إلى جنة المأوى
وثقل حال الإمام أبي محمد (عليه السلام) ويئس الأطباء منه وأخذ يدنو إليه الموت سريعاً وكان في تلك المرحلة الأخيرة من حياته يلهج بذكر الله يمجده ويدعو ربه ضارعاً أن يقربه إليه زلفى ولم تفارق شفتاه تلاوة كتاب الله العظيم واتجه الإمام (عليه السلام) صوب القبلة المعظمة وقد صعدت روحه الطاهرة إلى الله تعالى كأسمى روح صعدت إلى الله تحفها ملائكة الرحمن
وهكذا كان موته أعظم خسارة مني بها المسلمون كافة من ذلك اليوم الى يومنا هذا
فقد فقدوا القائد والموجه والمصلح الذي كان يحنو على ضعفائهم وأيتامهم وفقرائهم وارتفعت الصيحة من دار الإمام وعلت أصوات العلويات والعلويين بالنحيب والبكاء
تجهيزه
وغسل جسد الإمام وحنط وأدرج في أكفانه وحمل للصلاة عليه فانبرى أبو عيسى بن المتوكل عليه بأمر من المعتمد العباسي وبعد الفراغ من الصلاة كشف وجه الإمام وعرضه على بني هاشم من العلويين والعباسيين وقادة الجيش وكتاب الدولة ورؤساء الدوائر والقضاة والمتطببين وقال لهم:
هذا الحسن بن محمد بن الرضا (عليهم السلام) مات حتف أنفه على فراشه وحضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان، ومن القضاة فلان وفلان، ومن المتطببين فلان وفلان، ثم غطى وجهه الشريف
مواكب التشييع
وسرى النبأ المفجع في جميع أرجاء سامراء فكان كالصاعقة في هوله وهرع المسلمون إلى دار الإمام وهم ما بين باك ونائح وقد عطلت الدوائر الرسمية والمحلات التجارية وأغلقت جميع الأسواق، وكانت سامراء شبيهة بالقيامة. ولم تشهد في جميع فترات تاريخها مثل ذلك التشييع الذي ضم موجات من البشر على اختلاف طبقاتهم وميولهم ونزعاتهم وهم يعددون فضائل الإمام الزكي ومآثره ومناقبه ويذكرون بمزيد من الأسى واللوعة الخسارة العظمى التي مني بها المسلمون
في مقره الأخير
وجيء بالجثمان الطاهر تحت هالة من التكبير والتعظيم إلى مقره الأخير فدفن في داره إلى جانب أبيه علي الهادي (عليه السلام) وقد واروا معه صفحة مشرقة من صفحات الرسالة الإسلامية وواروا فلذة من كبد رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لقد حظيت سامراء ببدرين من أئمة المسلمين وقادتهم وصارت في طليعة الأماكن المقدسة في دنيا الإسلام وهي حافلة في كل وقت بالزائرين من جميع الأقاليم والأقطار
وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة وأتم التسليم
على سيدنا وحبيب قلوبنا محمد واله الطيبين الطاهرين
وأسألكم خير الدعاء لي ولوالدي بالمغفرة والرضوان
بحق محمد وال محمد وعجل فرج قائم ال محمد