اللهم صل على محمد
وآل محمد وعجل فرجهم والعن أعدائهم
مشكلة سوء الفهم أو التفاهم واحدة من القضايا المهمة التي تعيشها حالتنا الدينية والتي نجد تجلياتها بصورة واضحة في عدة أمور:
1: ما نعيشه من جفاء لبعضنا البعض على الصعيد الفكري سواء كان هذا الجفاء مقصوداً أم لم يكن.
2: حالة اللاثقة في التعامل مع الأخر ومواقفه.
3: حالة التراشق الإعلامي المبطن في بعض الأحيان وتوزيع التهم.
4: محاولة إقصاء الآخر، أو فكره عن الساحة، وتصنيفه في قائمة الممنوعات غير المرغوب في اقتناءها.
هذه الصور وغيرها إنما هي مشخصات الظاهرة المرضية التي نحن بصدد بحثها وهي واحدة من الظواهر التي تعيشها ساحتنا الإسلامية على صعيد الفكر والواقع، لها أسباب ولها أيضاً طرق علاجية.
قبل الولوج والخوض في غمار هذه المشكلة نجد انه من الضروري أن نقدم لها بمقدمة تكون مدخلاً لهذا الموضوع.
تمهيد لابد منه
إن الحقيقة هي الثابت الذي ينبغي أن يتمحور حوله الجميع، وما عداها لا ثبات له ومن هنا لا يمكن التخلي عن الثابت لأجل المتغير المتحرك فضلاً عن جعله محوراً ندور حوله ونرتكز عليه في اتخاذ المواقف والقرارات ـ قريبة أو بعيدة المفعول ـ خصوصاً حين تكون آليتها وتوجهها هو التعامل مع الأخر.
ومن نافلة القول أن القرآن ركز كثيراً على الثابت وضرورة التعامل الفعّال معه فإنّه الباقي وغيره يقول عنه القرآن ( كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً... ) (2).
فالماء في هذه الآية هو الثابت الذي نتحرك نحوه ونتمسك به، والسراب هو ما نعتقده نحن في كثير من الأحيان أنه الحقيقة ونتحرك على أساسه والحال انه لا وجود له إلا في الذهن.
وللتأكيد على نفس الحقيقة يذكر القرآن مثالاً أخر في قوله تعالى ( ألم تر كيف ضرب الله مثلاً كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء... ) (3).
ولتعميق هذه الحقيقة في نفوس البشر يقرر القرآن هذا الأمر ـ التمحور حول الحقيقة ـ بصورة محسوسة(4) يدركها الإنسان ويتفاعل معها أثناء حركته اليومية.
( ..كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاءا وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض كذلك يضرب الله الأمثال) (5).
وهذا يعني أنه لا يوجد ثبات إلا للحقيقة ـ التي هي محور الكون ـ ومهما حاولت النظريات أن تصوّر عكس ذلك وتشبه الباطل بالحق في بعض الأوقات فإن ذلك لن يبدل شيئاً ولا وجود له إلا في أذهانهم فقط.
وهل يمكن أن نستمد الحق من الباطل أو نثبت الوجود بالعدم ونعتمد عليه في الوصول إلى الحقائق كأساس علمي رصين.
ومن هنا يمكن أن نصف معارضة الناس للأنبياء(ع) حيث أن الأنبياء(ع) جميعاً تحدثوا عن الله تعالى كمفهوم مجرد بينما حاول الناس فهم هذه الحقيقة على أساس حسي مادي لأن عقولهم لم تكن تمتلك القدر الكافي من النضج والفهم بحيث يدركون معنى هذا المفهوم كما يقول القرآن (وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة)(6).
ولذا من الضروري فهم هذا الأمر وجعله مرتكزاً نتعامل معه في حياتنا الفكرية والسلوكية ولا يمكن التعامل مع الأخر من دون تقرير هذه الحقيقة بصورة واضحة وجليّة ثم التفاعل معها بنحو من الإيجابية لتصبح سلوكاً حركياً يصبغ حواراتنا وفهمنا للأخر.