اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
إعلم ; أن من الكنى الخاصة المأثورة لآية الله العظمى ، والعصمة الكبرى فاطمة الزهراء صلوات الله عليها : « أم أبيها » .
ففي مقاتل الطالبين عن الصادق ( ) أنه قال : « إن فاطمة تكنى بأم أبيها » .
وفي كشف الغمة « إن النبي كان يحبها ويكنيها بأم أبيها » .
وفي هذا اللفظ أمران : أحدهما : حب النبي ( ) لفاطمة ( ) ، والآخر تسميتها بأم أبيها حبا لها .
وصاحب الطبع اللطيف والذوق المنيف إذا أمعن النظر في العبارة علم أن إطلاق هذه الكنية على المخدرة الكبرى بعد قوله « يحبها » فيه دلالة واضحة على شدة الحب وكثرة الود .
وقد اختلف العلماء في معنى هذه الكنية العظيمة ، وذهبوا فيها إلى مذهب تشعبت فيها آراء الفضلاء الصائبة ، وتفرقت أنظار العلماء المستطابة ، وكنت مطالبا منذ أمد بالحديث عنها وتوثيق ورودها في الأخبار المسندة لذا قدمت ذكر السند كما ذكره المجلسي ( رحمه الله ) وزيادة ، وها أنا ذا مجد مجتهد في بيان معناها وتوضيحها للأفهام ورفع ما حصل من الإبهام في فهمها مستمدا المدد الوافي من البواطن الشريفة لتلك العصمة الكبرى فأقول : أولا : كيف تكون فاطمة أم أبيها ؟ ومن الواضح أن المراد من هذا اللفظ هو الاستعمال المجازي وليس المعنى الحقيقي ، وعليه كيف نجد المعنى المجازي المناسب دون التورط بمعارض ؟ ثانيا : « أم » لغة بمعنى القصد ، كما في « اللهم » ، قال تعالى : ( ولا آمين البيت الحرام ) ويقال « أم فلان فلانا » أي قصده ، وبالفارسية « أم » بضم الهمزة أصل كل شئ وجمعه امات وأصل « أم » « أمهة » وجمعه « أمهات » ، وتستعمل غالبا « أمهات » للإنسان و « أمات » للبهائم ، وتصغيرها : « أميمة » وهو اسم امرأة ، وقد تضاف التاء إلى « الأب » أو « أم » بدلا عن الياء ، فيقال « يا أبت افعل ويا أمت لا تفعلي » .
وقولهم « لا أم لك » ذم ودعاء ، وإمام مشتقة من نفس المادة ، وهو من قصده الخلق وتقدمهم ; وفي التفسير ( وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ) قال : هو الكتاب وفي قوله ( وإنهما لبإمام مبين ) قال : هو الطريق .
والأمام بالفتح هو القدام .
والغالب استعمالها بمعنى « الأصل » يقال : « أم الجيش » وهي كما قال الفخر الرازي : الراية العظمى في قلب الجيش وهي ملاذ الجيش وملجأ .
قال قيس بن الحطيم : عصبنا أمنا حتى ابذعروا * وصار القوم بعد ألفتهم شلالا و « أم الكتاب » مر معناه ، و « أم الطريق » : الطريق الأعظم ، و « أم الدماغ » - كما في مجمع البيان - المقدم من كل شئ ، والجامع منه يقال له « أم الرأس » ، وقيل « أم الدماغ » لأنه مجمع الحواس والمشاعر ، ويقال للأرض « أم » لأنها أصل الإنسان منها خرج وإليها يعود ، قال تعالى جل شأنه : ( ألم نجعل الأرض كفاتا * أحياء وأمواتا ) .
وقال أمية بن الصلت : فالأرض معقلنا وكانت أمنا * فيها مقابرنا وفيها نولد وكذا « أم القرى » لانتشار القرى والمدن منها ، ويقال لرئيس القوم « أم القوم » ، ويقال للماهية « أم الوجود » لأنها مظهر الوجود ، ويقال للعناصر الأربعة « الأمهات » لتوليد المواليد الثلاثة ، وقال الإمام المعصوم للخمر « أم الخبائث » لأنها سبب لكل الذنوب الأخرى ، ونظائره كثير . وكذا يقال للمجرة « أم النجوم » ولإمام الجماعة « أم القوم » .
