اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
استتار ولادة المهدي
وأقول : إن استتار ولادة المهدي بن الحسن بن علي عن جمهور أهله وغيرهم ، وخفاء ذلك عليهم ، واستمرار استتاره عنهم ليس بخارج عن العرف ، ولا مخالفا لحكم العادات ، بل العلم محيط بتمام مثله في أولاد الملوك والسوقه ، لاسباب تقتضيه لا شبهة فيها على العقلاء .
فمنها : أن يكون للانسان ولد من جارية قد أستر تملكها من زوجته وأهله ، فتحمل منه فيخفي ذلك عن كل من يشفق منه أن يذكره ويستره عمن لا يامن إذاعة الخبر به ، لئلا يفسد الامر عليه مع زوجته باهلها وانصارها ، ويتم الفساد به ضرر عليه يضف عن دفاعه عنه ، وينشؤ الولد وليس أحد من أهل الرجل وبني عمه وإخوانه وأصدقائه يعرفه ، ويمر على ذلك إلى أن يزول خوفه من الاخبار عنه ، فيعرف به إذ ذاك .
وربما تم ذلك إلى أن تحضره وفاته ، فيعرف به عند حضورها ، تحرجا من تضييع نسبه ، وإيثارا لوصوله إلى مستحقه من ميراثه .
وقد يولد للملك ولد لا يؤذن به حتى ينشؤ ويترعرع ، فإن رآه على الصورة التي تعجبه . . وقد ذكر الناس ذلك عن جماعة من ملوك الفرس والروم والهند في الدولتين معا ، فسطروا أخبارهم في ذلك ، وأثبتوا قصة كيخسرو بن سياوخش بن كيقاوس ملك الفرس ، الذي جمع ملك بابل والمشرق ،
وما كان من ستر أمه حملها وإخفاء ولادتها لكي خسرو ، وأمه هذه المسماة بوسفا فريد بنت فراسياب ملك الترك ، فخفي أمره مع الجد كان من كيقاوس - جده الملك الاعظم في البحث عن أمره والطلب له ، فلم يظفر بذلك حينا طويلا . والخبر بامره مشهور ، وسبب ستره وإخفاء شخصه معروف ، قد ذكره علماء الفرس ، وأثبته محمد بن جرير الطبري في كتابه التاريخ وهو نظير لما أنكره الخصوم في خفاء أمر ولد الحسن بن علي عليهما السلام ، واستتار شخصه ، ووجوده وولادته ، بل ذلك أعجب .
ومن الناس كل من يستر ولده عن أهله مخافة شنعتهم في حقه وطمعهم في ميراثه ما لم يكن له ولد ، فلا يزال مستورا حتى يتمكن من إظهاره على أمان منه عليه ممن سميناه .
ومنهم من يستر ذلك ليرغب في العقد له من لا يؤثر مناكحة صاحب الولد من الناس ، فيتتم له في ستر ولده وإخفاء شخصه وأمره ، والتظاهر بانه لم يتعرض بنكاح من قبل ولا له ولد من حرة ولا أمة ، وقد شاهدنا من فعل ذلك ، والخبر عن النساء به أظهر منه عن الرجال .
واشتهر من الملوك من ستر ولد لاخفاء شخصه من رعيته لضرب من التدبير ، في إقامة خليفة له ، وامتحان جنده بذلك في طاعته ، إذ كانوا يرون انه لا يجوز في التدبير استخلاف من ليس له بنسيب مع وجود ولده ثم يظهر بعد ذلك أمر الولد عند التمكن من اظهاره برضى القوم ، وصرف الامر عن الولد إلى غيره ، أو لعزل مستخلف عن المقام ، على وجه ينتظم للملك أمور لم يكن يتمكن من التدبير الذي كان منه على ما شرحناه .
وغير ذلك مما يكثر تعداده من اسباب ستر الاولاد وإظهار موتهم ، واستتار الملوك أنفسهم ، والارجاف بوفاتهم ، وامتحان رعاياهم بذلك ، وأغراض لهم معروفة قد جرت من المسلمين بالعمل عليها العادات .
وكم وجدنا من نسيب ثبت بعد موت أبيه بدهر طويل ، ولم يكن أحد من الخلق يعرفه بذلك حتى شهد له بذلك رجلان مسلمان ، وذلك لداع دعا الاب إلى ستر ولادته عن كل أحد من قريب وبعيد ، إلا من شهد
به من بعد عليه باقراره به على الستر لذلك والوصية بكتمانه ، أو بالفراش الموجب لحكم الشريعة إلحاق الولد بوالده .
فصل : وقد أجمع العلماء من الملل على ما كان من ستر ولادة أبي ابراهيم الخليل وأمه لذلك ، وتدبيرهم في إخفاء أمره عن ملك زمانه لخوفهم عليه منه .
وبستر ولادة موسى بن عمران ، وبمجئ القران بشرح ذلك على البيان ، والخبر بان أمه ألقته في اليم على ثقة منها بسلامته وعوده إليها ، وكان ذلك منها بالوحي إليها به بتدبير الله جل وعلا لمصالح العباد .
فما الذي ينكر خصوم الامامية من قولهم في ستر الحسن ولادة ابنه المهدي عن أهله وبني عمه وغيرهم من الناس ، وأسباب ذلك أظهر من أسباب ستر من عددناه وسميناه ، وسنذكرها عند الحاجة إلى ذكرها من بعد إن شاء الله .
والخبر بصحة ولد الحسن قد ثبت باوكد ما تثبت به أنساب الجمهور من الناس ، إذ كان النسب يثبت : بقول القابلة ، ومثلها من النساء اللاتي جرت عادتهن بحضور ولادة النساء وتولي معونتهم عليه ، وباعراف صاحب الفراش وحده بذلك دون من سواه ، وبشهادة رجلين من المسلمين على إقرار الاب بنسب الابن منه .
وقد ثبتت أخبار عن جماعة من أهل الديانة والفضل والورع والزهد والعبادة والفقه عن الحسن بن علي عليهما السلام : أنه اعترف بولده المهدي ، وآذنهم بوجوده ، ونص لهم على إمامته من بعده ، وبمشاهدة بعضهم له طفلا ،
وبعضهم له يافعا وشابا كاملا ، وإخراجهم إلى شيعته بعد ابيه الاوامر والنواهي والاجوبة عن المسائل ، وتسليمهم له حقوق الائمة من أصحابه .