اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
الإخطبوط
إنسان غريب، تسلم وظيفته دون تفكير ودون تقييم، ودون معرفة كاملة بمهامها، كمن يرمي بنفسه في حوض سباحة دون معرفة بالعوم. لم يستطع الممانعة أو تغيير رأيه، للعرض المادي المغري الذي حصل عليه، ولم يكن ليحصل عليه أي من الموجودين رغم قدم خبرته. ولفقدانه عمله السابق، الذي مسح من ذاكرته تماما فكرة الرجوع إليه.
اغرب ما في الأمر موافقته على شرطين واختبارين، أحلاهما مر. أن يستولي على وظائف بعض الرؤساء الموجودين، وان يكون لمدير الشركة الحق في إيقافه عن عمله، أي وقت شاء دون معارضة. لذا كان عليه - لو كنت مكانه - وضع خطة محكمة، ينفذها بأقصى سرعة، ليتمكن من قيادة دفة المعركة على عدة جبهات في آن واحد.
وجوده حولنا بشهاداته العالية وخبراته الطويلة، والكلام العريض الكبير الذي سمعناه عنه، جعل شعر رؤوسنا يقفز من محله، كأنما جذبه حجر مغناطيسي كبير. وأدمغتنا تدور بها الدنيا، كأنما سقطت وسط دوامة بحرية سريعة. لذا كان علينا العمل معا وبحذر تام، وعدم إعطائه الفرصة لتنفيذ مخططاته.
قررنا جميعا بما أننا ابتلينا على حد سواء بهذا الإخطبوط، النهم للمعلومة والشبق لمعرفة كل كبيرة وصغيرة، كحوت ضخم يلقف ما يمر به دون مضغ. وبما أننا لا نستطيع الامتناع من تعليمه وتدريبه، ولكننا نتمكن من عدم فقدان وظائفنا، بعدم الكشف عن خبراتنا الطويلة وبعض المعلومات السرية، فنبقيه بحاجة دائمة لنا.
كان البعض منا يقول والحسرة والندامة تأكل قلبه: لسنا خائفين مما يجري حولنا، ولابد في يوم ما أن نترك أعملنا بطيب خاطر أو رغم عنا، فدوام الحال من المحال.
كلما سئلنا عن شيء نخافه عليه نقول متظاهرين بالود والحب، وقلوبنا تتمزق حقدا له: لا تعجل فكل هذه الأشياء تتعلمها مع الوقت، ومع تراكم الخبرات.
رغم ما عملناه به، محاولين تثبيطه وإذلاله، بقي قويا متماسكا لا تهتز له قناة. وعندما فقد الأمل في الوصول عن طريقنا لهدفه، حاول الاعتصام بالتقنيات الحديثة، وكسب المعلومات الأكاديمية، ليتعدانا ويتفادى الاصطدام بنا.
لذا قرر البعض منا العمل على قناة أخرى، يمكن مع إحكام حياكة نسيج شبكتها، بلوغ الغاية المرجوة منها. قالو وهم متذمرون غاضبون: نحن عصبة وأولوا باس شديد، ولكن القادم الجديد إذا ما طال بقاءه بيننا سوف يفسد أمورنا. ونحن أقدم منه في الشركة، واعلم منه بكيفية الوصول لقلب رئيس الشركة، وأهل مكة أدرى بشعابها.
وجهوا همتهم لهذه الناحية، ينقلون عنه أخبار كاذبة، انظر انه يمر بك دون إلقاء التحية! ويلهبون قلب الشيخ العجوز: أتعلم كم شهر مر، دون أن يفلح في إظهار أي تطوير، أو يبدي أي تجديد!
تم تنفيذ خطتهم خلال اشهر التدريب، ليخلوا لهم وجه الشيخ، ويبقوا من بعده على كراسيهم، والكثرة تغلب الشجاعة.
بقلم: حسين نوح مشامع – القطيف، السعودية