ثالثا : تبين مما مر أن « الأم » بمعنى « القصد » . ورأيت في البحث أن الأم تعني أيضا الثمرة ، لأنها القصد والمقصود من الشجرة .
الوجوه المذكورة في معنى « أم أبيها » وبناء على ما مر تلوح لنا عدة وجوه في معنى « أم أبيها » : الوجه الأول إن فاطمة الزهراء ( ) ثمرة شجرة النبوة وحاصل عمر النبي ( ) وصدف درر العصمة ولئاليها ، وقد استقرت بها السماوات العلوية والأرضون السفلية .
وبعبارة أخرى : إن الولد هو المقصود للأب والأم ، وفاطمة الزهراء ( ) خاصة هي المقصود الأصلي والأصل الكلي من بين بنات النبي ( ) ، فمعنى « أم أبيها » أن فاطمة الزهراء ( ) أصل النبي ( ) وهي الولد الذي كان يقصده ويريده النبي ( ) ويريد نتائجها الكريمة وفوائدها العظيمة المترتبة عليها من جهة البنوة ، ومن فضائلها النفسانية المطلوبة للنبي ( ) .
وعليه يكون معنى « أم » أي القصد والأصل والمقصود والمراد . وهذا المعنى ينسجم مع مذهب اللغويين ، بل والمحدثين أيضا .
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
من خصائصها ()
قال رسول الله () :
« لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم ، فإنّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً »[1].
لو قرأنا زيارة الجامعة الكبيرة الواردة بسند صحيح عن الإمام الهادي ()والتي تعدّ من أفضل وأعظم الزيارات ، لوجدناها تذكر وتبيّن شؤون الإمامة بصورة عامّة ، ومعرفة الإمام بمعرفة مشتركة لكلّ الأئمة الأطهار () ، فكلّ واحد منهم ينطبق عليه أ نّه عيبة علمه وخازن وحيه.
إلاّ أنّ فاطمة الزهراء () لا تزار بهذه الزيارة ، فلا يقال في شأنها : موضع سرّ الله ، خزّان علم الله ، عيبة علم الله ... فهذا كلّه من شؤون حجّة الله على الخلق ، وفاطمة الزهراء هي حجّة الله على الحجج ، كما ورد عن الإمام العسكري () : « نحن حجج الله على الخلق ، وفاطمة الزهراء حجّة الله علينا ».
ثمّ فاطمة الزهراء هي ليلة القدر ، فهي مجهولة القدر كليلة القدر في شهر رمضان ، فلا يمكن تعريفها وأنّ الخلق فطموا عن معرفتها . ولا زيارة خاصّة لها ، ربما لأنّ أهل المدينة بعيدون عن ولايتها ويجهلون قبرها فكيف تزار ، أو يقال : لا يمكن للزهراء أن تعرّف في قوالب الألفاظ ، فإنّ الشخص تارةً يعرف بأ نّه عالم ورع ، واُخرى يقال : فلان لا يمكن وصفه ومعرفته ، فالزهراء () إمام على ما جاء في زيارة الجامعة الكبيرة.
كما أ نّه ورد في توقيعات صاحب الأمر () أنّ اُسوته ومقتداه اُمّه فاطمة الزهراء () ، فالجامعة زيارة الإمام ، ولكن اُسوة الأئمة وحجّة الله عليهم هي فاطمة الزهراء ، فلا يمكن وصفها وبيان قدرها.
ومن خصائصها : كما أنّ لها مبان خاصّة في الفقه والعقائد والمعارف السامية ، إلاّ أ نّه من خصائصها أنّ حبّها ينفع في مئة موطن ، وحبّ الأئمة الأطهار () ينفع في سبع مواطن للنجاة من أهوال يوم القيامة.
