اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
خادم الحسين(ع)
اعتاد حمدي أداء الصلاة جماعة، في احد مساجد الحي القريب من منزله. حينها كان القيم على المسجد هو المؤذن، محتكرا لنفسه هذا المنصب، كإرث وصل إليه من والديه. ولكن لم يكن المنصب هو ما أغاضه فقط، ولكن أشياء أخرى عظمت المصيبة في قلبه.
في البدء تردد وتمنع، من القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خوف إثارة الطرف الآخر، وانقلاب الأمر لنزاع شخصي. لكن بمرور الوقت لم تستطع نفسه تحمل الوضع، وقرر اخذ الخطوة التالية مهما كلفه الأمر.
في احد الأيام وبعد أداء الصلاة، وقبل خروج القيم من باب المسجد، حينها يكون في راحة نفسية عالية، فتقدم إليه بالسلام والتحية، واضعا أمامه خطة يعتزم تنفيذها. وقال: صديق لي واقع في مشكلة عويصة طلب عرضها عليك واخذ رأيك، لمعرفته بحكمتك وسداد رأيك.
تشجع القيم وأحس بقيمته، دون علمه بالفخ الذي وقع فيه طواعية، وابتهج وتفتحت أساريره، كديك رومي يستعرض جماله، وبادر بابتسامة لم تحتملها شفتاه. قال: وما هي مشكلته؟
مبديا تأثره وانزعاجه، والحزن يعلو محياه. قال: قيم المسجد!
بدى الاضطراب على القيم وسرت رعشة باردة في جسمه. وقال: ما به؟
وفي عينيه إصرار وتحدي مقصود: هو المؤذن؟
قال القيم والخوف يلفه كأنه أحس بالحبل يلتف حول عنقه: هذا انزعاج أم غيرة؟!
قال وعينيه تخترقان عيني القيم: ليس انزعاجا وليست غيرة، لكنه لا يترك فرصة لغيره لينال الثواب.
شعر القيم بتوجه الكلام إليه شخصيا، فنبرى يدافع عن نفسه، وهو يتلجلج: ألا يحتمل انه لم يجد من يثق به ليحمله المسؤولية!
أجابه مصرا قاطعا عليه عذره: كل هؤلاء المؤمنون الذين يصلون في المسجد يأتمنونه على مسجدهم، وهو لا يجد بينهم من يأتمنه على أذان؟!
ارتفع ضغط القيم وزاد ضيقه النفسي وجحظت عيناه، ووقع في حرج عظيم ورج عليه.
عندها حان الوقت ليخرج حمدي سلاحه التالي ليضرب ضربته القاضية فقال له: المشكلة في صوته.
فقاطعه القيم والخوف والرهبة بادية على محياه: صوته ما به؟!
عندها وصل لغايته فقال، نشازا ولا يحتمل بجميع المقاييس.
لم يرى القيم أمامه من وسيلة للدفاع عن نفسه إلا الهجوم فقال: لا أظن أن صوتي نشازا، فكل من سمعه أعجب به وأثنى عليه، ثم أني لا استطيع التوقف الآن.
سأله متعجبا يهز رأسه من الأعذار الواهية التي يقدمها: ولما ذاك؟
فأجابه القيم والدمعة تكاد تقفز من مقلتيه يعتصرها اعتصارا: لو تركته امرض ... أموت، فلقد اعتدته منذ الصغر.
أراد حمدي تدعيم حديثه بشاهد ودليل قوي لا يمكن إنكاره فقال: إن ما تقوم به ينافي المبدأ الذي قام من اجله الإمام الحسين(ع).
سأله القيم وكيف ذلك، وما علاقته بالحسين(ع)؟!
وجد الدرب سالكا أمامه، وقلب القيم كالتربة الصالحة للزراعة ما القي فيها قبلته،
فأتم كلامه: حينما انحرفت الخلافة الإسلامية عن طريقها الصحيح ووجد الإمام(ع) الناصر والمعين، فلم يتخلى عن واجبه الشرعي.
فقال القيم متعجبا مبتسما، كأن حمدي لم يتمكن من الوصول لهدفه المنشود: أنا لست الحسين(ع) ولكن كاد المسجد أن يقفل عدة مرات، فكافحت وجاهدت ليبقى يؤمه المؤمنون.
قال دعني أكمل كلامي: أنت مشكور على ما قمت به، ولكن لا تطلب أجرك من الناس.
انكمش القيم وأحرج ومرت على وجهه غيمة سوداء قاتمة لا تلقح خيرا ولا يؤمل منها نفعا.
واصل حمدي حديثه: لكن الإمام(ع) لم يمنع الآخرين من الجهاد معه، ولم يحتكر الأجر لنفسه، بل دعاهم لنصرته قائلا: أما من ذاب يذب عنا، أما من ناصر ينصرنا. هل كان ذلك حبا لمركزه أم خوفا على حياته!
عندها انقطع الكلام بينهما وتوجها ليخرجا من باب المسجد، ولا تزال الكلمات تجول في مخيلة القيم، وحمدي كله أمل وتفاؤل من وصول الدرس لغايته.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية