اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
يا دائم الفضل على البرية
يا با سط اليدين بالعطية
يا صا حب المواهب السنية
صلى على محمد وآل محمد
خير الورى سجية
وغفرلنا ياذا العلى في هذه العشية
ذكر اللغويون لكلمة (المولى) عشرين معنى، وهذا هو سبب المناقشة في مفهوم الحديث، فيقول أصحاب القلوب المريضة: لم يظهر لنا المقصود من كلمة (مولاه)، ونجيب عن هذه المناقشة أو التشكيك بهذه الرواية المفسرة لمعنى المولى، فقد روي أن عماراً سأل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عن معنى قوله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): الله مولاي: أولى بي من نفسي لا أمر لي معه، وأنا مولى المؤمنين: أولى بهم من أنفسهم، ولا أمر لهم معي، ومن كنت مولاه: أولى به من نفسه لا أمر له معي، فعلي مولاه: أولى به من نفسه لا أمر له معه.
سبحان الله! ما يصنع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يعد هذا التفصيل والتشريح والبيان الكافي الموضح لكلامه والمبين لمقصوده؟ وهل أبقى لأحد شكا؟ وهل بقيت لأحد حجة على الله؟ بل أتم الحجة على الجميع، وأدى رسالة ربه على أحسن ما يرام، وأفضل ما يمكن.
ولسيدنا الحجة المغفور له عبد الحسين شرف الدين (عليه الرحمة) بحث لطيف وتحقيق ظريف حول كلمة المولى نذكره تتميما للفائدة:
(فلو سألكم فلاسفة الأغيار عما كان منه يوم غدير خم فقال لماذا منع تلك الألوف المؤلفة يومئذ عن المسير؟ وعلى م حبسهم في تلك الرمضاء بهجير؟ وفيم اهتم بإرجاع من تقدم منهم وإلحاق من تأخر؟ ولم أنزلهم جميعا في ذلك العراء على غير كلاء ولا ماء؟
ثم خطبهم عن الله عز وجل في ذلك المكان الذي منه يتفرقون ليبلغ الشاهد منهم الغائب، وما المقتضي لنعي نفسه إليهم في مستهل خطابه؟ إذ قال: (يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب، وإني مسؤول وإنكم مسؤولون) وأي أمر يسأل النبي (صلّى الله عليه وآله)، عن تبليغه؟ وتسأل الأمة عن طاعتها فيه؟ ولماذا سألهم فقال: ألستم تشهدون أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق، وأن ناره حق، وأن الموت حق، وأن البعث حق بعد الموت، وأن الساعة آتية لا ريب فيها، وأن الله يبعث من في القبور؟ قالوا: بلى نشهد بذلك ولماذا أخذ حينئذ على سبيل الفور بيد علي فرفعها حتى بان بياض إبطيه؟ فقال: يا أيها الناس إن الله مولاي، وأنا مولى المؤمنين، ولماذا فسر كلمته ـ وأنا مولى المؤمنين ـ بقوله: وأنا أولى بهم من أنفسهم؟ ولماذا قال بعد هذا التفسير: فمن كنت مولاه فهذا مولاه، أو من كنت وليه فهذا وليه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله، ولِمَ خصّه بهذه الدعوات التي لا يليق لها إلا أئمة الحق وخلفاء الصدق؟؟ ولماذا أشهدهم من قبل، فقال ألست أولى بكم من أنفسكم؟
فقالوا: بلى.
فقال: من كنت مولاه، فعلي مولاه، أو من كنت وليه، فعلي وليه؟ ولماذا قرن العترة بالكتاب؟ وجعلها قدوة لأولي الألباب إلى يوم الحساب؟ وفيم هذا الاهتمام العظيم من هذا النبي الحكيم؟ وما المهمة التي احتاجت إلى هذه المقدمات كلها؟ وما الغاية التي توخاها في هذا الموقف المشهور؟ وما الشيء الذي أمره الله تعالى بتبليغه إذ قال عز من قائل: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس)(6) وأي مهمة استوجبت من الله هذا التأكيد؟ واقتضت الحض على تبليغها بما يشبه التهديد؟ وأي أمر يخشى النبي الفتنة بتبليغه؟ ويحتاج إلى عصمة الله من أذى المنافقين ببيانه؟ أكنتم ـ بجدك لو سألكم عن هذا كله ـ تجيبونه بأن الله عز وجل ورسوله (صلّى الله عليه وآله) إنما أراد بيان نصرة علي للمسلمين وصداقته لهم، ليس إلا؟ ما أراكم ترضون هذا الجواب، ولا أتوهم أنكم ترون مضمونه جائزا على رب الأرباب، ولا على سيد الحكماء، وخاتم الرسل والأنبياء وأنتم أجل من أن يصرف هممه كلها، وعزائمه بأسرها إلى تبيين شيء بين لا يحتاج إلى بيان، وتوضيح أمر واضح بحكم الوجدان والعيان، ولا شك أنكم تنزهون أفعاله وأقواله عن أن تزدري بها العقلاء، أو ينتقدها الفلاسفة والحكماء بل لا ريب في أنكم تعرفون مكانة قوله وفعله من الحكمة والعصمة، وقد قال الله تعالى: (إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثـــم أمين وما صاحبــــكم بمجنون)(7) فيهتم بتوضيح الواضحات وتبيين ما هو بحكم البديهيات، ويقدم لتوضيح هذا الواضح مقدمات أجنبية ولا ربط له بها ولا دخل لها فيه، تعالى الله عن ذلك ورسوله علواً كبيراً وأنت ـ نصر الله بك الحق ـ تعلم أن الذي يناسب مقامه في ذلك الهجير ويليق بأفعاله وأقواله يوم الغدير، إنما تبليغ عهده، وتعيين القائم من بعده، والقرائن اللفظية، والأدلة العقلية، توجب القطع الثابت الجازم بأنه (صلّى الله عليه وآله) ما أراد يومئذ إلا تعيين علي وليا لعهده، وقائما من بعده، فالحديث مع ما قد حفّ به من القرائن نص جلي في خلافة علي لا يقبل التأويل، وليس إلى صرفه عن هذا المعنى من سبيل، وهذا واضح (لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد)(8).
أما القرينة التي زعموها فجزاف وتضليل، ولباقة في التخليط والتهويل، لأن النبي (صلّى الله عليه وآله) بعث عليا إلى اليمن مرتين، والأولى كانت سنة ثمان وفيها أرجف المرجفون به وشكوه إلى النبي بعد رجوعهم إلى المدينة، فأنكر عليهم ذلك حتى أبصروا الغضب في وجهه، فلم يعودوا لمثلها، والثانية كانت سنة عشر وفيها عقد النبي له اللواء وعممه (صلّى الله عليه وآله) بيده، وقال له: امض ولا تلتفت.
فمضى لوجهه راشداً مهدياً، حتى أنفذ أمر النبي، ووافاه (صلّى الله عليه وآله) في حجة الوداع، وقد أهلّ بما أهلّ به رسول الله فأشركه (صلّى الله عليه وآله) بهديه، وفي تلك المرة لم يرجف به مرجف، ولا تحامل عليه مجحف، فكيف يمكن أن يكون الحديث مسبباً عما قاله المعترضون؟ أو مسوقاً للرد على أحد كما يزعمون.
على أن مجرد التحامل على علي، لا يمكن أن يكون سبباً لثناء النبي عليه، بالشكل الذي أشاد به (صلّى الله عليه وآله) على منبر الحدائج يوم خم، إلا أن يكون ـ والعياذ بالله ـ مجازفاً في أقواله وأفعاله، وهممه وعزائمه، وحاشا قدسي حكمته البالغة، فإن الله سبحانه يقول: (إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلاً ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين)(9) ولو أراد مجرد بيان فضله، والرد على المتحاملين عليه، لقال: هذا ابن عمي، وصهري وأبو ولدي، وسيد أهل بيتي، فلا تؤذوني فيه، أو نحو ذلك من الأقوال الدالة على مجرد الفضل وجلالة القدر.
على أن لفظ الحديث لا يتبادر إلى الأذهان منه إلا ما قلناه، فليكن سببه مهما كان، فإن الألفاظ إنما تحمل على ما يتبادر إلى الإفهام منها، ولا يلتفت إلى أسبابها كما لا يخفى.
وأما ذكر أهل بيته في حديث الغدير، فإنه من مؤيدات المعنى الذي قلناه، حيث قرنهم بمحكم الكتاب وجعلهم قدوة لأولي الألباب، فقال: إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي.
وإنما فعل ذلك لتعلم الأمة أن لا مرجع بعد نبيها إلا إليهما، ولا معول لها من بعده إلا عليها وحسبك في وجوب إتباع الأئمة من العترة الطاهرة اقترانهم بكتاب الله عز وجل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فكما لا يجوز الرجوع إلى كتاب يخالف في حكمه كتاب الله سبحانه وتعالى، لا يجوز الرجوع إلى إمام يخالف في حكمه أئمة العترة، وقوله (صلّى الله عليه وآله): إنهما لن ينقضيا أو لن يفترقا حتى يردا علي الحوض، دليل على أن الأرض لن تخلو بعده من إمام منهم، وهو عدل الكتاب، ومن تدبر الحديث وجده يرمي إلى حصر الخلافة في أئمة العترة الطاهرة، ويؤيد ذلك ما أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، فإنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض الخ...
وهذا نص في خلافة أئمة العترة ().
وأنت تعلم أن النص على وجوب إتباع العترة نص على وجوب إتباع علي، وهو سيد العترة لا يدافع، وإمامها لا ينازع، فحديث الغدير وأمثاله، يشتمل على النص على علي تارة، من حيث أنه إمام العترة، المنزلة من الله ورسوله منزلة الكتاب، وأخرى من حيث شخصه العظيم وأنه ولي كل من كان رسول الله وليه، انتهى كلام السيد (ره).
أقول: وقد نظم الشعراء من المسلمين وغيرهم على اختلاف لغاتهم قصائد متينة فاخرة اشتهرت على مر القرون، تعطر بها المحافل والنوادي، وينشدها الغادي والبادي، ويترنم بها الموالي والمغالي، وقد ألف علماؤنا موسوعات كبيرة تتضمن الكثير من أشعارهم وقصائدهم وتراجمهم، ومن تلك الموسوعات موسوعة الغدير لشيخنا المفضال الحجة المرحوم الشيخ عبد الحسين الأميني (قدس سره)، فلقد كانت موسوعته إحدى مصادر حديثنا في هذه الليالي.
ومن جملة الذين نظموا واقعة الغدير هو سيدنا ومولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب () فقد قال:
سبقتـكم إلـى الإسـلام طــــراً على ما كان من فـهمي وعلمــي
فأوجــب لـي ولايتـه عليكـــم رسول الله يـــوم غديـــر خـــــم
(الأبيات بصورة أخرى).
أخرج الإمام علي بن أحمد الواحدي عن أبي هريرة قال: اجتمع عدة من أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) منهم أبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، والفضل بن العباس، وعمار، وعبد الرحمن بن عوف، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم أجمعين، فجلسوا وأخذوا في مناقبهم، فدخل عليهم علي () فسألهم فيم أنتم؟ قالوا: نتذاكر مناقبنا مما سمعناه من رسول الله.
فقال علي () اسمعوا مني ثم أنشأ يقول:
لقد علم الأنـاس بأن سهمــي من الإسلام يفضل كل سهـــــم
وأحمد النبــي أخي وصهري عليه الله صلى وابــن عمـــــي
وإني قــــــائد لـلــــناس طراً إلى الإسـلام من عـرب وعجــم
وقاتل كـــــل صنديد رئـيـس وجبــــار من الكفــــار ضخــــم
وفي القرآن ألزمــهم ولائــي وأوجــب طاعتـي فرضــاً بعـزم
كما هارون من موسى أخوه كذاك أنا أخــوه وذاك اسمـــــي
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
اللهم صل على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها
أفضل ما صليت على أحد من خلقك
الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الرب
بولاية أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليه
إلهي بحق علي
بمقام علي
بقرب علي
بجاه علي
بنور علي
زدنا ثباتا ويقينا ومحبة ومعرفة في علي
صلواتك على علي.
لا عدمنا أقلامكم العلوية الحيدرية.
شعاع المقامات.
توقيع شعاع المقامات
قال رسول الله :
(لا يُعذِّبُ الله الخلق إلا بذنوبِ العلماء الذين يكتمون الحقَّ من فضل عليٍّ وعترته. ألا وإنّه لم يَمشِ فوق الأرض بعد النبيين والمرسلين أفضل من شيعةِ عليٍّ ومحبيه الذين يُظهرون أمره وينشرون فضله، أولئك تغشاهم الرحمة وتستغفر لهم الملائكة. والويلُ كلّ الويل لمن يكتم فضائله وينكر أمره، فما أصبرهم على النار). كتاب (الدمعة الساكبة) ص82.