اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
عصمة الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء !
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
((مقتطفات مع بعض التصرف من محاضرة لسماحة آية الله العظمى الشيخ الوحيد الخراساني في فضائل مولاتنا فاطمة الزهراء عليها الصلاة والسلام))
ألقيت بتاريخ: 9 جمادى الأولى1411- 28/11/1990
إن مقام الصديقة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله عليها مقامٌ عظيمٌ ، وحقها في أعناق المسلمين حقٌّ كبير، ونحن مع الأسف لم نعمل لبيان حقها كما يجب!
إني أخاف أن تُعقد محكمة لمحاكمتنا في الدنيا يكون القاضي فيها صاحب الزمان أرواحنا فداه. أو في الآخرة يكون القاضي فيها الله تعالى، وأن نُسأل هل عملنا لإحقاق فاطمة الزهراء سلام الله عليها بمقدار اعتراف فقيه من فقهاء إخواننا السنة؟؟؟. ..... أخشى أن نكون عاجزين عن الجواب !!!
ولننظر إلى ما رواه البخاري وما أثبته من حقها سلام الله عليها! فالبخاري مقبول عند جميعهم، وعند أشد نقاد حديثهم! وقد روى عن أبي الوليد عن ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة، أن رسول الله قال (فاطمة بضعة مني، من أغضبها فقد أغضبني).
أما سند هذا الحديث فهو عندهم في الدرجة العليا حيث رواه البخاري. .....
وقد صحح هذا الحديث الذهبي الذي يعتبرونه أنقد نقادهم للحديث، وصحح حديث: (إن الرب يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضب فاطمة) فالحديث عندهم في حد مقطوع الصدور عن النبي ....
ونحن أردنا حديث البخاري مفسراً ومؤيداً لحديث الذهبي..... فعلى ماذا يدل هذا الحديث؟؟؟؟
فلن يصير أحدنا إنساناً إلا إذا صار منشأ غضبه ورضاه العقل، وليس الغريزة!
وإذا رأينا في حياتنا أن رضانا أو غضبنا نشأ ذات مرة من العقل، فقد صار أحدنا ذات مرة إنساناً! فإن عدنا إلى الرضا والغضب للبطن أو الفرج، فنحن من تلك الحيوانات، غاية الأمر أننا على شكل الناس!
أما الإنسان العقلاني فهو الذي يرضى دائماً لرضا العقل، ويغضب لغضب العقل!
فإن كنت تعرف شخصاً على وجه الكرة الأرضية بلغ في شخصيته هذه الدرجة فدلني عليه حتى أذهب إليه وأقبل يده، بل أقبل غبار قدميه!
وإن فوق هذه المرتبة مقاماً يمكن أن يبلغه الإنسان، حيث تصير إرادته فانية في إرادة الله تعالى، فلا يكون له مع إرادة ربه إرادة! وهي درجة تجعله في كل أموره يرضى لرضا الله ويغضب لغضب ربه! يعني لو قتلوا ابنه فهو يغضب لغضب الرب وليس لنفسه، ولو أحيوا ابنه فهو يرضى لرضا الرب، وليس لنفسه!
إن تصور هذا المستوى أمر صعب، فكيف بتحققه؟ !
وهذا هو مقام عصمة خاتم الأنبياء صلوات الله عليه وآله، عصمة ذلك المخلوق الذي لا نظير لوجوده في جميع المخلوقات، الذي ذاب حبه وبغضه وفني في حب الله وبغضه! فلا يحب إلا ما يحبه الله، ولا يبغض إلا ما يبغضه الله تعالى!
وهذا هو البشر الذي وصل إلى درجة: وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى. وهذه المرحلة والدرجة هي التي يعبر عنها بالعصمة الخاتمية وهي غير العصمة الإبراهيمية، والعصمة الإبراهيمية غير العصمة اليونسية.
إن عصمة يونس (ع) عصمة، لكن فيها: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لاإِلَهَ إِلاأَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ.
إنه نبي معصوم ولكن في حياته نقاطاً يحتاج أن يصل منها إلى درجة:سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِين. وقبل وجوده في بطن الحوت لم يصل اليها!
ونبي الله يوسف نبي معصوم، وبرهان ربه الذي رآه هو عصمته: وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ. لكنها عصمة بمستوى: وَقَالَ لِلَّذِي ظَنَّ أَنَّهُ نَاجٍ مِنْهُمَا اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ ذِكْرَ رَبِّهِ فَلَبِثَ فِي السِّجْنِ بِضْعَ سِنِين. أما التسليم المطلق لحب الله وبغضه ورضاه وغضبه، فهو مقام خاص بأفضل الخلق وخاتم النبيين وسيد المرسلين ، ففي هذا المقام نستطيع أن نقول إنه يرضى لرضا الله ويغضب لغضبه مطلقاً، وأن الله تعالى يرضى لرضا رسوله ويغضب لغضبه!
فهل فهم الجميع ما رواه البخاري والذهبي وصححاه: إن الرب يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضب فاطمة؟! وهل فهموا أن النبي لو قال فقط: إن فاطمة ترضى لرضا الرب وتغضب لغضبه، لدل ذلك على أن رضاها وغضبها منشؤه من الله تعالى فقط، وليس من نفسها ولا من عالم الخلق، وكان معناه درجة العصمة الكبرى التي لرسول الله ؟!
فما معنى قوله بعد هذا المقام: إن الرب يرضى لرضا فاطمة ويغضب لغضب فاطمة؟ ما معنى الصعود إلى درجة أعلى يكون فيها الرضا من جهة فاطمة صلوات الله عليها؟! هنا يَفهم الكلام من يعرف فاطمة من هي!!
والذي يعرف فاطمة من هي هو الإمام جعفر الصادق (ع) الذي يقول: إنما سميت فاطمة فاطمة، لأن الناس فُطموا عن معرفتها. (تفسير فرات ص581، البحار:43/65)
فثبت بالدليل أننا مفطومون عن معرفتها، لأننا عاجزون عن معرفة تلك الدرجة الأعلى التي تجعل الله تعالى يرضى لرضاها ويغضب لغضبها!! عاجزون عن معرفة هذه المخلوقة الربانية، والحوراء الإنسية، ما هي، وفي أي أفق هي؟ !
لقد كشف لنا أمير المؤمنين صلوات الله عليه ليلة دفنها عن نافذة من مقامها صلوات الله عليها، حيث قال: أما حزني فسرمد، وأما ليلي فمُسَهَّد! ( أمالي المفيد ص281)وينبغي أن نعرف أن الذي يقول ذلك هو الذي عرف الدنيا والآخرة، ووضعهما كلتيهما تحت قدميه! لكنّ غصة فقدِ فاطمة أرهقته، لأنه يعرف من هي فاطمة! لاحظوا كلماته صلوات الله عليه عندما صلى على جنازتها، فقد حدث عند جنازتها ما لم يحدث عند جنازة أحد!!! ولا نستطيع أن نذكر أكثر من هذا:
في البحار عن مصباح الأنوار للخوارزمي عن أبي عبد الله الحسين (ع) قال:
إنّ أمير المؤمنين (ع) غسل فاطمة ثلاثاً وخمساً، وجعل في الغسلة الخامسة الآخرة شيئاً من الكافور، وأشعرها مئزراً سابغاً دون الكفن، وكان هو الذي يلي ذلك منها، وهو يقول: اللهم إنها أمتك، وبنت رسولك، وصفيك وخيرتك من خلقك، اللهم لقنها حجتها، وأعظم برهانها، وأعلِ درجتها، واجمع بينها وبين أبيها محمد . فلما جن الليل غسلها علي، ووضعها على السرير، وقال للحسن أدع لي أبا ذر فدعاه، فحملاها إلى المصلى، فصلى عليها ثم صلى ركعتين، ورفع يديه إلى السماء فنادى: هذه بنت نبيك فاطمة، أخرجتها من الظلمات إلى النور، فأضاءت الأرض ميلا في ميل ! (مقتل الحسين للخوارزمي1: 86، البحار 43: 214، عوالم العلوم:11/514 ط. ثانية ). ورفع يديه إلى السماء فنادى: هذه بنت نبيك فاطمة أخرجتها من الظلمات إلى النور!
ماذا يعني هذا الكلام؟! لاحظوا أنه (ع) قال ذلك مجملاً، فهذا المطلب لا يمكن أن يقوله لغير الله تعالى! قال له إلهي إنك أخذت فاطمة من هذه الدنيا المظلمة، إلى حيث النور نور السماوات والأرض.
ولاحظوا أن الله أجاب علياً وكأنه قال له نعم نقلتها إلى النور حيث خلقت روحها من نور ربها وفي نور ربها، وما أن أكمل أمير المؤمنين (ع) كلمته حتى أضاء نورها من نقطة بدنها الطاهر إلى ميل في ميل، تصديقاً لعلي (ع) وتطميناً له !
ماذا يعني هذا؟! يعني أن حقيقة: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، للجميع، أما فاطمة فإلى نور عظمة الله الذي منه خلقت، وإليه عادت!
هذه فاطمة.. وإلى ذلك النور ذهبت روحها، وبهذا النحو استقبل ذلك العالم بدنها الذي كان في عالم الظلمة! وهذه فاطمة التي بلغت مقام: إن الرب ليغضب لغضب فاطمة ويرضى لرضاها! ومن المهم هنا أن نشير إلى أن البخاري يروي في صحيحه عن عائشة أنها قالت: فغضبت فاطمة بنت رسول الله فهجرت –فلانا- فلم تزل مهاجرته حتى توفيت! (:4/41). وروى غيره أنها أوصت علياً (ع) أن يدفنها سراً ولا يعلمهم بجنازتها!
والجميع يقرأ في صلاته كل يوم عشر مرات على الأقل: صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ
غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ. .. والباقي في عهدتكم!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
وليس هذا بكثير على من قال فيها رسول الله وسلم : « فاطمة بضعة منّي » « فاطمة روحي التي بين جنبيّ » .
وحتى عائشة قد التفتت إلى هذا التشابه العجيب بين حبيب الله وسلم وبضعته الزهراء ، إذ قالت : ( ما رأيت أحداً كان أشبه سمتاً ، وهدياً ودلاً..
وحديثاً وكلاماً برسول الله وسلم من فاطمة كرّم الله وجهها ) .
والتفتت إلى كرامتها عند رسول الله وسلم ، إذ روت : ( كانت إذا دخلت عليه قام إليها ، فأخذ بيدها ، وقبّلها ، وأجلسها في مجلسه... )