الرجوع الى الحوزة العلمية في فكر الشهيد الصدر (ع) (2)
بتاريخ : 07-Oct-2011 الساعة : 04:56 PM
اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الرجوع الى الحوزة العلمية في فكر الشهيد الصدر (ع)
الكاتب : ابو حسن الزيادي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وعترته الاطهار
تحدثنا في الحلقة السابقة عن بعض الامور المتعلقة بكلمة السيد (( لاتقولوا قولا ً ولا تفعلوا فعلا ً الا بعد الرجوع الى الحوزة العلمية)) واليوم نكمل الحديث عن امور اخرى:
الامر الثالث: ان مسألة الرجوع الى المرجعية الدينية وطاعتها لابد ان تكون مسبوقة بخطوة مهمة جدا ً وهي البحث عن المرجعية المخلصة الواعية لان مسألة التقليد ومراجعة الامة لمرجعيتها لا تصح لكل من ادعى المرجعية او طـُرح اسمه في الشارع، بل لابد لكل فرد من اجراء الفحص الدقيق عن المرجع الجامع لشرائط التقليد وصفات القيادة الفذة وبعض هذه الصفات والشرائط، كما يرى سماحة الشيخ المرجع اليعقوبي (دام ظله)، ثابتة كالاجتهاد والعدالة والذكورة وغيرها من الشرائط المذكورة في الرسائل العملية والبعض الاخر شرائط متحركة كالرؤية الميدانية الدقيقة والمعايشة مع الواقع والتفاعل مع قضايا الامة والتشخيص الواعي الحكيم لمشاكلها وطرق معالجتها، وقد يركز البعض في بحثه عن المرجعية على قضية الفقاهة والاعلمية فقط، وهذا الامر وان كان صحيحا ً ومطلوبا ً الا ان الاهم منه ان تتصف المرجعية بالاخلاص والمعرفة العميقة بالله تعالى وتهذيب النفس والتجرد عن الانانية الفردية والفئوية والنزاهة في العمل والمحبة للناس والشعور بهمومهم والامهم وامالهم وهذه الصفات الاخلاقية العظيمة لا تـُكتسب الا بشوط طويل من التربية والعمل في مجال الجهاد الاكبر مع النفس.
وقد اكد السيد على ضرورة وجود هذه الصفات في المرجعية، قال (قد) (( ان المهم فيه (أي المرجع) هو الاتجاه نحو العدالة الاجتماعية وانصاف الناس من نفسه كما قيل في الحكمة (قل الحق ولو على نفسك) وادراك المصالح العامة، فان وجدتموه شخصا ً من هذا القبيل فتمسكوا به والا فدعوه الى غيره فان الانانية في المرجعية هي العنصر الغالب مع الاسف جيلا ً بعد جيل، وهذا هو المضر حقيقة في الحوزة خاصة، والمرجعية عامة، فاتبعوا شخصا ُ من المجتهدين ليس له مثل هذا الطبع بل له اتجاه التضحية في سبيل الاخرين وبذل النفس والنفيس في سبيل دينه ومذهبه))، فالامة مكلفة في كل عصر ببذل قصارى الجهود في البحث عن القيادة الحقيقية الواعية المخلصة، فاذا وجدت الامة مرجعيتها وجبت عليها طاعتها والتسليم لقولها والعمل بأوامرها والانتهاء عند نهيها وبذل النصرة والطاعة لها.
الامر الرابع: ان مقام المرجعية العظيم ومكانتها في نفوس الامة وموقعها الاجتماعي هو مما يطمع به بعض اصحاب النفوس المريضة الذين غلبت شهواتهم عقولهم وملأ حب الدنيا قلوبهم وخدعهم الشيطان بغروره وتزييفه وسولت لهم نفوسهم الامارة بالسوء، فيبدأون بتقمص هذا المقام وادعاء هذه المكانة والتصدي لذلك الموقع عن طريق خداعهم الناس وتضليلهم بادعائهم العلم والفضل و ترويج الابواق الاعلامية لامتلاكهم الهيبة والقدسية والعرفان والكشف، وقد يستغل البعض فكرة وجوب طاعة الامة للمرجعية في الدعوة الى وجوب طاعتهم وعدم جواز مناقشتهم اومراقبتهم اوالسؤال عن احوالهم، وهذا الامر فيه خطر كبير على الامة وحركتها ومستقبلها فينبغي ان تحذر من هؤلاء المدعين لذلك المقام والمستغلين لامتيازاته وصلاحياته، وهذا الامر ايضا ً من الامور التي حذر منها السيد (قد)، قال (قد) (( لا تعتمد على من تحسن به الظن لمجرد الهوى او لمجرد الميل الدنيوي او امور اخرى اجتماعية او حوزوية او نحو ذلك من الامور، في الحقيقة هذا مما يكثر فيه الدس اكيدا ً وهناك جهات كثيرة داخلية وخارجية تستطيع ان تدس وما اسهل ان تدس وانت تعلم انه ما اسهل للشخص من قبيل ان يدخل في السلك الديني او يلف العمامة على رأسه وما اسهل ان يدعي المدعي ما ليس له، وهذه هي الخطورة الحقيقية في الدين، فمن هذه الناحية انا انصح الشيعة عموما ً ان لا يضعوا اقدامهم الدينية، لو صح التعبير، على ركن هار بل على ركن وثيق وعروة وثقى، حتى يفوزوا في الدنيا والاخرة، الحوزة انما هي مذاهب متعددة وكذلك اتجاهات واراء مختلفة في داخلها وخارجها، فمن هذه الناحية ينبغي الحذر جدا ً من تمكين شخص ثم بعد ذلك يوجب ان نقول ان هذا فيه نقائص وهذا كذا، فسنكون في النار نحن في الحقيقة انما اعنا على ضرر انفسنا في الحقيقة حينما نكون قد دعمنا من لا يستحق الدعم)).
الامر الخامس: ان مسألة القول والفعل التي اوجب السيد رجوع الامة فيها الى المرجعية الدينية لا يقصد منها القول والفعل الفرديين، أي القول والفعل الذي يعود سلبا ً او ايجابا ً على الفرد وان كان المطلوب من الانسان ان ينظم كل اقواله وافعاله بحسب مايريده الله ورسوله (ص) والائمة (ع) والمرجعية الدينية، ولكن السيد (قد) في مقولته هذه كان يقصد القول والفعل الاجتماعيين، أي القول والفعل الصادر من الانسان بما يعود سلبا ً او ايجابا ً على المجتمع من الناحية الدينية او السياسية او الاجتماعية او غيرها من النواحي المهمة، وذلك لما لهما من التأثير الكبير على مصالح الامة الحقيقية وحركتها الرسالية نحو تحقيق اهدافها المستقبلية.
والشاهد على ذلك ان السيد (قد) اطلق هذه المقولة وشدد عليها واكد على العمل بمضمونها بعد صدور بعض الهتافات وردود الافعال من اتباعه في محافظة الناصرية بعد اعتقال امام جمعتها مما ادى الى التصادم بينهم وبين ازلام النظام السابق، وهذا ما ادى الى المزيد من الاعتقالات والى تشنج الموقف بصورة كبيرة بين النظام ومرجعية السيد (قد) لاسيما بعد ان طالب (قد) الحكومة بالافراج عن المعتقلين من على منبر الجمعة، وهذا امر كان لا يرغب به السيد (قد) لانه كان يريد ان يستمر وقت اطول في اقامة صلاة الجمعة ونفع الناس وارشادهم وتربيتهم التربية الاسلامية الحقيقية وهذا لا يكون الا بالتعامل مع النظام المعادي له بحكمة ووعي وحذر، الا ان هذه الامور التي صدرت من اتباعه ادت ما ادت من نتائج ومضاعفات سلبية على حركته (قد)، لذلك نبه السيد (قد) اتباعه ليتجنبوا الاقوال والافعال غير المسؤولة والمستعجلة وطالبهم بعدم صدور القول والفعل منهم الا بعد ان يراجعوا الحوزة العلمية، فقال لهم (قد) (( ان هناك افعالا ً واقوالا ً لعلها مخلصة ولكنها بالتأكيد غير مسؤولة وهي مستعجلة بكل تأكيد من قبيل الهتافات الزائدة التي تصدر من قبل جماعة من المؤمنين، وقد رأينا ما لها من المضاعفات وانا قلت بتوصيتين واكررهما: اولا ً- انه لا تقل قولا ً ولا تفعل فعلا ً الا بعد السؤال عن الحوزة العلمية، ثانيا ً- انه لا تقل قولا ً ولا تفعل فعلا ً منافيا ً لوجود صلاة الجمعة، لاجل احراز بقاء صلاة الجمعة فان هذه النتيجة اهم من كل الهتافات لو صح التعبير، ولا شك ان ما حدث كان فيه غفلة او تغافل عن هذين التعليمين الالزاميين فالرجاء ان تأخذوهما مستقبلا ً بنظر الاعتبار جدا ً)) ومما قاله (قد) في موضع اخر من خطبه ((كونوا على مستوى المسؤولية في تحمل هذه النعمة والشيء الرئيسي انكم لا تتسرعوا بعمل او قول حرام حرام حرام لا تتسرعوا بعمل او قول انظروا الله اولا ً وللمراجع العظام ثانيا ً وليس لك ان تعمل عملا ً صبيانيا ً تعرض فيه نفسك واسرتك ومذهبك ودينك الى ما لا يقبله الله)) وقال (قد) في موضع اخر ((اطيعوا علمائكم فقط والا فلا، اذا تريدون نفع الدين ووجود هذه الفرصة المتاحة بعون الله، والله تعالى هو مسبب الاسباب، انما لا يكون الا بطاعة التوجيه الديني، ليس اكثر ولا اقل وكل من يقول غير ذلك ضع في فمه التراب)).
من هنا نعرف ان الامة مطالبة بان تكون متزنة ً في اقوالها واعية ً في افعالها مغلبة ً العقل على العاطفة في ردود افعالها ومواقفها وان تحسب لكل شيء حساب بما يحقق المصلحة الدينية العامة، وهذا ايضا ً مما اشار اليه السيد (قد) (( ينبغي ان يقدموا عقولهم قبل ان يقدموا عواطفهم)) ويضيف كذلك ((ينبغي ان يكونوا متزنين، لا يكونوا اطفالا ً هذا ضروري، اكثر من ضروري حبيبي، لحفظ المصلحة العامة))، ولما كان الكثير من ابناء الامة ليس على هذا المستوى من الاتزان والوعي فان المرجعية هي التي تستطيع ان تضبط حركة الامة وتسدد مسيرتها من خلال رجوع الامة اليها وطاعتها والسير خلف قيادتها الحكيمة.
اللهم وفق امتنا لطاعة مرجعيتها الحقيقية والسير على هداها والاقتداء بها في القول والفعل واحفظ مراجعنا العاملين المخلصين وسدد مسيرتهم في قيادة الامة نحو تكاملها وسعادتها وتأهيلها لنصرة امامها المهدي (عج) حين ظهوره ليملأ الارض قسطا ً وعدلا ً بعدما ملئت ظلما ً وجورا ً
ارفعو يديكم الى الدعاء