اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
قال جابر بن عبدالله الانصاري: كنا مع أمير المؤمنين بالبصرة فلما فرغ من قتال من قاتله أشرف علينا من آخر الليل فقال: ما أنتم فيه؟ فقلنا: في ذم الدنيا. فقال: على م تذم الدنيا - يا جابر -؟ !
ثم حمد الله وأثنى عليه وقال: أما بعد فما بال أقوام يذمون الدنيا؟ انتحلوا الزهد فيها. الدنيا منزل صدق لمن صدقها ومسكن عافية لمن فهم عنها ودار غنى لمن تزود منها مسجد أنبياء الله ومهبط وحيه ومصلى ملائكته ومسكن أحبائه ومتجر أوليائه، اكتسبوا فيها الرحمة وربحوا منها الجنة، فيمن ذا يذم الدنيا يا جابر؟ و قد آذنت ببينها ونادت بانقطاعها ونعت نفسها بالزوال ومثلت ببلائها البلاء وشوقت بسرورها إلى السرور وراحت بفجيعة وابتكرت بنعمة وعافية ترهيبا وترغيبا، يذمها قوم عند الندامة. خدمتهم جميعا فصدقتهم . وذكرتهم فذكروا ووعظتهم فاتعظوا وخوفتهم فخافوا. وشوقتهم فاشتاقوا. فأيها الذام للدنيا المغتر بغرورها متى استذمت إليك بل متى غرتك بنفسها؟ بمصارع آبائك من البلى؟ أم بمضاجع امهاتك من الثرى؟. كم مرضت بيديك وعللت بكفيك، تستوصف لهم الدواء. وتطلب لهم الاطباء، لم تدرك فيه طلبتك ولم تسعف فيه بحاجتك بل مثلت الدنيا به نفسك وبحاله حالك غداة لا ينفعك أحباؤك ولا يغني عنك نداؤك، حين يشتد من الموت أعالين المرض وأليم لوعات المضض، حين لا ينفع الاليل ولا يدفع العويل،
يحفز بها الحيزوم ويغص بها الحلقوم، لا يسمعه النداء ولا يروعه الدعاء فيا طول الحزن عند انقطاع الاجل. ثم يراح به على شرجع نقله أكف أربع، فيضجع في قبره في لبث وضيق جدث فذهبت الجدة وانقطعت المدة ورفضته العطفة وقطعته اللطفة، لا تقاربه الاخلاء ولا يلم به الزوار ولا اتسقت به الدار. انقطع دونه الاثر واستعجم دونه الخبر. وبكرت ورثته، فاقتسمت تركته ولحقه الحوب وأحاطت به الذنوب. فإن يكن قدم خيرا طاب مكسبه. وإن يكن قدم شرا تب منقلبه. وكيف ينفع نفسا قرارها والموت قصارها والقبر مزارها، فكفى بهذا واعظا. كفى يا جابر امض معي فمضيت معه حتى أتينا القبور، فقال: يا أهل التربة و يا أهل الغربة أما المنازل فقد سكنت. وأما المواريث فقد قسمت وأما الازواج فقد نكحت. هذا خبر ما عندنا، فما خبر ما عندكم؟ ثم أمسك عني مليا. ثم رفع رأسه فقال: والذي أقل السماء فعلت وسطح الارض فدحت لو أذن للقوم في الكلام، لقالوا: إنا وجدنا خير الزاد التقوى. ثم قال: يا جابر إذا شئت فارجع.