ومنها : أ نّها في خلقتها النورية تساوي النبيّ ، فهي كما قال النبيّ : روحه التي بين جنبيه ، وربما الجنبين إشارة إلى جنب العلم وجنب العمل ، فهي واجدة روح النبيّ بعلمه وعمله وكلّ كمالاته إلاّ النبوّة فهي الأحمد الثاني ، فهي علم الرسول وتقواه وروحه.
ويحتمل أن تكون إشارة الجنبين إلى النبوّة المطلقة والولاية ، فقد ورد في الخبر النبوي الشريف : « ظاهري النبوّة وباطني الولاية » التكوينية والتشريعية على كلّ العوالم ، كما ورد : « ظاهري النبوّة وباطني غيب لا يدرك » ، وأنفسنا في آية المباهلة تجلّيها وظهورها ومصداقها هو أمير المؤمنين عليّ () ، فالزهراء يعني رسول الله وأمير المؤمنين ، فهي مظهر النبوّة والولاية ، وهي مجمع النورين : النور المحمّدي والنور العلوي ، وكما ورد في تمثيل نور الله في سورة النور وآيتها : ( اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ )[2] بأ نّه كالمشكاة ، وورد في تفسيره وتأويله أنّ المشكاة فاطمة الزهراء وفي هذه المشكاة نور رسول الله وأمير المؤمنين ثمّ بعد ذلك الأئمة الأطهار () يهدي الله لنوره من يشاء.
فالنبوّة والإمامة في وجودها ، وهذا من معاني (والسرّ المستودع فيها) فهي تحمل أسرار النبوّة والولاية ، تحمل أسرار الكون وما فيه ، تحمل أسرار الأئمة وعلومهم ، تحمل أسرار الخلقة وفلسفة الحياة.
ولا فرق بين الأحد والأحمد إلاّ ميم الممكنات الغارقة فيها ، والاُمّ تحمل جنينها وولدها ، وفاطمة الزهراء () اُمّ أبيها ، فهي تحمل النبيّ في أسرار نبوّته وودائعها ، كما تحمل كلّ الممكنات في جواهرها وأعراضها ، فخلاصة النبوّة تحملها فاطمة فهي اُمّ أبيها.
ومن خصائصها : أ نّها تساوي النبيّ والوليّ في قالبها الطيني والصوري في عرش الله ، كما في الروايات فيما يلتفت آدم إلى العرش ويرى الأشباح الخمسة النورانية في العرش.
ومن خصائصها : أنّ خلقتها العنصري ليس كخلقة آدم () ، فإنّه خلق من طين وبواسطة الملائكة ، ولكنّ خلق فاطمة إنّما كان بيد الله ، بيد القدرة ومن شجرة الجنّة ومن عنصر ملكوتي في صورة إنسان ، فهي حوراء إنسية كما ورد في الأخبار ، وإنّ النبيّ كان يقبّلها ويشمّها ويقول : أشمّ رائحة الجنّة من فاطمة ، ففاطمة الزهراء خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً.
ومن خصائصها : أنّ الله خلق السماوات والأرض من نورها الأنور ، وازدهرت الدنيا بنورها بعدما اظلمّت كما في خبر ابن مسعود ، وهذا معنى اشتقاق فاطمة من الفاطر بمعنى الخالق الذي فطر السماوات والأرض ، ففطر الخلائق بفاطمة الزهراء () ونورها الأزهر.
ولمثل هذه الخصائص الإلهيّة كان النبيّ يقول : فداها أبوها ، وأ نّها اُمّ أبيها ، وكان يقوم أمامها إجلالا لها وتكريماً ويجلسها مجلسه ، ويقبّل يديها وصدرها قائلا : أشمّ رائحة الجنّة من صدرها ، ذلك الصدر الذي كان مخزن العلوم ومصداق السرّ المستودع فيها . وقد كسر الظالمون ضلعها وعصروها بين الباب والجدار وأسقطوا ما في أحشائها محسناً () :