاء مرا، وتقلب مواجعها جروحا وحروقا. أنا لا علم لي بما تقومون به هنا، ولا افقه مما يجري حولي شيئا. أنا عجوز عقيم أكل علي الزمان وشرب, شجرة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار.
قطعت جذوري، فلا أب يرعاني ولا أم تحن علي. ومال جداري وقارب على السقوط، بعد موت بعلي وخفوت صوته. سقطت أوراقي وفقدت معظم غصوني، أما بموتهم في ظروف مختلفة، أو هجرتهم بحثا عن لقمة العيش.
لم يبقى لي إلا غصنا هزيلا صغيرا، أتطلع لمستقبل أفضل من خلاله، لكني فقدته مع انطلاق ثورتكم هذه.
يقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية