اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
يا دائم الفضل على البرية
يا باسط اليدين بالعطية
يا صاحب المواهب السنية
صلى على محمد وآل محمد
خير الورى سجية
وغفر لنا يا ذا العلى في هذه العشية ...
الحاقدون وهدم المنبر الحسيني:
ولقد تفطّن أعداء عاشوراء في وقت مبكر جداً الى أن أنجع الأساليب واقواها فتكاً في محاربة عاشوراء الامام الحسين ، هو: هدم المنبر الحسيني المبارك، لأنهم ادركوا ان المنبر الحسيني هو الذي يربي الناس اخلاقياً، وإيمانياً، وسلوكياً، وعاطفياً وعقائدياً، وهو الذي يمدهم بالثقافات المتنوعة، ويثير فيهم درجات من الوعي الرسالي، ويعمق مبادىء عاشوراء في وجدانهم، ويعيدهم الى رحاب الفطرة الصافية، وينشر فيهم احكام الله، ويربي وجدانهم وضميرهم الانساني، ويصقل مشاعرهم، وينميّها، ويغذيها بالمشاعر الجياشة، والصادقة.
فاذا ما تم لهم تدمير المنبر الحسيني؛ فانهم يكونون قد حرموا الناس من ذلك كله وسواه، وكذلك حرموهم من ثواب إقامة هذه الشعيرة الإلهية، وما اعظمه من ثواب، واجلها من كرامة إلهية سنيّة.
وكان التشكيك بهذا المنبر الشريف، وبما يقال فيه من أبسط وسائل التدمير، وأقلها مؤونةً أعظمها أثراً، وأشدها فتكاً.
ولقد كان الانكى من ذلك كله، والأدهى هو ان بعض من يفترض فيهم ان يكونوا حماة هذا الدين، والذابين عن حريمه، والمدافعين عن حياضه، من العلماء، الذين محضهم الناس حبهم، وثقتهم، واخلصوا لهم، لا لأجل اشخاصهم، وانما حباً واخلاصاً منهم لدينهم ومعتقداتهم، التي يرون انهم الامناء عليها، والحريصون على حفظها ونشرها، ان هذا البعض قد اسهم عن غير عمد – وبعضهم عن عمد وقصد - في صنع هذه الكارثة، التي من شأنها ان تأتي على كل شيء ، كالنار في الهشيم. فعملوا على اثارة شكوك الناس بخطباء هذا المنبر المقدس، وفيما يقدمونه من ثقافة عاشورائية، واتهموهم بالكذب، وبالتحريف، وبالافتعال المتعمد للأحداث، كل ذلك ملفّع بأحكام عامة، وبمطلقات غائمة، وشعارات رنّانة، يغدقونها بلا حساب اسهاماً منهم في زعزعة ثقة الناس بهذه المجالس، الأمر الذي لا يمكن ان يصب إلا في خانة الخيانة للدين، والإعتداء على عاشوراء، وعلى الامام الحسين في رسالته، وفي اهدافه الجهادية والإيمانية الكبرى.
ان الطريقة التي توجه فيها التهم الى قراء العزاء توحي للناس بأنهم – وحدهم - تجسيد للأمية والجهل، ولقلة الدين، ومثال حي لأناس يعانون من الخواء من الاخلاق النبيلة، ومن الدين، ومن الفضيلة، ومن كل المعاني الانسانية، وان كل همهم يتجه الى تزييف الحقائق، وتزيين الخرافات، والاباطيل ، واجتراح الأساطير للناس، بلا كلل ولا ملل..
ولنفترض وجود بعض الهنات فيما يقرؤونه، ولسنا نجد من ذلك ما يستحق الذكر، فان ذلك لا يبرر لنا اتهامهم بوضع الاساطير والاباطيل، لانهم ينقلون ما وجدوه، ويتلون علينا ما قرأوه، فان كان ثمة من ذنب فانما يقع على غيرهم دونهم..
حجم التزوير:
وفي حين اننا لا ننكر وجود شاذ نادر حاول ان يزور، أو يحرف او يختلق أمراً، أو ان ينسج من خياله تصويراً لمشهد بعينه، لكننا نقول: ان هذا النوع من الناس في ندرته، وفي قلته، وفي حجم محاولاته ، وفي تأثيره اشبه بالشعرة البيضاء في الثور الأسود؛ فلا يمكن ان يبرر ذلك اطلاق تلك الاحكام العامة والشاملة الهادفة الى نسف الثقة بكل شيء..
نقول هذا، وكلنا شموخ واعتزاز لإدراكنا ان عاشوراء حدث هائل، بدأت ارهاصاته منذ ولد، وحتى قبل ان يولد الامام الحسين ، واستمرت الارتجاجات التي احدثها تتوالى عبر القرون والاحقاب، ولسوف تبقى الى ان يرث الله الارض ومن عليها..
وقد اشتمل هذا الحدث نفسه بالاضافة الى ارهاصاته، وتردداته، وآثاره، على مئات الحوادث، والتفصيلات، والخصوصيات الصغيرة، والكبيرة، والمؤثرة على أكثر من صعيد، وفي اكثر من مجال..
ولكن .. وبرغم هذا الاتساع والشمول، فان أحداً لم يستطع، ولن يستطيع - مهما بلغ به الجد - أن يثبت علمياً أياً من حالات التزوير او الخرافة ، إلا الشاذ النادر الذي يكاد لا يشعر به أحد بالقياس الى حجم ما هو صحيح وسليم، رغم رغبة جهات مختلفة بالتلاعب بالحقيقة، وبالتعتيم عليها، وذلك لشدة حساسية هذا الحدث، وتنوع مراميه، وتشعب مجالاته، واختلاف حالاته وتأثيراته..
وحتى، الذين ينسب اليهم انهم اسهموا في اثارة هذه الحملة الشعواء، يسجلون هذه الحقيقة بوضوح، ويعتزون بها، فيذكر الكتاب المنسوب الى الشهيد المطهري عن المرحوم الدكتور آيتي قوله: "ان تأريخ أبي عبدالله الحسين يعتبر نسبة الى كثير من التواريخ الاخرى تاريخاً محفوظاً من التحريف، ومصاناً منه".
وذلك إن دل على شيء فهو يدل على ان الله سبحانه قد حفظ هذا الدم الزاكي ليكون هو الحافظ لهذا الدين، فأراد له أن يبقى مصوناً صافياً نقياً الى درجة ملفتة وظاهرة.
ويتجلى هذا اللطف الالهيّ، والعناية الربانية، حين تفاجؤنا الحقيقة المذهلة، وهي انه حتى تلك الموارد النادرة جداً التي يدعيها هذا البعض لم تدخل في تاريخ كربلاء؛ لانها قد جاءت مفضوحة الى درجة انها تضحك الثكلى، وتدعو الى الاشمئزاز والقرف..
وذلك من قبيل قولهم - كما سيأتي - : ان عدد جيش يزيد في عاشوراء كان مليوناً وست مئة الف مقاتل.. وان الامام الحسين قد قتل منهم بيده ثلاث مئة الف.. وان طول رمح سنان بن أنس، الذي يقال: انه احتز رأس الحسين كان ستين ذراعاً.. وان الله قد بعثه اليه من الجنة.. وكذلك الحال بالنسبة لعرس القاسم.
وظهر بذلك مصداق قول رسول الله في الحسين : انه مصباح هدى، وسفينة نجاة.
فصدق الله، وصدق رسوله، وصدق اولياؤه الابرار، الطاهرون، والائمة المعصومون..