اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
طريق شفاء النفس من أمراضها، ونجاحها وفلاحها
إنَّ شفاء النفس من مرضها وطهارتها وخلاصها ممّا علق بها من أدران محبّة الدنيا يمكن أن يصل إليه الإنسان بأحد طريقين:
أولاً: طريق يحصل به الإنسان على شفاء مؤقت يكون صاحبه معرضاً دوماً للانتكاس وعودة المرض.
ثانياً: وطريق يحصل به شفاء دائمي يعقبه رقيّ في الكمال ووصول للتقوى ورؤية الحقائق.
فأما الطريق الأول فهو الذي سلكه بنوا إسرائيل الذين آمنوا لموسى ، ورغم كل ما رأوه من معجزات أيده الله بها، وبعد أن رأوا بأم أعينهم كيف أغرق الله عدوهم فرعون وأنجاهم، رغم كل ذلك عبدوا العجل بعد غياب سيدنا موسى عنهم أربعين يوماً فقط!. فهؤلاء تصديقهم اعتقادي، ذلك التصديق الذي لم يتوصل إليه صاحبه عن طريق تفكيره الشخصي بل عن طريق السماع والوراثة من غيره وشهود المعجزات.
وهذا الطريق كما يبدو لنا "من القصص المذكورة في القرآن الكريم عمن سبق" وإن كان يزرع في قلب صاحبه الخوف من الله، لكنه لا يعرِّف الإنسان بعظمة خالقه وعالي شأنه كما لا يحلّي النفس بالكمال وجُلّ ما يقوم به صاحبه من العبادات منبعث عن الخوف من العقاب، وأعماله التي يقوم بها مجرد تقليد وكثيراً ما تتصارع الشهوة العمياء مع هذا التصديق المبني على الخوف من العقاب وحيث أن نفس هذا الشخص لم ينطبع فيها شيء من الكمال، ولم يتوصَّل إلى معرفة الحقائق ولذلك كثيراً ما تسيطر الشهوة فتعمي صاحبها وتصمُّه وتتغلَّب على خوفه من الله فيقع فيما يقع فيه من المعصية، فإذا هو وقع في الفعل، وخلت نفسه ممّا كان يشغلها عاد إليه الخوف من الله وعندئذٍ يداويه ربه بما يسوقه له من الشدائد من مرض أو خوف أو نقصٍ في الأموال والأنفس.
وبهذه الشدائد تزهد نفسه فيما علق بها من الشهوات وتطهر من أدران محبة الدنيا وجراثيم الخبث إذ لم يعد لهذه الشهوات محل ولا وجود من هذه الشدة المحيطة، لكنها طهارة آنية وشفاء مؤقّت، فإذا زالت الشدة وارتفع البلاء ولم تسلك النفس طريق التفكير الذي يحصل به الشفاء الدائمي الذي سنتعرّض للبحث عنه فسرعان ما ينبت الجرثوم من جديد وسرعان ما يعود الصراع بين تصديق هذه النفس وبين شهوتها.
ذلك كان حال أكثرية بني إسرائيل طوال صحبتهم لرسولهم وهذا حال فريق من الناس في هذه الأيام.. نفوسهم ملأى بالشهوات وعباداتهم مبنية على الخوف مجرّدة من كل وجهة إلى الله ومعدومة التأثير على النفس. وما ذكر الله تعالى لنا قصة بني إسرائيل إلاَّ ليعلّمنا ويحذرنا. قال تعالى: {وَتِلْكَ الأَمثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إلاَّ العَالِمُونَ} سورة العنكبوت: الآية (43).
والآن وبعد أن انتهينا من ذكر الطريق الأولى التي تحصل بها الطهارة الآنية والشفاء المؤقّت ننتقل للطريق الثانية التي تحصل بها الطهارة الدائمية والشفاء التام والتي يعقبها السير في طريق الكمال فنقول:
- أول ما يبدأ به الإنسان في هذه الطريق أن يتأمل و يفكر في آيات الكون تفكيراً عميقاً مقروناً بطلب الحقيقة.
- فإذا هو فكر وواصل التفكير والتأمل فلا شك أن تفكيره هذا يصل به إلى تعظيم صنع هذه المخلوقات.
- وتعظيم صنع هذه المخلوقات ينتقل بالنفس إلى عظمة الخالق الصانع الموجد وقدرته.
- وتعظيم الخالق يبعث في النفس الخشية منه تعالى.
وتلك الخشية تحمل صاحبها على الاستسلام لله تعالى والاستقامة على أمره.
- وبهذه الاستقامة المقرونة بشيء من فعل الخير تتولّد في النفس الثقة برضاء الخالق عنها.
- وبهذه الثقة تستطيع النفس أن تحصل لها صلة به تعالى وإن شئت فقل تستطيع أن تُصلِّي.
- وبالصلاة تتحلَّى النفس من الله تعالى بحلية الكمال وتخلص من كل ما علق بها من جراثيم الخبث والشهوات الدنيئة.
تلك هي الصلاة الحقيقية وتلك هي طريقها وفوائدها.وهذا هو الطريق الذي يستطيع كل إنسان أن يسلكه ليخلص ممّا به من أدران ويُشفى ممّا به من أمراض نفسية خلاصاً تاماً وشفاءً دائمياً.
قال تعالى: {..إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ..} سورة العنكبوت: الآية 45.