اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
وصية أبي طالب لقريش
قال في بلوغ الإرب:
عن هشام بن محمد بن السائب الكلبي: أنه لما حضرت أبا طالب الوفاة، جمع إليه وجوه قريش، فأوصاهم، فقال:
«يا معشر قريش، أنتم صفوة الله من خلقه وقلب العرب، فيكم السيد المطاع، وفيكم المقدام الشجاع، والواسع الباع..
واعلموا أنكم لم تتركوا للعرب في المآثر نصيباً إلا أحرزتموه، ولا شرفاً إلا أدركتموه، فلكم بذلك على الناس الفضيلة، ولهم به إليكم الوسيلة، والناس لكم حرب، وعلى حربكم إلب..
وإني أوصيكم بتعظيم هذه البنية ـ يعني الكعبة ـ فإن فيها مرضاة للرب، قوةً للمعاش، وثباتاً للوطأة، صلوا أرحامكم، فإن في صلة الرحم منسأة في الأجل، وزيادة في العدد..
اتركوا البغي والعقوق، ففيهما هلكت القرون قبلكم.
أجيبوا الداعي، واعطوا السائل، فإن فيهما شرف الحياة والممات، وعليكم بصدق الحديث، وأداء الأمانة، فإن فيهما محبة في الخاص، ومكرمة في العام..
وإني أوصيكم بمحمد خيراً، فإنه الأمين في قريش، والصديق في العرب، وهو الجامع لكل ما أوصيتكم به، وقد جاءنا بأمر قبله الجنان، وأنكره اللسان مخافة الشنآن، وأيم الله كأني أنظر إلى صعاليك العرب، وأهل الأطراف، والمستضعفين من الناس، قد أجابوا دعوته وصدقوا كلمته، وعظموا أمره، فخاض بهم غمرات الموت، وصارت رؤساء قريش وصناديدها أذناباً، ودورها خراباً، وضعفاؤها أرباباً، إذ أعظمهم عليه أحوجهم إليه، وأبعدهم منه أحظاهم عنده، قد محضته العرب ودادها، وأصفت له بلادها، وأعطته قيادها.. يا معشر قريش، كونوا له ولاة، ولحزبه حماة، والله لا يسلك أحد سبيله إلا رشد، ولا يأخذ أحد بهديه إلا سعد، ولو كان لنفسي مدة، وفي أجلي تأخير، لكففت عنه الهزاهز، ولدفعت عنه الدواهي»..